العدد 2325 - الجمعة 16 يناير 2009م الموافق 19 محرم 1430هـ

باي باي بوش

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

احتدم الجدل بين المؤرخين أخيرا بشأن هل سيضعون الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جورج بوش الذي سيغادر البيت الأبيض بعد ثلاثة أيام في قائمة الرؤساء الأميركيين كأسوأ رئيس على الإطلاق أم أن هناك رؤساء سابقين كانوا أسوأ منه؟. بيد أن كثيرين حسموا أمرهم واعتبروا فترة رئاسته على أنها الأسوأ في التاريخ الأميركي. ربما هؤلاء يوافقوننا الرأي نحن أهل المنطقة ولكن ما هو المعيار الذي يمكن أن نستند إليه ليكون التقييم محايدا بشأن عهد بوش الابن؟. لنكن منصفين ونجعل المعيار في ذلك البرنامج السياسي والاقتصادي الذي وضعته الإدارة الأميركية بزعامة بوش لنفسها ونرصد ما هي الانجازات والإخفاقات في تنفيذ ذلك البرنامج.

فعلى سبيل المثال تعهدت إدارة بوش بنشر الديمقراطية في العالم عموما ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص،ونرى اليوم فشلا ذريعا في الإصلاحات السياسية في المنطقة بل وتراجعا في الحريات العامة في الكثير من الدول. وأخذت الإدارة الأميركية تغض الطرف عن نتائج الانتخابات في بعض الدول وإن كانت مزورة وتشكك في أخرى وإن كانت نزيهة وفقا للمصالح الأميركية. ثم ماذا بعد؟. وعدت إدارة بوش بجعل العالم أكثر أمنا من خلال شن ثلاث حروب على الأقل، حرب في أفغانستان، والعراق وأخرى خفية فيما يسمى بالحرب على الإرهاب والتي في جوانب كثيرة منها تكون حرب أفكار وايدولوجيا. الحرب في العراق كانت أم الكوارث على إدارة بوش إذ شهدت إخفاقات عدة كان أبرزها الفشل في تأكيد السبب الرئيسي من وراء شنها ألا وهو البحث عن أسلحة الدمار الشامل لدى نظام صدام حسين والتي لم يعثر عليها حتى الآن، واعترف بوش نفسه بخطأ المعلومات الاستخباراتية بشأنها الأمر الذي تسبب في حال انعدام ثقة بكل تداعيات الحرب كما أن انتهاكات حقوق الإنسان ممثلة في سجن أبوغريب سيئ الصيت قد صدمت العالم الحر. وهكذا وبعد ست سنوات من التغيير في بلاد الرافدين لم يعد للعراق ذلك الثقل مقارنة بمحيطه الإقليمي كما كان من قبل سواء على المستوى العسكري أو السياسي الذي مازال هشا.

أما حرب أفغانستان فحدث ولا حرج... إنها الجبهة المنسية رغم كل الزخم المتعلق بزيادة قوات حلف الناتو، فوجود طالبان أصبح حقيقة واقعية، وأصبح لدى الحركة مناطق محررة يخرج فيها المواطنون في مظاهرات متفاعلة مع ما يجري حولهم من أحداث عالمية.

ورغم أن إدارة بوش اهتمت بملفي إيران وكوريا الشمالية النوويين إذ اتبعت الدبلوماسية مع بيونغ يانغ والعقوبات مع طهران إلا أن الدولتين خرجتا من هذه المواجهة وهما أكثر قوة وتشبثا بمواقفهما السابقة، فكوريا الشمالية أعادت بناء مفاعلها النووي نتيجة لعدم وفاء واشنطن بالتزاماتها، بينما لم تعد إيران تخشى أحدا فيما تنوي القيام به من أنشطة نووية سواء كانت مدنية أو عسكرية.

وبشأن أسطورة ما يسمى بـ»عملية السلام» في الشرق الأوسط فقد ذهبت كل الجهود غير الجادة إلى مزبلة التاريخ في عهد بوش. فقد ختمت هذه الإدارة اليمينية عهدها بزرع حال من العداء المستشري لأميركا و»إسرائيل» لم يشهد له مثيل في المنطقة وذلك بإطلاق يد الدولة الصهيونية لتستعرض قوتها وترتكب جرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة. وخلقت هذه الإدارة انقساما عربيا خطيرا بتقسيمها الدول العربية إلى معتدلة ومتطرفة من خلال اتباع سياسة «فرق تسد» والمقصود منها إضعاف قوى الممانعة أو تلك التي تحاول الاستقلال في اتخاذ قرارها.

ربما يقول كثيرون إن إدارة بوش أحرزت بعض الانجازات في إفريقيا وآسيا، حيث أنها ساعدت في برنامج مكافحة مرض نقص المناعة الايدز من خلال توفير الأمصال وأيضا ساعدت في إحلال السلام في جنوب السودان الذي شهد أطول حرب في القارة، وأنها أقامت علاقات متينة مع الهند. ولكن فيما يختص بالمساعدة لإفريقيا فإن كل تحرك قامت به الإدارة الأميركية كانت وراءه مآرب أخرى تتمثل بعضها في إقامة قواعد عسكرية أميركية لمكافحة حركات التطرف في القارة السمراء وبعضها من اجل الحصول على مكاسب انتخابية داخلية. أما بشان إحلال السلام في جنوب السودان فان ذلك يقابله عمل تخريبي أميركي كبير في إقليم دارفور غرب البلاد. كما أن العلاقات الأميركية الهندية كانت على حساب القضية الكشميرية وعدم التعاون الجدي مع باكستان الإسلامية المجاورة.

لم يكن عهد بوش سيئا في الشئون السياسية فحسب، بل في مجال البيئة. فقد وجهت لإدارته انتقادات عالمية لرفضه فرض حدود على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى البلاد لمكافحة التغير المناخي وهو الموقف الذي زاد من الشعور بالعجرفة الأميركية.

قد يقول قائل إن إدارة بوش نجحت في الأمن الداخلي بحيث لم تتعرض الولايات المتحدة لهجوم إرهابي على مدى سبعة أعوام ولكن لا ننسى أن بوش أوصى بأن أخشى ما يخشاه على إدارة اوباما الجديدة أن تتعرض البلاد لهجمات. لماذا إذن؟ أليس ذلك دليل على هشاشة الوضع وفشل سياساته ومدى كراهية البعض لفترة حكمه بحيث تدنت شعبيته إلى اقل من 30 في المئة. وماذا يفيد الأمن الداخلي إذا كان كل مواطن يشعر بعدم الأمان المالي والاقتصادي إذ خلفت إدارة بوش أزمة مالية هي الأسوأ منذ 80 عاما واقتصادا أميركيا غارقا في الكساد وعجزا في الموازنة اقترب من نحو تريليون دولار بينما صورة أميركا في الخارج مشوهة للغاية. منذ ترك الرئيس هربرت هوفر لفرانكلين روزفلت الكساد العظيم لم يترك رئيس أميركي لخليفته قائمة طويلة من المشكلات المثبطة للهمة كتلك التي سيورثها جورج بوش لاوباما. إذا لا انجازات داخلية، فقد قضت الاستجابة المتأخرة والتي يشتم منها رائحة العنصرية لتداعيات الاعصار كاترينا على كل شيء.

وببساطة تعهدت إدارة بوش لناخبيها بأن تحافظ على الهيمنة الأميركية على العالم ولكن ماشهدناه تقارير استخباراتية أميركية تتحدث عن إمكانية نشوء قوى عظمى منافسة لأميركا في الشرق وذلك نتيجة لفقدان واشنطن لمكانتها الاقتصادية. وفي هذا السياق شهدنا ما يشبه العودة إلى الحرب الباردة.

وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته كثف هذه الأيام من إجراء المقابلات والمؤتمرات الصحافية لتلميع صورة عهده ولطلب الغفران ضمنيا إلا أن التاريخ لن يرحمه إذ لم يترك لخلفه محاسن ولا مراكز قوة مالية أو سياسية يمكن البناء عليها، ولذلك تنبأ المراقبون بأن يكون اوباما هو أول رئيس في عهد الامبراطورية الأميركية المترنحة.

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 2325 - الجمعة 16 يناير 2009م الموافق 19 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً