العدد 2394 - الخميس 26 مارس 2009م الموافق 29 ربيع الاول 1430هـ

اليُتم في الشرائع السماوية

عبد الأمير سلمان comments [at] alwasatnews.com

للطفل في الشرائع السماوية مكانة محفوفة باللطف، والرعاية، لذا فهي توجه أبناءها إلى الاهتمام بتوجيهه، وتربيته وله حقوقه الثابتة فيها، ويستطيع معرفتها كل من يراجع الكتب السماوية، وخصوصا القرآن الكريم، والسنة النبوية. ولا تحتاج معرفة سبب هذا الاهتمام إلى دراسة وتفكير. فأهمية الطفل في المجتمع الإنساني العام واضحة تماما، فهو اللبنة المقومة لبناء المجتمع. والعناية به عناية بالبناء نفسه.

وبما أن الطفل في عالمه الطفولي لا يتمكن من تربية نفسه وتوجيهها إلى صالحه، وصالح مجتمعه لذلك نرى العناية الإلهية تولي هذه الناحية الاهتمام الوافر، فتوجد في نفس الأبوين عاطفة جياشة تشدهما شدا وثيقا إلى الطفل من اللحظات الأولى التي تبدأ فيها مسيرته التكوينية، فعواطف الأبوين هي المادة الحيوية في توجيه حياة الطفل وتقويمها.

أما الإهمال وعدم الرعاية فنتيجته الحتمية هو إيجاد جيل ينخر في كيان الأمة ما يؤدي إلى تدهورها وسقوطها.

ومن خلال هذه العناية بالطفل نرى اللطف الإلهي يتجلى في أظهر صوره إذ يتبنى مشكلة يعاني المجتمع منها في جميع الأدوار والمراحل تلك هي مشكلة (اليتامى) الذين يفقدون اليد التي تحنو عليهم، ويبقون عرضة لأعاصير هذه الحياة العاتية وموردا خصبا لتجمع الرذائل، والموبقات وبذلك تفقد الأمة من أعضائها ما بهم تشد أزرها، ويخسر المجتمع أفرادا كانت الاستفادة منهم حتمية لو حصل لهم من يبادلهم العطف، واللطف والرعاية الطيبة. ولذلك نرى الدين الإسلامي الحنيف يفرض على مجتمعه ويكلف كل فردٍ من أبنائه برعاية اليتيم، والعناية به في سائر شئون الحياة لئلا ينشأ فاقد التوجيه، ويصبح عاهة في المجتمع العام ، فإهمال اليتيم يساوي إهمال المجتمع، وهدم كيانه الحافظ للحياة الإنسانية العامة.

وإذا فلكي نحافظ على مجتمعنا، وندافع عن مصالحه يلزمنا القيام برعاية اليتيم، وسد الفراغ العاطفي منه، وذلك بإشغال شعور الطفل بما ينسى به فقد أبيه.


من هو اليتيم؟

اليتيم كما تطالعنا به كتب اللغة هو: من الناس من فقد أباه. وحيث كانت الكفالة في الإنسان منوطة بالأب كان فاقد الأب يتيما دون من فقد أمه.

وقد حدد اللغويون نهاية هذا العنوان فقال الليث: اليتيم الذي مات أبوه، فهو يتيم حتى يبلغ الحلم فإذا بلغ زال عنه اسم اليتم.

وهكذا قال غيره من علماء اللغة.


تحديد عنوان اليتيم

ويتفق الفقهاء مع اللغويين بتحديد اليتيم إلى هذا الحد، فهم يرون أن هذا العنوان يتمشى مع الطفل إلى حد البلوغ الشرعي سبب التسمية باليتيم.

الذي يظهر ما يقوله أهل اللغة في هذا الصدد هو: إن التسمية بهذا الاسم منشأها... عدم الاعتناء الذي يلاقيه من فقد كفيله وهو بهذا السن من العمر. فأصل اليتم الغفلة وبه سمي اليتيم يتيما لأنه يتغافل عن بره. فبالإحسان إلى الآخرين تتماسك أواصر المجتمع، وبالعطف على الضعيف تموت العوامل التي تهدم بناء الأمم، فتحل بمكانها المحبة، والسلام، والعطف، والرعاية من البعض إلى الآخرين إذ يتحسس القوي أحوال الضعيف، فيبادله الآخر عطفه ومحبته، وبذلك يجد الخير طريقه إلى قلوب الوادعة الآمنة من دون أن تكون موطنا للحسد والنفاق والحقد وبقية الموبقات التي تجر على المجتمع آلاما ومصائب.

واليتامى هؤلاء الناس الأبرياء الذين شاءت الحكمة الإلهية أن يختطف الموت اليد الكفيلة فتعوضهم بأيدٍ أخرى محسنة تحوطهم بكل معنى الرعاية، والمحبة فجعلت الرحمة، والعناية من جملة القواعد التي يركز عليها دين الله القويم. يفقد اليتيم من يرعاه، فيبقى نتيجة الإهمال عضوا عاطلا، عالة على الآخرين. لقد أولت الشريعة الإسلامية اليتيم عناية فائقة، وحثت على رعايته. فقد أهابت بالمحسنين أن يقوموا بتهذيبه وتأديبه كما يراعي الوالد أبنائه.

فمن هذا المنطلق تسعى جمعية الكوثر لتكون الكفيل والراعي والمهذب لهذا الطفل.


كيف ترعى الجمعية اليتيم الذي تكفله؟

قال رسول الله (ص): «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين» مشيرا بإصبعيه السبابة والوسطى...

انطلاقا من هذا الحديث المتفق عليه بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم أطلقت جمعية الكوثر للرعاية الاجتماعية مشروع «كفالة اليتيم» ليكون هذا المشروع جسر ترابط بين المجتمع والناس جميعا من جهة وبين الأيتام الذين تحتضنهم الجمعيّة في مراكزها الرعائية، باعتبار أن مسئولية الأيتام - بشكل عام - لا تقتصر على جهة دون أخرى بل هي مسئولية الناس كلّهم وإذا كانت جمعيّة الكوثر قد بادرت إلى إنشاء مراكز رعائية واحتضنت في هذه المراكز ما استطاعت من الأيتام فهذا لا يعني سقوط المسئولية عن المجتمع، فدور الجمعيّة هو تأمين الحياة الكريمة لليتيم إضافة إلى التعليم والتربية، الصحة والثقافة وكل ما يجعله إنسانا كريما عزيزا ومتوازنا في عقله وروحه وبدنه. وما لا شك فيه فإنّ المجتمع لا يستطيع أن يؤمن مثل هذه الرعاية لليتيم وخاصة إذا كانت رعاية شاملة مستديمة. لذلك فإن دور المجتمع - في هذه الحال - يمكنه تقديم الدعم المادي والمعنوي لليتيم من خلال الجمعية ما يمكنها من تحقيق هدفها المنشود ما يعني تكامل جهود الجمعية مع جهود المجتمع. من هنا فإن مشروع كفالة اليتيم يمثل أحد أهم أوجه التعاون بين الجمعيّة (راعي اليتيم) والمجتمع (كافل اليتيم) لمصلحة اليتيم وضمانة مستقبله.


أجر كافل اليتيم

لقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات المباركة التي تحض على إيلاء اليتيم اهتماما مميزا في كثير من شئونه الحياتية والاجتماعية والعاطفية والنفسيّة: «ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير...» وبهذا المعنى ورد عن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) الكثير من الروايات والأحاديث التي تؤكد على هذا الاهتمام وتبين في الوقت نفسه مدى الثواب العظيم الذي يحصل عليه مَن يقدم لليتيم الدعم (ماديا أو معنويا) في الدنيا والآخرة.

من هذه الأحاديث ما ورد في خطبة رسول الله (ص) في استقبال شهر رمضان المبارك قوله (ص): «تحننوا على أيتام الناس يُتحنن على أيتامكم... مَن أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه»... وقوله في مناسبة أخرى: «من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة حسنه»... و»مَنْ عال يتيما حتى يستغني عنه أوجب الله له بذلك الجنة».

وفي رواية عن السيد المسيح (ع) أنه مَرّ بقبر يُعذبُ صاحبه ثم مَرّ بهذا القبر في العام الثاني فوجد أن العذاب قد رفع عنه (صاحب القبر) فسأل السيد المسيحُ (ع) الله عز وجل عن السبب فجاءهُ الجوابُ لقد نشأ لصاحب القبر ولدّ آوى يتيما فبذلك رفع اللهُ عن والده العذاب...

إنَّ هذه الآياتِ والروايات والأحاديث واضحةٌ تمام الوضوح وهي لا تقبل التفسير والتأويل للدلالة على مدى الأجر الذي يمنحه الله لمن يولي اليتيم ما يحتاجه من الاهتمام وإنَّ أوضح هذه الدلالات ما ورد في حديث الكفالة عن رسول الله (ص): «أنا وكافل اليتيم في الجنة» ولكي يؤكد (ص) حتمية هذا الجزاء العظيم رفع يده الشريفة وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى مقرنا بينهما.

إنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا»... ورسول الله (ص) عوضا عن أنه سنَّ لنا هذه السنن الحسنَة قولا وعملا فهو قد عاش حياته يتيما في كنف عمه أبي طالب (رض) فلذلك إننا نستشعر في كل كلمة من كلماته النورانية عمق آلام اليتم، هذه الآلام التي لا يعرف قدرها إلا الله سبحانه وتعالى ومَن ابتلاه الله باليتم ومَنْ أصدق من رسول الله (ص) بعد الله قيلا؟ «... فأما اليتيم فلا تقهر» ولذلك أيضا فإنَّ الأحاسيس الطيبة والمشاعر الصادقة التي تدفع إلى احتضان الأيتام أو إصلاحهم أو رعايتهم أو كفالتهم أو ما إلى ذلك تُفرح قلوبهم وتكون الكفالة بالنسبة إليهم كالندى الذي يتساقط فوق براعم الزهور لتنفتح على الطبيعة والكون والحياة وهي أيضا كالماء الذي ينزل فوق الأرض اليباب فتهتز وتربو وتُنبت من كل زوج بهيج وهي أيضا إحياءٌ لنفوسٍ يمكن أن تسقط في متاهات الضياع ما لم يَتعهدها الخيّرون والطيبون «ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا». كلَّ ذلك تأس برسول الله (ص) والأجر جنةٌ عرضها السماوات والأرض في جواره الطاهر وأي شرف أعظم من هذا الشرف؟ «والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا»...

يقول رسول الله (ص): «خير بيوتكم بيت فيه يتيمٌ يُحسن إليه وشر بيوتكم بيت فيه يتيم يُساء إليه».

إقرأ أيضا لـ "عبد الأمير سلمان"

العدد 2394 - الخميس 26 مارس 2009م الموافق 29 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً