العدد 2332 - الجمعة 23 يناير 2009م الموافق 26 محرم 1430هـ

فلنعطِ أوباما فرصة

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

نعترف بأن الحماس الذي نشأ تجاه الرئيس الأميركي الجديد باراك حسين أوباما في منطقتنا لم يكن الآن كما هو عليه الحال وقت فوزه بالانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وذلك ربما يعود نسبيا إلى الصمت المطبق الذي أبدته الإدارة الجديدة تجاه العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة الذي أسمع الأصم وأبصر الأعمى وحرك كل ساكن في جميع أنحاء العالم إلا أوباما وقد عهدناه يصرح قبل تنصيبه بشأن إيران وهجمات مومباي وغيرها من القضايا.

ومع ذلك دعونا نتفاءل قليلا فانصراف جورج دبليو بوش وانتهاء عهده الأسود بحد ذاته مدعاة للسرور والبهجة، وبالتأكيد أوباما يختلف كثيرا عن بوش في كل شيء. ولذلك فإننا قد نجد للأول العذر كونه يواجه أزمات داخلية جمة يندى لها الجبين، ومن الضروري أن نمنحه فرصة على الأقل في المئة يوم الأولى في البيت الأبيض وننظر ماذا يحدث في سياسته الخارجية وخصوصا تجاه الشرق الأوسط.

لقد أصبح تقييم المئة يوم الأولى لرئيس أميركي جديد تقليدا أميركيا يرجعه المؤرخون إلى تفجر النشاط الأولي في بداية الرئيس الديمقراطي فرانكلين روزفيلت العام 1933. وكانت المئة يوم الأولى لروزفيلت لحظة حاسمة إذ إنها كانت فترة كفاح وتجديد خلال فترة الكساد الكبير.

وخلال المئة يوم المقبلة تتضح الرؤيا في الشرق الأوسط وخصوصا مع ظهور نتائج الانتخابات في الدولة العبرية «إسرائيل» في شهر فبراير/ شباط المقبل. وستتضح أيضا السياسة الخارجية الأميركية تجاه العراق، البرنامج النووي الإيراني، دارفور وغيرها. ونتوقع أن تنتهج إدارة أوباما دبلوماسية قوية وفقا لما أشار إليه خطاب التنصيب من إمكانية فتح صفحة جديدة في العلاقات مع العالم الإسلامي قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. فقد أعلن أوباما أن الولايات المتحدة دخلت في «عصر جديد من السلام»، موضحا أنه سيرسم طريقا للعمل مع الحلفاء لمواجهة المشكلات العالمية وقبول الدبلوماسية والمبدأ باعتباره الطريق المفضل للسياسة الخارجية. وأكد أوباما «فنتذكر أن أجيالنا السابقة واجهت الفاشية والشيوعية ليس فقط بالصواريخ والدبابات لكن أيضا بالتحالفات القوية»، وبالطبع ليست بالضرورة أن تكون تلك التحالفات عسكرية.

وأوضح الرجل «لقد فهموا (الأجيال الأميركية السابقة) أن قوتنا وحدها لا يمكنها أن تحمينا ولا تأهلنا لعمل ما نريده، وبدلا عن ذلك هم يعرفون أن قوتنا تنمو عبر استخدامها بحكمة... وينطلق أمننا من عدالة قضيتنا وقوة قدوتنا وصفات التواضع وضبط النفس».

ما أجمل هذه المبادئ التي وردت في خطاب تنصيب أوباما. لقد أوحت تلك الكلمات بأن الرئيس ذا الأصول الإفريقية لم يأت هكذا بالصدفة بل كان انتخابه مشروعا أمميا أميركيا تصالحيا مع ما أفسدته الإدارة اليمينية المتطرفة السابقة. ولذلك باستثناء الأزمة المالية العالمية وعملية السلام في الشرق الأوسط فإن كل مشكلة في العالم من الممكن أن تتجاوزها إدارة أوباما وتتأقلم معها بسهولة ما دامت تنتهج سياسة الحوار الهادئ وتستمع للرأي الآخر.

بيد أن العقبة الكأداء التي ستواجه الإدارة الأميركية الجديدة هي تشكيل حكومة إسرائيلية يمينية الشهر المقبل من المتوقع أن يقودها حزب الليكود بزعامة المتطرف بنيامين نتنياهو. وفي الواقع «إسرائيل» قلقة للغاية هذه الأيام لسببين: الأول تعيين أوباما للسيناتور السابق جورج ميتشل مبعوثا خاصا إلى الشرق الأوسط، والثاني تصريحات أوباما في خطاب التنصيب أنه سيتحاور مع العالم الإسلامي وخصوصا إيران وربما حركة حماس أيضا. فجورج ميتشل من أصول لبنانية وقد ترأس من قبل لجنة أميركية حققت في أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وواجه التقرير الذي أعده غضب شديد من جانب حكومة آرييل شارون... كما أن حكومة أولمرت الحالية لا تعتبره صديقا.

ومن الواضح أيضا أن «إسرائيل» غير مرتاحة لكثير من الشخصيات التي عيّنها أوباما ضمن إدارته، فكل من وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، ومستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونز ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وحتى رئيس طاقم الموظفين في البيت الأبيض (الذي يملك جوازا إسرائيليا) رام ايمانويل، كل هؤلاء غير مرغوبين من قبل حكومة إسرائيلية يمينية مرتقبة يشكلها نتنياهو، لا تؤمن بكلمة انسحاب (مثلا من هضبة الجولان المحتلة) وتستمد شرعيتها من انتشار المستوطنات وتهويد القدس الشرقية والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية. فايمانويل -الذي خدم في الجيش الإسرائيلي إبان الحرب على العراق العام 1991- لا تحبذه «إسرائيل» لأنه أيد في الماضي «مبادرة جنيف» التي تدعو إلى تسوية بين «إسرائيل» والفلسطينيين، وكذلك لا تحب الدولة العبرية غيتس لأنه يعارض مهاجمة إيران وكان من بين أعضاء لجنة أوصت في السابق بمصالحة مع سورية تقوم على إعادة هضبة الجولان لدمشق. أما جونز فيبغضه جهاز الأمن الإسرائيلي على إثر الجهود التي بذلها لتحسين أداء قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وقد أعد تقريرا شديد اللهجة ضد «إسرائيل» بشأن الجدار الفاصل وأمور أخرى. أما كلينتون فتخشى «إسرائيل» أن تستعين بزوجها (بيل) الذي لا يفضل حكومة يترأسها نتنياهو الذي أفشل خططا للسلام في السابق ويعتبره أكبر خطر على إرث إسحاق رابين واتفاق أوسلو.

عموما فلننتظر كما ذكرت سابقا، لنرى كيف تتصرف إدارة اوباما مع المعضلة الإسرائيلية وقضايا الشرق الأوسط الأخرى على رغم كل العراقيل التي حاول البعض زرعها قبيل التنصيب. فالتسريبات بأن هناك تهديدات إرهابية من جماعة إسلامية صومالية في يوم التنصيب (العرس السياسي لأوباما) كانت ضمن آخر المكائد التي دبرتها إدارة بوش حتى يستمر الخوف والرعب من كل ما هو «إسلامي»، على الرغم من الجماعة المعنية بالتهديد (شباب المجاهدين) مجرد مليشيا تحمل بنادق صدئة في دولة ممزقة في شرق إفريقيا تبعد آلاف الأميال عن الأراضي الأميركية وهي مشغولة بنفسها وهدفها انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال فكيف تهاجم رئيسا من أصول إفريقية أغلق سجن غوانتنامو ويعشم الكثيرين حتى تنظيم «القاعدة» في أن يغير الكرة الأرضية إلى الأفضل.

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 2332 - الجمعة 23 يناير 2009م الموافق 26 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً