العدد 2531 - الإثنين 10 أغسطس 2009م الموافق 18 شعبان 1430هـ

مسارات الدعوة: تأملات في أحوال الأمة

هبة رؤوف عزت Heba.Raouf [at] alwasatnews.com

كاتبة مصرية

تعودنا أن الدعوة فعل مباشر أو قول منظم من أجل اقناع الناس بالالتزام بالإسلام أو دعوتهم لاعتناق هذا الدين.

منظمات للدعوة ودورات في الدعوة، زخم من المحاضرات، بل احتفاليات ومطبوعات.

الآية الكريمة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) توضح لنا أن الحكمة تسبق الموعظة، وأن الإحسان شرط الجدل، وأن الله... أعلم بالعباد.

قابلت في مسيرتي رجالا ونساء تصدروا للدعوة فصدوا الناس عن سبيل الله، وجوه مكفهرة، ومقولات حادة، وشعور بالتعالي على الناس، وتنزيه النفس واتهام الآخرين، يضيقون الواسع ويصعبون السهل ويتفننون تحويل القضايا الفرعية إلى قضايا كبرى واللمم إلى مرتبة الكفر.

ونظرت فيما نقصد ونبتغي فوجدته استمالة قلوب واستنقاذ الناس من العذاب وشمولهم بالرحمة... فكيف يمكن أن تتحقق هذه المقاصد على يد أناس غلاظ يصعب على صاحب الالتزام ذاته أحيانا التواصل معهم لصعوبة التفاهم وغلو الفهم وعدم قبول الاختلاف وسرعة الاتهام .

وإذا كانت الحكمة هي الخطوة الأولى، فإن الحكمة التي طبقها الكثير من السابقين الأولين كانت القدوة الطيبة، أن يمسكوا ألسنتهم ويكفوا أذاهم وينشروا بسماتهم وبشرهم ويوفوا بوعودهم ويلتزموا بعهودهم ويصدقوا في ما يقولون ويتحروا الأمانة فيما يفعلون. كان الإسلام منهج حياتهم ولم تكن الشعوب التي تجولوا في أراضيها شعوبا بسيطة أو بدائية، بل لها تراث حضاري وإرث ثقافي، ورثة امبراطوريات وممالك وسلطنات، خاصة الدول التي تحظى عدديا بالثقل في دار الإسلام من غير العرب من الأناضول لتركستان لإيران للهند لجزر الملايو واندونيسيا وصولا إلى الصين شرقا ووصولا لغرب افريقيا بعد شرقها ووسطها... لكن تحقق الإسلام فيهم جعلهم نموذجا للعقيدة التي اعتنقوها، وكان أن انتشر الإسلام بالمثال لا بالسيف، باليقين الذي يسري وحسن الخلق الذي يهدي، لا بالزجر والترهيب.

طالما تأملت في حال العرب اليوم، بعيدا عن جهود الدعوة في خراج المجتمعات العربية، ساق الله لنا الناس فأتوا في ظل العولمة من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، يتوافدون إلى سوق العمل، يحدوهم الأمل في مكان يحقق لهم الأمن ويدفع عنهم العوز، عمالة بالملايين في بلداننا من بلدان كثيرة، فهاهم قد جاءوا ليعيشوا هنا وفي ظل خبرة التاريخ وزعمنا أننا مجتمعات ملتزمة بسنة الرسول الأكرم وتسير على هذا الكتاب كان المنطقي أن يدخل الناس في دين الله أفواجا، لكن نسبة اعتناق الإسلام محدودة للغاية، وهناك من يقضي السنوات الطويلة فلا يفكر أو يخطر على باله أن يسأل عن الإسلام.

لن أفيض في التحليل لأن الدلالة واضحة، ومؤلمة ومحزنة، وتحتاج منا تفكيرا عميقا ومراجعات، لا في أسلوبنا في الدعوة بل في طريقتنا في الحياة وطباعنا وسبل معيشتنا وخاصة أخلاقنا اليومية وقيمنا العملية التي نراها في أعيننا إسلامية وهي تدفع الناس دفعا بعيدا عن هذا الدين، بل توشك أن تدفع من ولدوا في ظله أن يخرجوا من دين الله أفواجا، بحثا عن كرامة وعدالة كانت هي وعد الله الذي لم نف نحن به بعد أن حملنا الأمانة وتحملنا الشهادة على العالمين.

عبر سنوات من التدريس للطلاب أدركت كم يحتاج الطالب العربي لأن يرى الأخلاق متحققة في مشهده اليومي، وهو عين ما يحتاجه الطالب الأجنبي مضافا له احترام عقله النقدي الذي تربى في ظل ثقافة تعلي من العقل، وكان التأثير الأكبر لا للخطاب المباشر بل للحجة المنطقية، والأهم : للخلق الطيب ولين الجانب والرحمة الإنسانية.

ولا أبالغ لو قلت أننا لو نظرنا في طبيعة من اعتنقوا الاسلام نجد أن ابرزهم مكانة وأكثرهم ثقافة هم الذين تأثروا بالقيم التي وجدوها لدى أشخاص تعاملوا معهم، في حين لم يقم أحد بدعوتهم مباشرة بل نظروا لهم وتدبروا وقرأوا وتابعوا ثم أسلموا لله رب العالمين.

عندي أمثلة كثيرة وقصص عديدة، لكن العبرة واضحة، والحكمة لازمة، وتقصيرنا شديد، وأغلبنا عنيد، والرشيد منا في هذا المجال... فريد.

والله يهدي من يشاء... إلى صراط مستقيم.

إقرأ أيضا لـ "هبة رؤوف عزت"

العدد 2531 - الإثنين 10 أغسطس 2009م الموافق 18 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:50 ص

      حجة بالغه

      أن هذا الكلام يضع الحمل ثقيل علفى أكتاف أفراد هذه الامة جزاكم الله خيرا

    • زائر 1 | 10:20 ص

      رائع.

      رائع وواقعي، ونامل أن يعتبر أولي الالباب.

اقرأ ايضاً