العدد 24 - الأحد 29 سبتمبر 2002م الموافق 22 رجب 1423هـ

بوش مصرّ على إطاحة صدام بالعالم أو من دونه

عمران سلمان comments [at] alwasatnews.com

.

من المهم للولايات المتحدة ان تكسب تأييد أكبر عدد ممكن من الدول الى جانبها في حال ارادت تدخلا ناجحا في العراق، على رغم أن هذا التأييد لا يعتبر أمرا حاسما لنجاح ذلك التدخل. فالحديث اليوم لا يدور حول قدرة واشنطن على سحق آلة الحرب العراقية، فهذه ليس ثمة شك حولها، وإنما الحديث الكلفة السياسية للعمل العسكري.

إن الولايات المتحدة معنية بوضع أسس لسياسة ما بعد الحرب، لا في العراق فحسب وإنما في المنطقة أيضا. والسياسة بما أنها فعل جماعي تستحيل ممارسته من دون مساعدة وتفهم الدول الاخرى.

والولايات المتحدة ترغب ثانيا في تأمين عناصر النجاح لمبدأ الضربة الوقائية الذي تبنته في إطار استراتيجيتها الجديدة، وهي تريد هنا أيضا دعما دوليا، تكون الحرب على العراق مقدمة وسابقة له.

من هنا فإن الجدل الدائر في الاوساط الدولية ينصب في مجمله، وإن اتخذ من معارضة الحرب مظهرا له، على الحدود التي يمكن ان يذهب إليها العمل العسكري وجوهر الاستراتيجية الأميركية.

فالكثير من الدول تبدو غير مطمئنة او متأكدة من نوايا واشنطن، سيما في عالم ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، وهذه الاخيرة فشلت حتى الآن، في اقناع هؤلاء بوجاهة الانتقال من الحرب على الإرهاب الى الحرب في العراق.

فلم يتح ما يكفي من الأدلة التي تبرر ذلك، وما يقال عن وجود اسلحة دمار شامل لدى العراق او وجود نزعة لدى صدام حسين نحو التسلح، ليس جديدا.

وبمعنى من المعاني فإن عجز واشنطن وربما لندن عن تقديم مثل هذه الأدلة، قد وفر لدى المعارضين، وبضمنهم حكومات اوروبية، عدة كاملة من الحجج للامتناع عن دعم خيار الحرب بل وإظهار المعارضة الصريحة لهذا الخيار على نحو ما فعلت ألمانيا وفرنسا حتى الآن.

طبعا لا يمكن سوى للسذج ان يعتقدوا بأن هاتين الدولتين وغيرهما معنيتان بمصير النظام في العراق أو انهما تصدقان ما تقوله حكومة بغداد. فهما بموقفهما هذا ربما ترميان من جهة الى تعقيد السياسة الأميركية في المنطقة العربية وربما في العالم، ومن جهة أخرى الحفاظ على بعض النفوذ في مجلس الأمن وبعض التجمعات الإقليمية.

وبالنسبة لدولة مثل فرنسا، تكاد شمس نفوذها التقليدي في العالم تغرب، في حين تهدد السياسة الأميركية الجديدة بتقويض ما تبقى من هذا النفوذ (في العراق ولبنان وسورية)، من الطبيعي ان نسمع الاعتراضات والشكوى.

لكن بالطبع الشكوى المبطنة والمتوارية خلف معارضة الحرب على العراق، وليس تلك الصريحة الواضحة النبرات. إذ حتى الآن لا يوجد في قاموس الدبلوماسية الدولية تعبيرات صريحة كهذه.

على رغم ذلك فإن هذه المعارضة لا تعدم المنطق. فلماذا ينبغي على ألمانيا او فرنسا ان تسيرا خلف واشنطن بسهولة، في الوقت الذي حتى الكونغرس الأميركي نفسه يرفض إعطاء الرئيس بوش حرية العمل العسكري في منطقة الشرق؟ وفي الوقت الذي يجهر فيه عدد من الساسة الأميركيين (خصوصا في أوساط الحزب الديمقراطي) بالتحذير من ضرب العراق؟

أعود فأقول إن إدارة الرئيس بوش لا تحتاج الى دعم عسكري فرنسي او ألماني للنجاح في حرب العراق، فهي قادرة بمفردها، على إنجاز المهمة. لكنها بحاجة الى دعم هاتين الدولتين وغيرهما من دول العالم، لإنجاح مهمة الاستراتيجية الآميركية، ولتوفير الغطاء السياسي لعمليات مقبلة.

والسؤال الذي يطرح اليوم هو: هل بمقدور كل هذه المعارضة أن تثني الإدارة الأميركية عن الذهاب لحرب العراق؟ أتصور ان الولايات المتحدة قطعت شوطا كبيرا في التجهيز وفي إعداد الرأي العام المحلي والدولي للخيار العسكري. وليس من السهولة او المنطق افتراض ان ذلك كله سوف يتبدد.

حينما يتحدث الرئيس بوش عن أن عراق صدام حسين يشكل خطرا مميتا على الأميركيين، وحين يخاطب زعماء العالم ويشرح لهم مخاطر بقاء الرئيس العراقي حرا طليقا، فإننا لا بد ان نتوقع ان الخطوة التي تلي ذلك هي التحرك لإزالة ذلك الخطر. ان صدقية الرئيس الأميركي وصدقية إدارته هي اليوم على المحك.

وطبعا تفضل واشنطن ان تذهب للحرب ومعها تحالف دولي واسع، لكنها تبدو مصممة مع ذلك على الذهاب بمفردها أو بعدد قليل من الدول في حال تعذر ذلك. أما المعارضة فهي لا تفعل سوى ان تثير الغبار في وجه الحملة الأميركية. إنها قد تنجح في تأخير هذه الحملة وقد تعرقل بعض سيناريوهاتها المريحة لواشنطن، لكن من المستبعد ان تنجح في إلغائها.

والحال ان من يعولون على عودة المفتشين الى بغداد باعتباره مخرجا للأزمة الراهنة، هم يعملون فقط على كسب الوقت او ربما إضاعته. فالمفتشون كانوا هناك لمدة سبعة اعوام. ومن غير الحكمة الافتراض انهم سيجدون في هذه المرة ما عجزوا عن ايجاده من قبل. ومشكلة أميركا مع بغداد منذ عشرة اعوام على الأقل، لم تكن بسبب المفتشين، وقد لا تكون بسبب الأسلحة التي كثر الحديث عنها اليوم.

إن مشكلة واشنطن كما بدا في خطاب الرئيس الأميركي أمام الامم المتحدة في 19 سبتمبر الماضي، هي مع نظام الحكم في العراق. وقد أفاض بوش في حديثه ذاك عن الديمقراطية وحقوق الانسان واعمال التعذيب ضد المعارضين والقتل خارج القانون... الخ بمعنى أن الرئيس الأميركي وضع سقفا لمطالب إدارته من نظام بغداد، وهذه، كما يمكن ان يفهم أي انسان، لا تلبي او تحل إلا بزوال هذا النظام.

قصارى القول إذن إن الحرب تبدو مقبلة، لكن الخلاف يتمحور فحسب حول الشكل الذي ستخرج به

العدد 24 - الأحد 29 سبتمبر 2002م الموافق 22 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً