العدد 242 - الإثنين 05 مايو 2003م الموافق 03 ربيع الاول 1424هـ

الانتقال من زقاق عرضه متر إلى شارع عرضه مئة كيلومتر

أفق آخر (منصور الجمري) editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

شرعت «مدرسة الفن» في جلاسجو، أكبر مدينة في شمال بريطانيا قبل عدة سنوات في تركيب استوديو ضخم يعتمد على التجهيزات الالكترونية «الديجتال» لتمكين طلاب المدرسة من استخدام التكنولوجيا الحديثة لاستكشاف وتطوير الافكار. وبدأ البرنامج في 1997 بعشرة طلاب لدراسة الماجستير من خلال تكنولوجيا الديجيتال «التكنولوجيا الالكترونية»، وهذا النوع من الدراسة والتجهيزات، وهي الاول في بريطانيا شمل دارسين ومتخصصين في التصميم الصناعي، في الفن والتسويق والهندسة وعلم النفس وعلم الكمبيوتر. هؤلاء الطلاب الذين جاءوا من مختلف التخصصات سيشتركون في دراسة الماجستير لتطوير الافكار والمفاهيم والتصميمات بالاعتماد على تكنولوجيا الديجيتال التي ستتحكم في مجالات واسعة من حياتنا اليومية خلال السنوات المقبلة. ويساند مدرسة الفن في هذا المشروع شركات كمبيوتر عالمية وشركة فورد لصناعة السيارات وهيئة الاذاعة البريطانية «BBC» بالاضافة إلى مؤسسات حكومية تهتم بتنمية القدرات المتطورة.

لماذا كل هذا الاهتمام بتدشين تكنولوجيا الديجيتال في مجالات متعددة ومتنوعة كما تشير الى ذلك تركيبة التخصصات المطلوبة للتمكن من هذه التكنولوجيا؟ لابد لنا من التطرق إلى بعض الحقائق العلمية لتوضيح الاهمية.

المشروع البريطاني ليس الوحيد في هذا المجال، فهناك مشروعات استراتيجية في الدول المتقدمة اقتصاديا للامساك والتمكن مما توفره هذه التكنولوجيا. والذين شاهدوا افلام هوليوود مثل حديقة الديناصورات «JURRASIC PARK» شعروا كأنهم يشاهدون غابة ديناصورات حقيقية، ولكن الواقع ان التكنولوجيا الرقمية «الديجيتال» هي التي خلقت هذا «الوهم الحقيقي» «Virtual Reality».

الظواهر الطبيعية التي يدرسها الانسان ويحولها إلى أنظمة يمكن الاستفادة منها والتحكم فيها هي عادة انظمة استمرارية/ تشابهية، يطلق عليها اسم «Analog»، فمثلا درجات الحرارة في الهواء تتغير بصورة مستمرة وليست فجائية، فالحرارة قد تزداد درجة أو عدة درجات او قد تقل درجات خلال اليوم بصورة مستمرة، ولو حللنا تغير الدرجة مقابل الوقت فان الشكل البياني سيأخذ شكل الامواج المتصاعدة أو الآخذة في الانخفاض بشكل «مستمر» وتدريجي.

والانظمة الهندسية الحالية والتقليدية معظمها من هذا النوع، فلو اردنا ان ندرس قوة السحب لآلة ميكانيكية مثلا فاننا نحول القوة الميكانيكية إلى قوة مماثلة «وهذا معنى Analog». وهذه القوة المماثلة قد تكون «قوة كهربائية» ويمكننا تحليل النظام الميكانيكي الضخم من خلال تحليل النظام الكهربائي الصغير الذي نستطيع السيطرة عليه والتحكم من خلاله بالآلة الميكانيكية الضخمة. ويمكن للمرء ان يتطرق إلى عشرات ومئات وآلاف الامثلة لتوضيح المفهوم لأن الانظمة الهندسية الحالية، اكثرها يعتمد على نظام الـ «Analog».

التحول الاستراتيجي من النظام الاستمراري/ التشابهي للنظام الرقمي/الديجيتال يعني الكثير للتطور التكنولوجي الذي سيمكن الانسان من مجالات حياتية واسعة خارج سيطرته، وبعكس النظام التشابهي فان نظام الديجيتال لا يمثل حالا استمرارية، فالنظام هنا متقطع وإما ان يكون موجودا أو غير موجود. ومثال ذلك، انارة الغرفة، فاما ان تكون الانارة موجودة أو غير موجودة والتحول بين الحالين واضح بوضوح الظلام والنور. وهذا يختلف عن التغير في درجة حرارة الهواء (المثال الذي تطرقنا اليه سابقا) اذ تتغير الدرجات بصورة مستمرة وغير فجائية، ونظام الكمبيوتر الديجيتال يعتمد على الرقمين صفر وواحد. صفر يعني ان الاشارة الالكترونية غير موجودة وواحد يعني ان الاشارة الالكترونية موجودة، ويتم تحويل جميع الكتابات والصور والحوادث الى ارقام تتكون من ملايين ومليارات الاصفار والوحدان. وبعد الحرب العالمية الثانية عندما دشن اول جهاز كمبيوتر كان يحتوي على آلاف الانابيب المفرغة التي تتم انارتها أو اطفاؤها لاجراء الحسابات الكمبيوترية. وكان الجهاز تحت رعاية الجيش الأميركي وكان هناك العشرات من العلماء والمهندسين لتشغيل تلك العمليات الحسابية. وكان جميع هؤلاء يلبسون ثيابا مبردة للوقاية من درجة الحرارة العالية الصادرة عن الانابيب المفرغة.

وكانت البناية مجهزة بأجهزة التبريد الكبيرة. اما اليوم فان جهاز الكمبيوتر المتوافر في المنازل يعادل في قوته اكثر من عشرة آلاف قوة ذلك الكمبيوتر الضخم الذي كان يحرسه الجيش الأميركي ويحتاج إلى عشرات العلماء والمهندسين لتشغيله.

الاصفار والوحدان (01010) تستطيع اليوم ومع قوة أجهزة الكمبيوتر ان تنقل الصورة والافلام المتحركة والتصميمات الهندسية وكل انواع نقل المعلومات المطلوبة لتسهيل حياة البشر، والاصفار والوحدان تستطيع ان تخلق صورا متحركة تجعل الانسان يتصور انها حقيقية، ويستطيع الفرد اليوم ان يلبس قفازا ويضع على عينيه منظارا ويستطيع ان يصافح انسانا في الجانب الآخر من العالم يكون ذلك الشخص قد لبس قفازا مجهزا لالتقاط الاصفار والوحدان من خلال اتصاله بالكمبيوتر والهاتف.

والانترنت اليوم نقلت العالم الى مراتب متطورة في نشر العلوم والمعلومات ووضعها في ايدي الجميع متى ارادوا ذلك. كل هذا يحدث في الوقت الذي تتبع خطوط الهاتف الاعتيادية نظام الـ «Analog» والكمبيوتر حاليا بحاجة الى Modem، وهو جهاز يحول اشارات الـ Digtal الى Analog ويعيدها مرة ثانية الى ديجيتال قبل ان تدخل الكمبيوتر الآخر.

وعندما يكتمل تحويل خطوط الاتصالات من النظام الاستمراري/ التشابهي الى نظام الديجيتال وبالتالي يمكن دمج الهاتف والتلفزيون والكمبيوتر في جهاز واحد، فان الثورة المعلوماتية تكون قد بلغت مرتبة عالية بالنسبة إلى ما يحدث اليوم. ولتصوير الفرق فان العلماء يقولون ان المعلومات التي تنقل على شبكة الانترنت حاليا تعادل نقل معلومات مكتبتين كل ثانية. وجميع هذه المعلومات تمر عبر خطوط الهاتف ذات النظام الاستمراري. وعندما تتحول الانظمة جميعها الى الديجيتال فان الوضع سيكون مثل التحول من طريق عرضه متر واحد الى طريق عرضه مئة كيلومتر.

والمعلومات التي ستمر في طرق عرض كل واحد منها مئة كيلومتر لا يمكن تخيلها حاليا

إقرأ أيضا لـ "أفق آخر (منصور الجمري)"

العدد 242 - الإثنين 05 مايو 2003م الموافق 03 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً