العدد 243 - الثلثاء 06 مايو 2003م الموافق 04 ربيع الاول 1424هـ

يوميات الحرب... البعد الفلسطيني في «خريطة الطريق»

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

وفي الرئيس جورج بوش بوعده وأعلن «خريطة الطريق»، وذلك بعد اعلانه انتهاء العمليات العسكرية الكبيرة في العراق. فيكون العراق بذلك قد انضم إلى افغانستان، لأن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أعلن ايضا الامر نفسه هناك. إذا اميركا تنتقل من الحروب المحدودة، او الحملات في الوقت الحالي، إلى استكمال حروبها الميكرو (Micro-Wars)على الارهاب. ومن على متن الحاملة ابراهام لنكولن، كرر الرئيس بوش عقيدته الاستراتيجية، والتي وردت في استراتيجية الأمن القومي الاميركي. تنفّس العرب الصعداء لأن التركيز الاميركي تحول إلى المعضلة الاساسية، ألا وهي فلسطين. كيف يبدو الوضع بعد الانتهاء الاميركي من العراق؟

ارتاحت «اسرائيل» لنتائج الحملة الاميركية على العراق. فالحملة اراحتها من خطر كان جاثما على صدرها لفترة طويلة من الزمن. وهاهي تنتقل الآن إلى معالجة موضوع الامن الاسرائيلي الداخلي. وهنا نعتقد ان هذا البعد، هو الاهم للدولة العبرية. لماذا؟

تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية الكبرى على أسس أربعة هي:

1 - تفكيك دول المحيط وإضعافها: شكلت الحرب اللبنانية المؤشر الاول لهذه الاستراتيجية. فهي لم تقسم لبنان، لكنها بالتاكيد ادت إلى إحداث شرخ كبير على صعيد التركيبة اللبنانية لا يزال المسئولون يعانون منها. أدى النموذج اللبناني في نتائجه إلى هزات على الصعيد العربي. ادت بعدها الحرب الايرانية - العراقية إلى هزة ثانية في المنطقة. فزادت الفوارق بين شعوب المنطقة على الاصعدة كافة، العرقية منها والدينية - المذهبية. تلا الحرب العراقية الايرانية اجتياح الكويت. شكلت هذه الحرب الزلزال الأكبر نظرا لما انتجته من كوارث على دول المنطقة كلها من دون استثناء. ادخل الاجتياح العراقي للكويت، القوات الغريبة عن المنطقة أكثر فاكثر في نسيج هذه المنطقة. بعد حرب الخليج الثانية، أتت كارثة 11 سبتمبر/ايلول، لتجعل من اميركا اللاعب الاوحد على الاصعدة كافة، وخصوصا العربية والاسلامية. شكلت الحرب الاميركية الاخيرة على العراق المرحلة النهائية الكبرى لسيطرة اميركا على المنطقة. استفادت «اسرائيل» من كل هذه الحوادث بشكل اساسي، وذلك لان هذه الحوادث كانت ولا تزال تستهلك القدرات العربية والاسلامية في غير محلها. وهاهو العراق الآن تقريبا مقسم بين إثنياته ومذاهبه.

2- احتكار أسلحة الدمار الشامل: أصبح العراق تحت الاحتلال الاميركي، وذلك بغض النظر عما تسمي اميركا وجودها هناك. حتى الآن، لا وجود لاسلحة الدمار الشامل، وإن وجدت فهي ستنزع. هذا مع التذكير بأن «اسرائيل» كانت قد دمرت مفاعل «اوزيراك» النووي العراقي في العام 1981. تركز الاهتمام الاميركي بعدها على سورية، وخصوصا في بعد اسلحة الدمار الشامل. وهي ايضا كانت قد اتهمت من قبل جون بولتون سابقا بانها تسعى إلى امتلاك اسلحة الدمار الشامل، وهي تلحق بدول محور الشر. كذلك الامر، تركز في الوقت نفسه الاهتمامان الاميركي والاسرائيلي، على الموضع الايراني والمتعلق باسلحة «الدمار الشامل». حققت «اسرائيل» في هذا البعد حتى الآن نجاحات مهمة.

3- الامن الغذائي- المائي: لا تزال الانهار العربية في بحيرة طبريا تصب دون انقطاع، وذلك منذ تأسيس الدولة العبرية. وخاضت «اسرائيل» الكثير من حروبها من اجل الماء. هذا مع التذكير بأن «اسرائيل»، كانت وستظل تدخل البعد المائي في كل مخططاتها الاستراتيجية. كذلك الامر، تسيطر «اسرائيل» على خزانات المياه الموجودة في كل من الضفة وقطاع غزة. هذا عدا عن تخطيطها لاستيراد المياه من تركيا عبر حاملات المياه، في انتظار ان تصبح الطريق البرية آمنة لمدا انابيب المياه برا. كذلك الامر، لا يجب ان ننسى ان التكنولوجيا الحديثة اصبحت قادرة على ايجاد الحلول لمشروعات تحلية المياه.

4- أمن الداخل: لا تقوم وتستمر «اسرائيل» من دون امن الداخل. كان هذا الأمن ولا يزال يشكل الهاجس الاكبر للقادة الاسرائيليين. كل شيء، وكل مخطط تقوم به الدولة، يأخذ في الاعتبار الموضوع الأمني الداخلي. فمن شق الطريق، اي طريق، إلى بناء اية مستوطنة، هناك بعد امني يأخذ في الاعتبار السيناريو الاسوأ، الذي من الممكن ان تقع فيه «اسرائيل» (حرب 1973، والانتفاضة مثلا). ضربت «اسرائيل» كل المبادرات السلمية من اجل امنها الداخلي. وهمشت «اسرائيل» السلطة الفلسطينية من اجل امنها الداخلي. زرعت مستوطناتها بشكل يجعل هذه المستوطنات ثكنات عسكرية وقت الحاجة. وفرضت «اسرائيل» واميركا معها تغيير راس السلطة الفلسطينية، ونجحتا في ذلك.

حتى الآن، نجحت «اسرائيل» إلى حد كبير، لكن القلق لا يزال ماثلا، وذلك لان الخطر كما تراه هي، لا يزال موجودا. فالفلسطيني لا يزال ممانعا، ومصرّا على القتال. وهو ليس بعيدا جغرافيا، لا بل هو في تل ابيب وكل المدن الاسرائيلية. لكن الحصول على الأمن الداخلي، يتطلب الشريك الفلسطيني. لذلك كانت خريطة الطريق بعد الحرب على العراق، وبعد التغيير في راس السلطة الفلسطينية. فماذا عن هذه الخريطة؟

تقوم الخريطة في روحيتها على الآتي:

- الاعتراف بحق «اسرائيل» في الوجود، ووقف العنف. تلتزم «اسرئيل» بفك المستوطنات التي بنيت منذ مارس/اذار 2001، مع الاعتراف للفلسطينيين بحق اقامة دولتهم.

- المرحلة الثانية تقوم على عقد مؤتمر دولي لاعلان حدود الدولة الفلسطينية، بشكل ان تكون متواصلة إلى اقصى الحدود.

- المرحلة الثالثة، تقوم على التفاوض من اجل حل المشكلات الاساسية كالقدس واللاجئين... الخ. في هذه المرحلة تبدأ الاعترافات الرسمية العربية بالدولة العبرية.

هل هناك من أمل في نجاح هذه الخريطة؟

يأمل البعض ألا تكون هذه «الخريطة» الاقتتال الداخلي الفلسطيني. فهي عرضت بخجل من الاميركيين، وكانهم يعرفون مسبقا بانها فاشلة. فالرئيس الاميركي، يواجه حاليا تقريبا الوضع نفسه الذي عاشه والده العام 1991. فهو منتصر في الحرب، ويعلن مبادرة سلمية لفلسطين، وهو على مشارف الانتخابات الرئاسية، واميركا في وضع اقتصادي غير سليم. فلماذا المخاطرة؟

كي تنجح الخريطة، وجب ان تأخذ معها كل الفرقاء الفلسطينيين. لكنه وانطلاقا من الاهداف السياسية لهؤلاء الفرقاء، يمكننا القول ان الفشل اكيد، لكن لماذا؟

ينقسم المعسكر الفلسطيني إلى قسمين اساسيين هما:

1- معسكر الحد الاقصى، وهو الذي يطالب بالقضاء على «اسرائيل»، مع استرجاع كل فلسطين. وهو غير مستعد للمفاوضة على حق يعتبره شرعيا كان أخذ عنوة منه. يقوم فكر هذا المعسكر كله على هذه الفلسفة السياسية، فإن هو تخلى عنها، فهذا يعني انتهاء وجوده. يتمثل هذا المعسكر بالمنظمات الاسلامية، وعلى رأسها حماس. وتبدو اهداف هذا المعسكر تقريبا مستحيلة التحقيق في الوقت الحالي.

2- معسكر الحد الادنى، وهو الذي يقبل بالحوار السياسي من اجل اقامة دولة فلسطينية إلى جانب «إسرائيل». وهو مستعد للتخلي عن فلسطين التاريخية، لكن ضمن حل معين للقدس واللاجئين. حتى انه مستعد للتخلي، او ايجاد حل ما لهاتين المشكلتين، إذا ما كان الجو العربي والفلسطيني الداخلي تقريبا موافقا. يتمثل هذا المعسكر بكل من (ابو عمار) سابقا، ومحمود عباس (ابومازن) حاليا.

فشل الأول، فماذا عن الثاني؟

هناك عقبات أمام أبومازن:

- يقوم المشروع كله على شخص واحد. إذا ما فشل، فإن المشروع كله يسقط. ولا يصبح متوافرا سوى العنف وسيلة وحيدة للحل. وسيلقى اللوم على الفلسطينيين لانهم الاضعف، وقد يقمعون بطريقة لم يسبق لها مثيل، تكون مقدمة للترحيل القسري او الطوعي.

- إن وقف العنف يتطلب ضرب المنظمات المعارضة. وقد يعني هذا اقتتالا فلسطينيا داخليا، وهذه كارثة قد لا يتحملها اي مسئول فلسطيني.

- كما ان وقف العنف بالقوة، يتطلب قوة عسكرية معينة، ليست موجودة حاليا بسبب ضربها من قبل شارون خلال عملياته العسكرية (الجدار الواقي). فهل سيستعين بالجيش الاسرائيلي؟

- إذا ضربت المنظمات الفلسطينية المعارضة، واستمرت الخريطة، فما القوة العسكرية الرادعة «لاسرائيل» خلال المفاوضات؟

- إن إدخال المنظمات الفلسطينية في الحل السياسي، يتطلب اعطاءها ثمنا سياسيا. فما هو المقبول لديها (اي المنظمات) كي تدخل، من دون ان تخسر سبب وجودها؟ فهل إزالة الكيان الصهيوني عن خريطة المنطقة هدف مقبول من اميركا، و«إسرائيل» وحتى من ابومازن وهو من معسكر الحد الادنى؟

إذا في ظل تردد اميركي لفرض الحل، وبسبب عجز عربي لم يسبق له مثيل. يبدو ان عباس (ابومازن) يقف امام ارييل شارون وليس بيده وسيلة سوى جلد الذات، فهل سيفعل؟ فلننتظر

العدد 243 - الثلثاء 06 مايو 2003م الموافق 04 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً