العدد 2650 - الإثنين 07 ديسمبر 2009م الموافق 20 ذي الحجة 1430هـ

كيف تجعلنا الهيمنة الأميركية أقل أمنا وأقل ازدهارا وأقل حرية؟

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

في كتابه الذي صدَرَ حديثا تحت عنوان «مشكلة القوّة: كيف تجعلنا الهيمنة الأميركية أقل أمنا وأقل ازدهارا وأقل حرية» يقدّم الدكتور د. أ. بريبل طرحا جريئا حول مشكلة القوة العسكرية الأميركية التي هيمنت على العالم. ولكنها جعلت من الأميركيين أقل أمنا وأقل ازدهارا وأقل حرية.

وفي المقدمة يمهد الكاتب للتعريف بالكتاب بأنه يتناول تحديدا القوة العسكرية الأميركية من حيث ماهيّتها وكيفية قياسها واستخداماتها بالإضافة إلى اعتبارات أخرى تتعلق بتكاليفها والفوائد التي يجنيها الأميركيون من وراء وجود هذه القوة الهائلة. ويبيّن المؤلف كيف أن القوة الأميركية العسكرية الضخمة لم تردع أو تخيف المهاجمين في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، ولم تجعل صدام حسين يرضخ للشروط الأميركية، واستمرت كوريا الشمالية بتجاهل التحذيرات الأميركية، ولم تكن التهديدات الأميركية ضد إيران ذات جدوى. ويقول الكاتب في هذا الصدد: «إن مقارباتي من السياسة الخارجية الأميركية مختلفة ولا تروق لصنّاع السياسات في واشنطن من جمهوريين وديمقراطيين مع علمي أن التغيير ليس سهلا».

ويبيّن المؤلف أن الأميركيين نسوا في بعض الأحيان أن القوة الوطنية في الولايات المتحدة تشمل أكثر مما هو متعارف عليه بالقوة العسكرية. وبذلك فقدوا رؤية الغرض الذي وجدت لأجله القوة العسكرية وأصبحت القوة العسكرية الأميركية بعدة طرق مشكلة حقيقية. وشكّلت هذه المشكلة الأساس الذي ارتكز عليه هذا الكتاب لإثارة النقاش والجدل بهدف الوصول إلى حقيقة مفادها وجوب تخفيض القوة العسكرية الأميركية ليصبح الأميركيون أكثر أمنا. ويمكن حلّ المشكلة بالعودة إلى الدستور الأميركي وإلى قرون التاريخ لاستنباط أن مهمة القوة العسكرية الأميركية هي تأمين الحرية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأميركية لجميع الأميركيين داخل الولايات المتحدة الأميركية وليس لحماية شركاء في الخارج والتعهد بنشر الديمقراطية في بلدانهم.

ويستطرد الكاتب بالقول: «مع أن إدارة كل من بوش الأب وكلينتون كانتا قد ساهمتا في خفض نفقات الأفراد والمعدات لكنهما في الوقت نفسه أرسلتا القوات الأميركية إلى عدد من المهام الخطيرة والتي لم تكن ضرورية للأمن الوطني الأميركي».

ويحاول الكاتب إثبات وجهة نظره هذه بأن القوة الحقيقية للأمة الأميركية لا تكمن في القوة العسكرية لوحدها. واستشهد على ذلك بأن من الدروس الأولى المهمة لحقبة الحرب الباردة أن الولايات المتحدة ربحتها ليس عن طريق القوة العسكرية، بل بسبب عوامل قوة كثيرة اجتماعية واقتصادية وثقافية. في حين خسرها الاتحاد السوفياتي الذي بنى ترسانة هائلة من الأسلحة النووية والتقليدية على حساب قوت الشعوب السوفياتية لكنه لم يوفّر للناس في الأسواق أحيانا ما يشترونه من المواد الغذائية الأساسية. وعلى الرغم من ذلك، نسي بعض الأميركيين دروس الحرب الباردة خلال العقدين التاليين لسقوط الاتحاد السوفياتي واعتقدوا أن القوة العسكرية الأميركية هي نهاية المطاف. ثم يتساءل الكاتب قائلا: «لقد قدمنا مساعدات لمسلمي البوسنة والهرسك ولكن لماذا لم نساعد المسلمين في الشيشان؟».

وفي الفصل الأول يؤكد الكاتب حقيقة «ان القوة العسكرية هي قوة هيمنة إلا أنها ليست قادرة على كل شيء». وحتى يتم فهم ذلك لا بد من معرفة ما هي مكونات القوة العسكرية برّا وبحرا وجوّا وأين تتوزع تلك التشكيلات العسكرية داخل الولايات المتحدة وخارجها، لا بل وماذا تعمل تلك القوات على وجه التحديد؟ ويركّز الكتاب على أن القوى البشرية العاملة والمعدات والأسلحة المستخدمة في الصنوف الأربعة التي تمثل التنظيم العسكري الأميركي للقوات المسلحة وهي الجيش الأميركي (القوات البرية) والبحرية ومشاة البحرية والقوات الجوية الأميركية. حيث ينتشر ما مجموعه 267000 جندي أميركي في أكثر من 100 دولة حول العالم. وذلك من خلال عدد من الاتفاقيات السرّية حول تنظيم تواجد القوات العسكرية الأميركية والتي تتراوح ما بين 80 و115 اتفاقية مع دول متعددة على الساحة العالمية، والأهم من ذلك كله أن هذا الانتشار الهائل للقوات العسكرية الأميركية لم يحدث بين عشيّة وضحاها، لا بل إنه تفاقم بعد عقدين من أفول نجم الحرب الباردة. ويعود الكاتب بشكل موجز إلى الجذور التاريخية لإنشاء القوة العسكرية الأميركية منذ القرن الثامن عشر ويبيّن كيف تطورّت تلك القوة نسبيا وتدريجيا ما بين الحربين العام 1812 مع البريطانيين والحرب العالمية الثانية العام 1939. ويبيّن المؤلف ماهيّة الدور الفعلي للقوة العسكرية من خلال رؤى واضعي نصوص الدستور الأميركي والرؤساء الأميركيين المؤسسين ومجالس الكونغرس المتعاقبة. وذلك بهدف معرفة كيفية الوصول القوات العسكرية الأميركية إلى ما وصلت إليه اليوم من حجم هائل وقدرات كبيرة وانتشار واسع النطاق حول العالم، والتي لم تكن بالحسبان عبر مراحل التأسيس الأولى. ومع ذلك، كان الرئيس الأميركي الأسبق دوايت ايزنهاور قد حذّر قبل مغادرته البيت الأبيض في الستينيات من مغبّة تحكّم المجمع الصناعي الأميركي للأسلحة والمعدّات العسكرية بمجريات الأمور المتعلقة بالقوات المسلحة وقرارات الحرب. إلا أنه على الرغم من تلك التحذيرات وقبل الوصول إلى نهاية حقبة الحرب الباردة، كانت قد بدأت مرحلة التدخلات العسكرية الأميركية في الخارج، ابتداء من الجوار الأميركي، حيث الدومنيكان العام 1965، وغرينادا العام 1983 وبنما العام 1989، ثم الانتقال إلى العراق العام 1991 والصومال العام 1992. وبعد ذلك في البلقان ثم أفغانستان العام 2001، والعراق مرة أخرى العام 2003. ما زال الوجود العسكري الأميركي في البلقان وأفغانستان والعراق ماثلا حتى اليوم.

ويوضّح الفصل الثاني من الكتاب كيفية حساب ومطابقة تكاليف القوة العسكرية للولايات المتحدة الأميركية من خلال طرح التساؤل عن مقدار الإنفاق على القوة العسكرية ومعرفة أين تذهب تلك النقود ولا سيما أن التكاليف المباشرة لإنشاء وإدامة وتوسيع القوة العسكرية مع الموازنة الأساسية لوزارة الدفاع «البنتاغون» يسهل حسابها نسبيا. ويبيّن الكاتب: «أنه عند إضافة تكلفة الحرب في أفغانستان والعراق والتي وصلت إلى 4.5 في المئة من مجمل الاقتصاد الأميركي أو ما يعادل 622 مليار دولار أميركي كإنفاق عسكري العام 2007، وعندما يجري توزيع هذا المبلغ على مستوى الفرد في الولايات المتحدة تبلغ حصة كل رجل وامرأة وطفل أميركي نحو 2065 دولارا». أي ما يزيد عن ضعف ما يدفعه المواطن البريطاني والفرنسي وأكثر من ثلاثة أضعاف ما يدفعه الشخص الياباني والألماني. علما بأن الفجوة في الإنفاق قد زادت في العام 2008 عن العام السابق ثم وصل المجموع الكلي المطلوب للإنفاق العسكري في العام 2009 نحو 800 مليار دولار.

ويبيّن المؤلف في الفصل الثالث أن القوة العسكرية لأميركا تُكلّف كثيرا ومع ذلك يعتقد كثير من الأميركيين خطأ أن تخفيض الموازنة العسكرية وإجراء تغييرات شاملة على الإستراتيجية الأميركية الحالية يمكن أن تنتج عنها حالة قد تكون «أقل أمنا» بالنسبة إلى الشعب الأميركي. ويستدلّون على ذلك من تقديرات تقول إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد كلّفت الاقتصاد الأميركي 250 مليار دولار. ثم يستشهد الكاتب على ذلك بالقول: «طالبَ مرشحو الرئاسة الأميركية العام 2008 بمن فيهم الرئيس الحالي باراك أوباما بزيادة عدد الأفراد العاملين في الجيش ومشاة البحرية، وحسب وجهة نظر السناتور جون مكين فإن تلك القوات يمكن زيادتها بنسبة 40 في المئة عمّا كانت عليه قبل هجمات 11 سبتمبر 2001». ومع ذلك يتجاهل الكثير من الأميركيين أن زيادة النفقات على القوات التقليدية لها تأثير محدود ضد أعداء مجهولين كتنظيم القاعدة.

وفي الفصل الرابع يعتبر الكاتب «أن القوة العسكرية الأميركية بحد ذاتها مشكلة لأنها تكلف كثيرا جدا. وتكلّف كثيرا جدا لأنها كبيرة جدا». وهي بحق أكبر بكثير من حاجة الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها ومصالحها الحيوية. ومع ذلك، فإن صنّاع القرار في الولايات المتحدة يستخدمون تلك القوة العسكرية كثيرا بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن الأمن الأميركي يعتمد على الاستقرار العالمي الذي لا أحد يستطيع الحفاظ عليه سوى الولايات المتحدة. ولكن إذا ما جرى التركيز بصورة دقيقة على الأمن الغذائي الأميركي يتبين أن الولايات المتحدة تحتاج إلى حجم أقل واستخدام أقل للقوة العسكرية الأميركية.

وحول مأزق السيطرة على القوة العسكرية يشرح المؤلف في الفصل الخامس هذا المفهوم من منطلق مقنع إلى حد كبير وهو «أن إستراتيجية الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية الأميركية نيابة عن الآخرين لا تشجعهم بالدفاع عن أنفسهم لا بل وتجر الولايات المتحدة إلى حروب خارجية» بسبب فرضية اعتبار أن الهجوم عليهم هو هجوم على الولايات المتحدة الأميركية نفسها. ومن هنا فإن الولايات المتحدة لا تعتمد على تلك الدول في مسألة الدفاع عن أنفسهم من الأخطار الخارجية، وهذا الأمر يظهر للعالم أن الولايات المتحدة أمة أكثر من عادية لتحمل عبئا أكبر من أمنها الداخلي. وفي الوقت نفسه أن الأمم الأخرى هي أقل من عادية وغير معنية بأمنها الداخلي.

وفي الفصل السادس يرى الكاتب أن تطويع مشكلة القوة أمر لا بد منه ولا يكون ذلك التطويع من وجهة نظره بتخفيض نفقات القوة العسكرية الحالية إلى النصف بين عشية وضحاها، ويستطرد قائلا: «عندما يتم بناء قوة عسكرية هائلة وتستمر الولايات المتحدة بالمحافظة عليها بهذا الحجم ثم يقوم أصحاب القرار السياسي بالبحث عن أدوار لها بهدف استخدامها، فإن ذلك يعني أن الحصان أمام العربة». وقد يكون من الأفضل أن يركز النهج المتّخذ على العكس تماما فيما لو حددت الولايات المتحدة أولوياتها من حيث الأهم والمهم. على أن تتناسب الخيارات العسكرية الأميركية مع القوة العسكرية المتوافرة من حيث الحجم الإجمالي للقوات بما فيها الأسلحة والمعدات المشتركة مثل الطائرات والأفراد والسفن والغواصات وغير ذلك.

وفي خلاصة الكتاب يبيّن المؤلف أنه «من الممكن أن تحافظ الولايات المتحدة على موقعها في قمة النظام العالمي وحدها لمدّة طويلة جدا. مع أن التاريخ يقول غير ذلك». ومن حيث أن الولايات المتحدة ستبقى تكافح من أجل البقاء متقدّمة على الآخرين فإن هذا الوضع يجعلها تعيش في حالة مستمرة من الخوف، وعليه لن يتوقف الحديث عن عدم الشعور بالأمن. ومن هذا المنطلق ستستمر الولايات المتحدة بالإنفاق أكثر فأكثر نتيجة لقناعة ذاتية بهدف البقاء من دون منافسة أحد لها.

يتبين من خلال قراءة كتاب «مشكلة القوة» قراءة دقيقة ومتأنية أن طروحات المؤلف قوية جدا ومنطقية للغاية، وتمس شعور ورغبات وتطلعات المواطن الأميركي، من حيث أن هنالك أولويات وبرامج مطلوبة داخليا أكثر من تجارة الحروب في الخارج (نيابة عن الآخرين) بقوات عسكرية تضخّمت لدرجة أصبحت عبئا ثقيلا على المواطنين ودافعي الضرائب الأميركيين، من دون مردود اقتصادي داخلي. كما أن استنتاجات المؤلف مقنعة بدرجة كبيرة وتتوافق مع ما يعتقده كثيرون من الأميركيين أنفسهم، ومع كثير من الشعوب على الساحة العالمية - مع أنها قد لا تروق لأنظمة سياسية خارجية - ممن يرون أن الجندي الأميركي مكلّف بحراستهم وحماية كراسيهم ومكتسباتهم الشخصية. يُذكر أن المؤلف اعتمد على مراجع عالمية دفاعية معروفة وموثوقة، ومصادر بحثية وأكاديمية أميركية متعمدة. بالإضافة إلى وثائق وأرقام وإحصائيات متعددة في جميع مقارباته وتناوله للحقائق والأحداث والأقوال والتصريحات.

مدير برنامج أبحاث الدفاع في مركز الخليج للأبحاث، دبي، والمقال يُنشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org»

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 2650 - الإثنين 07 ديسمبر 2009م الموافق 20 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً