العدد 250 - الثلثاء 13 مايو 2003م الموافق 11 ربيع الاول 1424هـ

البحرين بحاجة إلى استراتيجية وطنية من أجل مستقبل أفضل

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

اللقاء المنشور على صفحة 9 مع رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين خالد محمد كانو يوضح الكثير من الهموم التي يحملها التاجر البحريني الذي تطلب الدولة منه تحمل مسئوليات أكبر لادارة الاقتصاد. فالدولة تسيطر حاليا على 70 في المئة من الاقتصاد وهذا ينهكها ويمنع النمو لأن الدولة انما هي كالفيل الذي لا يمكن ان يطير مهما حاول ذلك.

الحكومة في البلاد المتقدمة تحولت من مدير للاقتصاد الى منظم ومراقب محايد وداعم ومساند للجوانب الضرورية غير المربحة. اما باقي الأمور فهي بيد القطاع الخاص الذي يأمن على ماله من أي اعتداء عشوائي او تسلط لمسئول ينافس التاجر في الوقت الذي يكون فيه مسئولا عن إدارة او تنظيم هذا القطاع او ذاك.

رئيس الغرفة أكد انه يحصل على مساندة القيادة السياسية، لكن ما يطمح اليه (بصفته ممثلا عن القطاع الخاص) هو وجود اجراءات توصل الى «حتمية القرار» من دون الحاجة إلى أن يتوسل التاجر بهذا الوزير او ذاك المسئول. التاجر بحاجة إلى الاطمئنان بأن المشروع الذي يقدمه إلى الوزارة للحصول على رخصة للبدء به لا يختفي في الدهاليز ثم لا يلتفت التاجر الا واذا بأحد الأفراد القريبين من المسئول قد بدأ بتنفيذ المشروع ذاته.

التاجر يود - كما يؤكد ذلك رئيس الغرفة - أن يرى حدا فاصلا بين المسئول وتجارته وضرب مثلا بالوزير في الدولة المتقدمة اقتصاديا الذي يفرض عليه القانون تسليم شركته الى «وقف» يدير الشركة لكي تفصل المصالح الخاصة عن المصالح العامة، وبذلك فإن المستثمر يحصل على الثقة المطلوبة.

العوائق امام تسلم القطاع الخاص دوره كثيرة وتتنوع بين القانون غير الواضح وتضارب المصالح والبيروقراطية المتضخمة والاجراءات القديمة وفوق ذلك كله الفساد من فئة صغيرة ولكنها نافذة. وبالنسبة إلى مشكلة الفساد فان رئيس الغرفة يطرح وجهة نظره بوضوح، اذ يقول «اننا بحاجة إلى ان نرى واحدا أو اثنين من الذين «ما يشتغلون عدل» ويتلاعبون يتم ضربهم فتثبت جدية التوجهات الاصلاحية لهم، وهذا يجب ان يحدث مرتين أو ثلاثا، واذا ضربنا الفساد المالي أو الفساد الاداري أو عدم تنفيذ أوامر القيادة السياسية اعتقد اننا سنسير الى الأمام بسرعة».

ان الامكانات المتوافرة للبحرينيين كثيرة ولكن كل ذلك يعتمد على عدد من الاجراءات الرمزية والتي تبعث للجميع برسالة مفادها ان عصر الاصلاحات ليست شعارات فقط وانما هو عزم واصرار على البدء بعهد تحميه الشفافية ولا يسمح بممارسات لا تتناسب مع التطورات العالمية والاقليمية والمحلية.

ان امامنا فرصا كثيرة لتحويل البحرين الى أنموذج ليس فقط للحريات العامة (وهو ما نأمل ان يتعزز عبر ازالة قانون قمع الصحافة والقوانين المجحفة الأخرى) وانما ايضا مثالا يحتذى في فاعلية القرار وسرعة التنفيذ من دون الحاجة إلى ان يلجأ المرء للتوسل الى هذا المسئول او ذاك الذي يجد الفرصة للفساد من خلال توسل الآخرين لديه.

ولكي يشعر التاجر البحريني ان باستطاعته لعب دوره من دون الحاجة أو الاضطرار إلى ادخال شخص ما لتسهيل مهماته فاننا بحاجة إلى تسهيل عملية تخليص المعاملات من خلال اعتماد الحكومة الالكترونية فمع الاسف ان الكمبيوتر اصبح اكثر عدالة من بني البشر ما يعني انهزاما اخلاقيا للعقل الذي يتمتع به الانسان. فالكمبيوتر لا يتحيز لهذا الشخص او ذاك لانه يتسلم معلومات وتخرج منه نتائج وبالتالي فان تمرير القضايا لا يحتاج إلى هذا الوزير او ذلك المسئول الذي سيهتم بتمرير معاملة زوجته واخته وابنه، بينما سيرمي معاملات الناس الآخرين في المزبلة. واذا كان اعتماد الحكومة الالكترونية كاستراتيجية لتطوير فاعلية الادارة التنفيذية للحكومة فاننا قبل ذلك نحتاج إلى الاتفاق بشأن استراتيجية وطنية يتفق عليها القطاع الخاص مع الحكومة. وانه لمن المؤسف حقا ان الغرفة تتقدم بهذا الاقتراح الا ان الحكومة بكل عدتها وعددها تعجز عن الاستجابة لمقترح يعتبر من بدائيات العمل الحكومي، الا وهو صوغ الاستراتيجية الوطنية لمستقبل البحرين بالنسبة إلى الشأن الاقتصادي والتجاري.

ان كثرة الوزارات لم تفدنا في صوغ استراتيجية فكيف ستفيدنا في تنفيذها؟! هذا هو السؤال الذي يطرحه حال التجار. ان المطلوب - كما وضح رئيس الغرفة - هو ان تقوم هيئة تنفيذية بالدعوة إلى عقد اجتماع موسع لصوغ استراتيجية وطنية لاقتصاد البحرين للسنوات العشر المقبلة. والذين ينبغي دعوتهم إلى هذا الاجتماع... ممثلون عن وزارة العمل (المسئولة عن العمال في القطاع الخاص اساسا) وديوان الموظفين (المسئول عن العاملين في الحكومة) ووزارة المالية والاقتصاد الوطني ووزارة التجارة ووزارة النفط ووزارة الصناعة ووزارة التربية وغرفة التجارة والصناعة والاتحاد العام لعمال البحرين والجمعيات المهنية الرئيسية ورؤساء الشركات الكبرى وباحثون وخبراء مختصون في هذا المجال.

لقد نظمت ورشتان برعاية سمو ولي العهد عن تنشيط القطاع الخاص وكانت من نتائجهما عدد غير قليل من الافكار العملية. ولكننا الآن بحاجة إلى تطوير تلك الاقتراحات الى استراتيجية متكاملة برعاية هيئة تنفيذية لكي تجد الاستراتيجية طريقها الى التنفيذ. والبحرين لا تنقـصها العقول او الامكانات وغيرنا قد يسبقنا لاننا تلكأنا ولكن عندما نتحرك ضمن نسق متفق عليه ومنهجية واضحة فان المستقبل اكثر اشراقا.

التاجر البحريني يستطيع ان يعبر عن رأيه ويستطيع ان يحدد مستقبل استثماراته وهناك قنوات اتصال مع القيادة السياسية ولدينا انفتاح سياسي، ولكن - وكما اكد رئيس الغرفة - اننا بحاجة إلى رؤية متكاملة واطار لتمرير المعاملات يسير على اساس «حتمية الوصول الى القرار بمجرد الايفاء بالشروط»، ونحن بحاجة إلى ازالة الاجراءات والقوانين والممارسات القديمة التي تمنع تنفيذ حتى الاوامر الصادرة من الأعلى وتضع عشرات المعوقات في الطريق

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 250 - الثلثاء 13 مايو 2003م الموافق 11 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً