العدد 2334 - الأحد 25 يناير 2009م الموافق 28 محرم 1430هـ

«مختار المخاتير»... ما وراء المسرحية مسرحية

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

شهدت مملكة البحرين في صيف العام 1986 أجواء فنية ممتعة رسمتها مسرحية «مختار المخاتير» التي طرحت بلون النقد الفكاهي مشكلة تسلط المخاتير واستحواذهم على خيرات المجتمع وإعاقة نموه بدلا من القيام بدور التنمية ومعالجة المشكلات. وهي القضية التي كانت تعاني منها الكثير من مناطق البحرين آنذاك بصورة خاصة.

لن أتسرع في ذكر سبب استحضار هذا الحدث الواقع قبل (22 عاما)، لكن من المؤكد أن مخرج المسرحية رئيس مسرح البيادر (حاليا) الفنان البحريني جمال الصقر مازال يتذكر النجاح الجماهيري الذي حققته مسرحيته التي عرضت على مسرح مدرسة عالي الابتدائية للبنين، بسبب جرأتها وحبكة القصة الساخرة التي لامست الكثير من المواقع المحرمة آنذاك. كما أن أحد أبطال المسرحية الفنان جمعان الرويعي (الذي لم يبلغ النجومية حينها) لابد أنه لم ينس بعد قدرته على إتقان اللهجة «البحرانية» وإضحاك الجماهير التي أعجبت بموقفه المناهض للمختار المتغطرس.

أما مؤلف المسرحية وبطلها (المختار) الفنان علي سلمان المسجن، فإنه لم يخفِ تفاجؤه بإصرار الجمهور على إعادة المسرحية التي قدمها مسرح نادي بوري الثقافي والرياضي لمدة أسبوع كامل بعد أن كان مخططا لها أن تعرض ليومين أو ثلاثة. كما أن المسرحية ضمت الكثير من الوجوه الفنية التي باتت غالبيتها من المشاهير حاليا في مجال المسرح أو غيره.

مجريات القصة وملامسة الواقع

تدور مجريات المسرحية حول مختار متسلط على قرية غارقة في الفقر والأمية، يتدخل في كل الأمور إلى درجة أنه لا يريد أحدا من القرية حتى أن يفكر، لأنه طبعا يريد لهم الراحة ويتكفل هو بالتفكير عنهم. وفي كل الأحوال يكون وحده الأعرف بمصالح القرية والأمين على أمنها واستقرارها دون سواه.

ويقوم جمع من شباب القرية الذين يضيقون بالوضع ذرعا لتعمير القرية وإصلاحها وانتشال أبنائها من الفقر، ولكن المختار يستغل كبار القرية مقبّلي «الخشوم» لإسكات الأصوات «النشاز» وإلا فلا مصالح لهم عنده، وهذا ما يفعله الكبار.

تتطور الأحداث ويحدث ما لم يكن في الحسبان، إذ يحدث انقلاب على المختار من داخل بيته، يقوده ذراعه الأيمن والمقرب إليه. ولكن القرية تتفاجأ بأن المختار الجديد أسوأ من سلفه وأكثر استبدادا، ما يؤجج الأوضاع ويزيد الاحتقان أكثر فيتمرد شباب القرية ويعلنوا الخروج على المختار الجديد لإنهاء مأساتهم.

خبر مسرّب مدعاة للقلق

تلك كانت بعض ذكريات تجمعت كلها وعادت إلى ذهني بمجرد قراءة خبر في إحدى الصحف المحلية (لعله كان مسرّبا) عن أن وزارة الداخلية تبحث هذه الأيام إعادة إحياء نظام «المخاتير» للقرى البحرينية «ليكون معينا للمحافظ في محافظات المملكة الخمس».

إذا صدق خبر الرسائل الرسمية التي أرسلتها وزارة الداخلية إلى المحافظين الخمسة تطلب فيها رؤاهم في النظام الجديد الذي من شأنه تقديم كافة (الخدمات) إلى جميع قرى ومدن البحرين وتوفير (الخدمات) للمحافظات الخمس، فعلى مجالسنا البلدية السلام. وعلى رؤساء وأعضاء المجالس البلدية أن يحزموا أمتعتهم لأن الأمر أكبر من لجان تنسيقية كانوا يخافون تزاحمها مع العمل البلدي. فنظام المخاتير لن يبقي ولن يذر من مساحة للعمل البلدي.

الأدهى في الأمر هو ما نشر عن أن الداخلية «تدرس اختيار مختار لكل قرية ونائب ينوب عنه في حال غيابه وسائق له مع تقديم جميع التقارير والبيانات للمحافظ الذي من المقرر أن يكون رئيسا مباشرا للمخاتير»، لأن اختيار المختار سترشحه في أفضل الأحوال «12 شخصية (معتبرة) من القرية نفسها»، وبالتالي فلا جدوى للعضو البلدي الذي سيمرغ المختار ونائبه أنفه في التراب، فالسلطة الفعلية (خدماتيا وأمنيا) لديه، ولن تفيد الممثل البلدي قوة انتخابه من قبل الآلاف من قريته والقرى المجاورة في دائرته مقابل قوة المختار الذي تختاره 12 شخصية فقط معتبرة ومزكّاة من قبل المحافظ الأدرى برجالات القرى المعتبرين.

حتى لا تفشل المحافظات

كانت الأنظار تتجه إلى إلغاء نظام المحافظات بعد فشله الذريع في إيجاد أرضية واقعية له تستحق كل ما يصرف عليه من مبالغ طائلة من موازنة الداخلية، ولكن لاعتبارات أكبر مما يتصوره المواطنون أعيدت فكرة المخاتير إلى الأذهان لإلصاق بعض الهيبة الواقعية للمحافظات التي لم يجد منها الناس سوى الاحتفالات والمهرجانات واللقاءات الأسبوعية وتصريحات الشجب والاستنكار. وليس أجدى لتقوية نظام المحافظات من التسلح بقوى الماضي التي ترجعنا إلى الأساليب القبلية التي عفى عليها الزمن ولم تجلب لنا سوى الحرمان.

في حسبة سريعة لو جمعنا رواتب 150 مختارا و150 نائبا له و150 سائقا و150 كاتب تقارير و150 سيارة موزعة على 150 قرية تقريبا، بالإضافة إلى ما تحتويه من علاوات سفر وتدريب وإعلام وغيرها، سنعرف أننا أمام موازنة ضخمة أخرى تضاف إلى الموازنة المنهكة بأعباء الأمن. في حين تضج المجالس البلدية من ضعف موازنتها وتهدد بإيقاف مشروع البيوت الآيلة للسقوط.

فهل نظن أن المخاتير سيرجعون لنا شبرا من أرض أو مصباح إنارة واحد؟ هذا ما تجيب عليه أحداث مسرحية «مختار المخاتير» لو تذكرنا قليلا، وخصوصا أن أحد أبطالها يلعب الآن دور رئيس مجلس بلدي بارز يقود حملة واسعة لاسترجاع صلاحيات المجالس البلدية

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2334 - الأحد 25 يناير 2009م الموافق 28 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً