العدد 2505 - الأربعاء 15 يوليو 2009م الموافق 22 رجب 1430هـ

أنماط التغير والتكرار في تاريخ إيران المعاصر

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

لا ريب في أن الاضطرابات والتداعيات التي تلت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في جمهورية إيران الإسلامية تستقطب الاهتمام العالمي، الرسمي والإعلامي، ليس فقط بسبب الأهمية الجيوستراتيجية لإيران في منطقة تعد الأخطر والأكثر أهمية واستعدادا للالتهاب، ولكن كذلك بسبب تواصل طهران في مشروعها النووي على نحو يوحي بالتحدي لإرادات الغرب بقيادة واشنطن، وبالرعب لـ «إسرائيل» التي تستشف بعدا عسكريا من وراء المشروع النووي الإيراني المتواصل. ولكن إضافة إلى هذه الاعتبارات جميعا، لم تبدو على الأوضاع الداخلية أية إشارات تنذر بعدم الاستقرار وبالفوضى اللامحدودة منذ استتباب الوضع العام هناك بأيدي ثيوقراطية راسخة ومتنفذة. إلاّ أن المهم في سياق ما جرى من اضطرابات وغليان في شوارع طهران عبر الأيام الأخيرة لا يمكن، برأيي، أن يسّوق على أنه «ثورة ثانية» أو «خضراء»، كما تحاول بعض وسائل الإعلام تصوير الأمر وتسويقه بطريقة تخدم أهدافا سياسية، باعتبار «إيران العصية على شروط الإذعان».

أما الحديث عن ثورة جديدة، تذكيرا بالثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني، فإنه ضرب من ضروب الآمال المتمادية بالتفاؤل التي قد تقود الغرب إلى مفاجآت جديدة ومزعجة بقدر تعلق الأمر بالسياسات الإيرانية وبتمسك طهران بمشروعها النووي.

لفظ ثورة revolution، بالمناسبة، يمكن أن يعني «دورة» (بالنسبة للعجلة في الفيزياء الآلية)، لذلك يكون افتراض وجود ثورة إنما هو افتراض مبني على حدوث دورة، بحسب المنظور التاريخي الواسع: بعد ثلاثين سنة من تفجر الثورة الإسلامية. وهنا تكتمل فكرة الدورة الزمنية حيث تبرز الحاجة للتغيير أو للانقلاب على الثابت الهامد على نحو 360 درجة، إذا ما استخدمنا المصطلح الفيزيائي.

إن هذا النوع من التفكير الذي هو في جوهره نمط من أنماط التمني المضاد للمشروع النووي الإيراني، إذ أنه يراهن على ثمة تغيير جذري يجري داخل إيران، وهو تغيير سيكفي الآخرين شر القتال والاحتكاك، هذا التفكير يؤسس نفسه أو آلياته على ما شاع في الصحافة العالمية والعربية، حول الشأن الإيراني، عن ثمة تنافر بين الإصلاحيين reformists والمحافظين conservatives.

هذا التنافر المفترض صحيح ومقبول؛ ولكن بحدود، إذ يمكن للمرء أن يختزل الصراع داخل إيران اليوم بوصفه صراعا بين فئتين: فئة الشبيبة المتطلعة للمستقبل وللتحرر على أنواعه، وهي فئة ذات طاقات مهولة، وبين فئة «العلماء» Ulma، باستخدام المصطلح الإنكليزي، حيث انقلبت الموازين والقيم بين العام 1979 والعام الجاري: العام 1979 كان هناك ثمة ائتلاف أو تحالف بين الشبيبة والعلماء، وكان ذاك تحالفا قويا بسبب احتماله لحيوية وعنفوان الشباب، سوية مع توازن ومنطق ورشد العلماء. لاحظ أن العلماء، سنة 1979، كانوا يمثلون قوة تقدم بوصفهم الرأس الصاعد لفكرة التغيير من خلال إنهاء إمبراطورية أسرة «آريامهر» ممثلة بتاج محمد رضا بهلوي.

لقد كمنت جذور الثورة الإسلامية آنذاك في فكرة مقاومة رمي الشاه نفسه ودولته بأحضان العالم الغربي تحت شعار وفلسفة التغريب Westernization، على نحو يذكرنا بسياسة كمال أتاتورك الذي وضع تركيا على أعتاب التغريب ومن ثم الاغتراب، باعتبار أن التغريب إنما هو مرادف للتحديث! كان العلماء آنذاك يمثلون قوة ثورية أو قائدة للثورة، وكان الشباب يمثلون مادة الثورة الأساس ووقودها الذي قدم نفسه ضحية لسطوة نظام بوليسي كان يعد نفسه «شرطي الخليج» آنذاك، باعتباره يمتلك «رابع» أقوى جيش في العالم. كانت الثورة العام 79 مبتناة على فكرة مقاومة تغريب إيران الإسلامية، لذا فانها وجدت نفسها في أحضان العلماء في نهاية المطاف، وحتى اللحظة.

إن ما يجري اليوم من إضطرابات الآن يقدم نوعا من أنماط التكرار التاريخي، إذ يقدم الشباب (بمشاركة نسوية واضحة المعالم) مادة ووقودا لنوع جديد من التغيير، الذي يرنو إلى التفتح على العالم الخارجي، الغربي خاصة، عبر التفاعل والتناقل والتلاقح، الأمر الذي تحاول الإدارات الغربية تشجيعه وتغذيته إعلاميا واعتباريا من خلال التركيز على الأدوات التي وفرها الغرب للشبيبة الإيرانية من أجل اختراق النظام الثيوقراطي وأدواته البوليسية (من هذه الأدوات: الإنترنيت والهواتف النقالة والرسائل القصيرة من بين أدوات أخرى).

العالم الغربي، ومعه «إسرائيل»، يريدان تعميق الشرخ أو الطلاق بين الشباب والعلماء، أي بين تيار «الإصلاح» وتيار «المحافظة»، على عكس ما جرى العام 79 حيث كان التحالف بين الشبيبة والعلماء هو محور الثورة الإسلامية وورقتها الرابحة: وهي الثورة المضادة للتغريب. اليوم يحدث شيء معاكس، إذ يبدو أن الثورة الإسلامية قد حقنت الشعب الإيراني بجرعة زائدة من «المحافظة» (لمقاومة التغريب) درجة انقلاب الدواء إلى داء، حيث راح الشباب يطالبون بالتغريب والتحديث ومد الجسور الثقافية والاقتصادية مع العالم الخارجي بطريقة أو أخرى.

لذلك فإن ما جرى في شوارع طهران خلال الأيام القليلة الماضية إنما يمثل ردة فعل لجرعة المحافظة التي قدمتها الثورة الإسلامية بطريقة بدت وكأنها قطعت الجمهورية الإسلامية عن محيطها الكوني وكذلك عن محيطها الإقليمي.

إن الشعب الإيراني هو واحد من الشعوب الحيوية والقادرة على الإبداع، باعتبار تراثه العريق وحضاراته القديمة، لذا فإنه شعب قادر على اختيار الطريق الصحيحة التي تقوده لأن يكون عنصرا فعالا وبنّاء في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي الذي هو الآن بأمس الحاجة للاستقرار وللعلاقات الندّية والسلمية الواعدة حيث إمكانية إحالة هذا الخليج من منطقة قابلة للالتهاب إلى منطقة ترفل بالسلام والتعاون والأمن والاستقرار.

أستاذ محاضر في جامعة ولاية أريزونا، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org»

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 2505 - الأربعاء 15 يوليو 2009م الموافق 22 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً