العدد 235 - الإثنين 28 أبريل 2003م الموافق 25 صفر 1424هـ

أية حرية في ظل الاحتلال الأجنبي!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

تشتيتا للانتباه وصرفا للنظر عن الحقائق الأساسية، يحاول البعض اغراقنا في معارك فرعية لا هي في زمانها ولا هي في مكانها...

وذلك من نوع الهجوم غير المبرر في هذه الظـروف العصيبة على الجامعة العربية، رمز العمل العربي المشترك بسلبياته وايجابياته، وكأنها هي سبب - وليست نتيجة - الخيبة الكبرى التي تمر بها الآن، ومن نوع الاتهامات غير المنطقية التي توجه إلى الأمين العام للجامعة، الدبلوماسي المحنك عمرو موسى، وكأنه هو الذي دفعنا دفعا نحو مهاوي الخيبة الكبرى هذه، بينما نعرف أن التقنية الرئيسية هي احتلال دولة عربية عضو بالجامعة، ووقوعها في براثن الاستعمار الانجلو - اميركي في بدايات القرن الحادي والعشرين.

وبداية نقول إن الجامعة العربية كانت ولاتزال بيت العرب، تعكس حقيقة أحوالهم كالمرآة، إن عملوا واتقنوا ونجحوا فعلت، وإن لم يفعلوا ذلك أصيبت بالنعاس، وهي لاتزال في نظر كثيرين، الشكل المناسب حتى الآن للعمل العربي المشترك، دفاعا عن المصالح العربية الحيوية العليا، كما أن أمينها العام يعمل وفق ميثاقها ويتحرك في اطار قرارات القمم العربية ومجالس الجامعة ذاتها.

ولأن عمرو موسى أكثر أمناء الجامعة العربية مبادرة وحيوية وحماسا، فقد تعرض منذ مجيئه لمنصبه قبل نحو عامين خلفا لأمين فاضل هو عصمت عبدالمجيد، لتيارين متعارضين، تيار يؤيده بشدة لأنه رأى فيه أملا في إعادة بعث بيت العرب وتطويره، وتيار آخر يعارضه لأنه رأى فيه تهديدا لمصالح صغيرة أو إقلاقا لراحة النعاس التي أدمنها.

في الأزمة الكبرى التي وقعنا فيها بغزو العراق واحتلاله، مارس عمرو موسى دوره في حدود سلطاته بوصفه أمينا عاما للجامعة، واجتهد في محاولة تطبيق قرارات القمة العربية في بيروت ثم في شرم الشيخ، التي تطالب الدول الاعضاء بالامتناع عن المشاركة أو تقديم أية مساعدة إلى الولايات المتحدة في عدوانها على العراق أو أية دولة عربية أخرى... إنه لم يخترع هذه القرارات التي تبنتها قمم العرب ولم يزيفها، كما أنه لم يحاول دفنها واخفاءها.

وفي الوقت نفسه لم يكن منحازا لهذا البلد العربي أو ذاك، لأنه يدرك أنه في موقع حساس تراقبه عيون اثنتين وعشرين دولة، فضلا عن أنه، وهو صاحب الخبرة الطويلة في المدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة، يعرف حدود اختصاصاته ليس باعتباره مجرد موظف، ولكن باعتباره أمينا عاما لمنظمة اقليمية قومية كبرى يحترم مسئوليته ويحترم نفسه ويحترم منصبه السياسي الرفيع.

فلتتوقف إذن محاولات اغراقنا في معارك فرعية، لإلهائنا عن حقيقة المعارك الرئيسية والتحديات الكبرى المطروحة على دولنا وأمتنا اليوم، وفي مقدمتها طبعا سقوط دولة عربية ثانية هي العراق، في قبضة الاستعمار الأجنبي المباشر، بعد فلسطين طبعا، أما النفوذ الاستعماري المتخفي فهو في معظم الدول العربية ظاهر للعيان لا يحتاج إلى تبيان!

قضيتنا الرئيسية الآن، هي كيف نفكر ونتحرك في مواجهة التحديات الهائلة التي فرضها الغزو الانجلو - أميركي للعراق، واحتلاله بقوة باطشة سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ثم كيف نواجه التداعيات الخطيرة التي يطرحها علينا ذلك الغزو والاحتلال لقطر عربي رئيسي في موقع استراتيجي مهم، لعب على الدوام دورا بارزا في الحضارة العربية الاسلامية.

ولكي نفكر بروية ونعمل بجدية، يجب أن نتخلص من أسر هذا الضجيج الأجوف الذي يتنازع الفضاء العربي هذه الأيام، بوصفه رد فعل عصبيا لفداحة ما جرى.... ونعني ضجيج الانقسام في ساحة عراك الديكة بين تيارين، أحدهما يمارس مكر البكائيات وثقافة النهنهة والتوجع حزنا على ما جرى، وثانيهما ينعم بفكر الاستسلام وثقافة التبعية وسيكولوجية التوحد مع المستعمر القاهر والترحيب بقهره واستعذاب سطوته.

كلاهما يجرنا إلى شلل عقلي وكساح فكري لا نستطيع معه التحرك خطوة عملية واحدة في مواجهة الحقائق المرة.

وأهم الحقائق المرة المطروحة وأبرزها طبعا، حقيقة أن العراق أصبح مستعمرة اميركية بريطانية، أو اميركية صرفة لا فرق، وأن هذا الوضع الطارئ الجديد، لن يزول قريبا وفق مخططات اميركية معلنة وليست سرية خافية، وأن المستعمر جاء إلى المستعمرة ليستغلها ويقيم فيها النظام الذي يحقق مصالحه وأهدافه، على حساب مصالح وأهداف الجميع بمن فيهم الشعب العراقي الواقع تحت الاحتلال، بعد أن ظل لنحو ربع قرن واقعا تحت قهر نظام بعثي ظالم وطاغ.

وفي مواجهة هذه الحقائق المرة، التي نعرفها ونلمسها وندرك نتائجها، هناك من يطرح الأماني المتخيلة نقيضا للوقائع المفروضة، ومن أهم هذه الأماني المتوهمة، الادعاء بأن المستعمرالغازي يستحق الشكر لأنه خلص العراق وشعبه من نظام حكم جائر ارتكب في حقه المجازر، وأنه سيقيم نظام حكم ديمقراطيا نموذجيا بدلا منه، وأنه سيحقق الاستقرار والرخاء والأمن والتعايش بين العراق وجيرانه الذين عانوا منه في السنوات الماضية.

الوقائع المفروضة، تقتضي أساسا رفض هذا الأمر الواقع المفروض قسرا بقوة السلاح، ومن ثم تقتضي بناء وحدة وطنية عراقية مسنودة عربيا، ليس لتأجيج المظاهرات الصاخبة، ولكن لاشعال مقاومة وطنية هدفها تحرير الوطن من قبضة الاستعمار.

أما الاماني المتخيلة المتوهمة، فتطلب منا حسن النية في حقيقة ما يجري... أن نقتنع بالسذاجة التي تصدق نوايا المحتل الأجنبي وتنتشي لوعوده بـ «تحرير العراق واقامة النموذج الديمقراطي المثالي»، ألم يعدنا من قبل بغزو العراق واسقاط نظام صدام وفعل... إذن سيكمل الوعود ويحقق العهود!!!

أية حرية وأية ديمقراطية هذه في ظل الاحتلال الاجنبي...؟

هذه هي القضية التي يجب أن نتناقش حولها. وأن نعمل للخروج الفوري من أزمتها، وألا نستسلم لمحاولات الذين يريدون حشرنا في زوايا ضيقة، مثل تخييرنا بين نظام صدام حسين الاستبدادي والاحتلال الاميركي، أي بين الاستبداد الداخلي والاستعمار الاجنبي.

لقد قلنا ونقول بأعلى صوت، اننا نرفض هذه الخيارات القسرية غير المنطقية، لأننا نرفض الاثنين معا، نرفض الاستبداد الداخلي لنظام صدام وغيره من النظم الحاكمة، ونرفض بالدرجة نفسها القهر الخارجي على يد المستعمر الاجنبي، ولا حجة هنا بالادعاء الزائف بأنه لولا الغزو والاستعمار الاميركي لما أمكننا إزاحة النظام الصدامي الاستبدادي.

فإذا مددنا الخط على استقامته وفق مقولة «الاستعمار هو خير وسيلة للتخلص من الاستبداد الداخلي»، لكان معنى ذلك ان جميع الدول العربية يجب أن نسلمها إلى الاستعمار الاميركي كي ينظفها من الاستبداد، وأن العالمين الثالث والثاني يجب أن يعودا مستعمرات كبرى تعمل وتنتج لصالح المحتل الأكبر، مستعيدة تراث الامبراطوريات الاستعمارية الكبرى في القرون الماضية، التي غزت واحتلت وتوسعت بالنهب والاستغلال، ثم خارت وتهاوت وغابت، بفضل الكفاح الفطري للشعوب من أجل التحرر من العبودية.

وفيما نعلم أن الاستعمار بفرعيه القديم والجديد، لم يحتل دولة ويقهر شعبا، إلا ليستغل ثرواته وامكاناته المادية والبشرية، ولم نقرأ أو نسمع عن مستعمر أجنبي أطلق الحريات وأقام نظام حكم ديمقراطي ناجح ومستقر في أية مستعمرة احتلها... فكيف سيفعل ذلك في العراق اليوم، ولماذا ومتى... اللهم إلا إذا كان سيدنا بوش قد بُعِثَ رسولا مطهرا من السماء من دون أن نعرف.

أما أن بعث الرسل قد اختتم، وأن الرسالات السماوية الهادية المطهرة قد استكملت، فإن من السذاجة أن نصدق هذه الدعايات الفجة التي تقول لنا صباح مساء، إن المستعمرين الاميركيين مع توابعهم البريطانيين، لا يريدون احتلال العراق والبقاء فيه واستغلال نفطه وقهر شعبه واذلال تاريخه ونهب ثرواته وتدمير تراثه الحضاري العريق، فقط جاءوا استجابة لوحي سماوي وهاتف رباني، يدعوهم إلى انقاذ شعب مسكين من ظالميه الشياطين، وما أن يتم العثور على كبير الشياطين وقتله، فإنهم سيعودون أدراجهم إلى بلادهم البعيدة، بعد أن تكون الحرية الكاملة والديمقراطية النموذجية قد عمت البلاد وأسعدت العباد.

لسنا بلهاء إلى هذا الحد، لنصدق الاكاذيب، ولسنا سذجا إلى هذه الدرجة لنقنع بما هو مطروح ونقتنع بأن الاستعمار ملاك سماوي جاء يخلصنا من عذاباتنا، ولسنا جبناء لنخاف ونرتعد امام تخييرنا القسري التعسفي، إما مع الاستعمار الاميركي، أو مع صدام، ومن يعارض الاحتلال يصبح بالضرورة صداميا ومن يرفض ديمقراطية الدبابات الاجنبية، يصبح عميلا للاستبداد الداخلي.

ولأننا نرفض الاثنين معا وبإصرار ثابت، فإننا ندعو إلى إعادة بعث الروح الوطنية والقومية من جديد، دفاعا عن حرية الأوطان التي بات الاستعمار ينتهكها علانية، ويهدد الاستقلال الذي تحقق بعد ثورات شعبية عارمة وتضحيات تاريخية غالية.

والثورات الوطنية والروح القومية لا تأتي من فراغ ولا تتحقق بالمظاهرات الصاخبة والشعارات الكبرى، لكنها تأتي نتاج صحوة ويقظة مصحوبة برؤية سياسية فكرية واضحة، تحترم الحريات وتصون الحقوق وتطلق اصلاحا ديمقراطيا جديا يصبح قاطرة الشد وطوق النجاة لأمة تعاني الغرق في المستنقع الاستعماري.

هنا بالضبط تقع مسئولية مصر الدولة المركزية في أمة العرب.

خير الكلام:

يقول حافظ ابراهيم:

لعمرك ما أرقت لغير مصر

وما لي دونها أمل يرامُ

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 235 - الإثنين 28 أبريل 2003م الموافق 25 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً