العدد 235 - الإثنين 28 أبريل 2003م الموافق 25 صفر 1424هـ

لنفوّت الفرصة على أميركا

حسن عبدالهادي بوخمسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لربما راهن الكثير من الاطراف المعنية بالحرب العدوانية الدائرة رحاها على أرض الرافدين على أن تكون مجريات الحوادث غير التي نرى وقائعها يوميا منذ اليوم الأول وإلى حد كتابة هذه السطور، فقد رسم لنا جنرالات الغزو الاميركي سيناريو هوليووديا لهذه الحرب المدمرة - وقد انساق معها وللأسف الشديد بعض جماعات المعارضة العراقية - يتلخص في السرعة الخارقة التي ستنتهي فيها هذه المعركة الخاطفة التي قد لا تتعدى 72 ساعة على حد زعم وزير الدفاع الاميركي، كما أن جماهير الشعب العراقي ستستقبل الاميركيين استقبال الأبطال الفاتحين ملوحة لهم بالورود والرياحين!.

لكن جاءت رياح العراق بما لا يشتهي السَّفن الاميركي البريطاني وانقلبت كل التوقعات والتحليلات رأسا على عقب، فالمعركة أبعد من ان تنتهي في غضون أسابيع، بل آخر التصريحات لبعض المسئولين في واشنطن تذهب إلى أنها ستطول لمدة أشهر، ولم نجد عراقيا - إلى حد الآن - لوّح للغزاة من اميركا وبريطانيا بالترحاب حتى بيديه، بل على العكس وجدنا التوجس والريبة والحذر في وجوه كلا الطرفين على السواء عند اللقاء وجها لوجه بين المعتدين وأبناء العراق.

والسؤال الكبير الذي يفرض نفسه أمام هذه المعطيات والوقائع، ما الذي حصل؟ وما الذي حدث بالنسبة إلى العراقيين؟

وبعبارة أخرى ما الذي جعل الشعب العراقي يتخذ هذا الموقف المغاير تماما - إلى حد الآن - لموقفه في انتفاضة العام 91 حيث ما حصل آنذاك من انقلاب الجيش العائد بهزيمته من الكويت على النظام الحاكم والتحاق شرائح واسعة من الشعب به لتشكل تمردا كبيرا وواسعا كاد أن يطيح بكيان النظام في حينه، لولا التقاط الحكم لأنفاسه في آخر الأمر ولملمة شتاته واستخدام قوات الحرس الجمهوري - التي لم تشارك أصلا في حرب غزو الكويت - في التصدي لهذه الانتفاضة والتمكن من القضاء عليها في نهاية المطاف.

فما الذي يجعل من هذا الشعب الذي انقض على نظامه قبل اثني عشر عاما حينما حانت له الفرصة في التحرر والخلاص من البطش والطغيان ألا يعاود الكرّة مرة أخرى ويستفيد من هذه الفرصة الكبيرة التي قد تكون أفضل من سابقتها وأعظم أملا في النجاة والحرية من هذا النظام المتعسف.

هل السبب عائد إلى اصطلاح وضع النظام مع جماهيره وتحسن علاقته معهم في غضون العقد الماضي - مثلا -؟ أي هل انتهى الكبت السياسي وزالت الديكتاتورية الشمولية؟ وبالتالي تمت المصالحة فيما بين الحكم والشعب وتم نسيان آلام السنين الماضية من ظلم وقهر، والتجاوز عن كل أخطائه وحماقاته الكبرى من حروب وصراعات دموية داخلية وخارجية، وأصبح الوضع بينه وبين شعبه طبقا للحكمة الربانية (عفا الله عما سلف)؟ أم أن ذلك يرجع إلى أسباب كثيرة أدت إلى هذا الانقلاب في الموازين والحسابات الانجلو - أميركية، وهنا أحاول استعراض بعضها لكي نستوضح حقيقة الأمر:

- الموقف السلبي الذي اتخذه الأميركيون من تلك الانتفاضة الشعبية العراقية - السالفة الذكر - المتمثل في عدم دعمها ومدها بالعتاد والسلاح، بل وأكثر من ذلك اعطاء الضوء الأخضر للنظام وتشجيعه على سحقها والقضاء عليها، هذا الموقف لايزال محفورا وراسخا في ذاكرة الفرد العراقي وبالذات من يعيش في تلك المدن التي انطلق منها ذلك العصيان الجماهيري مثل البصرة والناصرية وكربلاء والنجف، فهو لن يثق أبدا بمن خذله ونكبه في أشد الفترات محنه وصعوبة، وبالتالي فهو ليس على استعداد للدخول مرة أخرى في مواجهة مفتوحة مع الحكم، بناء على وعود قدمها الأميركيون وحلفاؤهم إليهم بالنصرة والمساندة.

- مهما بلغت الضغائن والأحقاد بين الحكومات القمعية وشعوبها ومهما كانت الهوة شاسعة بين الطرفين فلن يكون ذلك مبررا أو سببا مقبولا لتحالف أي طرف مع جهة اجنبية خارجية ضد الآخر، وبالذات حينما يكون ذلك الاجنبي لا يهدف إلا إلى السيطرة واستغلال الثروات، كما هي حال التدخل الأميركي الجاري حاليا، والسير بهذا الاتجاه لا يعني إلا بيع الوطن والشرف والكرامة بثمن بخس للعدو الغريب، وهذا ما يفهمه ويعيه كاملا كل أبناء الشعب العراقي - باستثناء بعض جماعات المعارضة العراقية الموجودة في عواصم الغرب - ولا أقصد من استثنائي هذا توجيه سهام الخيانة إليها واتهامها بالارتزاق والعمالة بقدر ما هو تبنيها لها وتذكيرها بالموقف المبدئي الذي اتخذه شعبها وأبناء جلدتها أنفسهم الذين من أجلهم توجد هي في صفوف المعارضة ومجاهدة النظام الحاكم.

وفرق كبير بين أن يناضل الانسان في سبيل استعادة حريته المسلوبة وكرامته المهدورة ضمن حدود الالتزام باتباع الطرق والاساليب المشروعة لهذه الغاية النبيلة، وبين أن يسعى إلى ذلك متجاوزا كل الأعراف والقيم الشرعية والانسانية وعلى رأسها قيم حفظ كرامة الأمة وسيادتها.

كما لا يجوز لأي كائن مهما علا شأنه ورمزيته أن يجعل من نفسه وصيا وصاحب الحق واليد الطولى في اتخاذ القرارات الخطيرة المتعلقة بمصائر الشعوب ومستقبلها وخصوصا الأفراد والجهات التي تعتبر نفسها ممثلة وطليعة لشعوبها في نضالها وكفاحها... وليس أعظم خطرا من قرار التحالف مع الأجنبي، فضلا عن دعمه ومناصرته على حساب المصالح العليا للأمة والوطن.

وطبعا ما سبق من كلامي لا يعني بالضرورة أن عموم الشعب العراقي اتخذ قراره بمناصرة النظام وأنه تخندق معه في جبهة واحدة ضد عدوهما المشترك، فالحوادث والوقائع اليومية لاتزال تشير وتدل على أن الجماعات التي تقوم بمهمة الدفاع وصد القوات الغازية إلى درجة الاستبسال والتفاني في هذا المجال هي لا تتعدى كونها تشكيلات حزبية نظامية محسوبة على السلطة نفسها، وهي تدين بالولاء والطاعة للحكم قبل نشوء الحرب، في الوقت نفسه هي نفسها المتهمة بممارسة القمع والتنكيل بحق المعارضين وبالتعدي على الحقوق وانتهاكها دستوريا وانسانيا.

أما بقية أفراد الجماهير العراقية فأستطيع الجزم بأنها لاتزال على موقف الحياد وتجنب الدخول في هذه المواجهة الطاحنة، ولا أدل على ذلك من مشهد الآلاف المؤلفة من العائلات الهاربة من البصرة والناصرية والنجف إلى أطرافها رجالا ونساء، كبارا وصغارا من المدنيين العزل الباحثين عن أبسط مقومات الحياة بعد انقطاعها عنهم من ماء وطعام ومأوى.

وبالنظر إلى حقائق الأمور وضرورة عدم التحليق عاليا في التمنيات والخيالات، وانطلاقا من الحقيقة المرة المتمثلة في عدم وجود أدنى فرصة للتكافؤ العسكري والتقني ما بين طرفي الصراع ما يجعل نتيجته محتومة سلفا لصالح الغطرسة الاميركية - وإن طال أمد هذه الحرب كما يرى البعض - فإني أرى أن من اللازم والضرورة بمكان سرعة التحرك واتخاذ زمام المبادرة من قبل جميع الفئات الجماهيرية للمساهمة في تسلم زمام الأمور والسيطرة على الأوضاع الداخلية وتسلم مقاليد الحكم قبل الانهيار التام والشامل لسلطة نظام البعث المركزية على يد القوات الغازية وبقيادة الوطنيين المعارضين الشرفاء في الداخل والخارج - وخصوصا من لم يتورط من المنفيين في تأييد هذا الغزو الآثم - وبالتالي تفويت الفرصة على المخططات الأنجلو - أميركية الرامية إلى الحكم العسكري المباشر ولسنين طويلة مقبلة والتحكم بخيرات العراق وموارده الاستراتيجية لاسيما النفط منها

العدد 235 - الإثنين 28 أبريل 2003م الموافق 25 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً