العدد 270 - الإثنين 02 يونيو 2003م الموافق 01 ربيع الثاني 1424هـ

الصداقة الزائفة

منيرة العليوات comments [at] alwasatnews.com

قديما، كان التلفزيون يشغل بعض أوقات فراغ أفراد الأسرة. فبعد يوم من العناء طويل تنتهي الزوجة من أعمالها الروتينية، ويعود الزوج من رحلته العملية اليومية، وبعد العشاء يمضيان بعضا من وقتهم في مشاهدة برنامج مختار أو قصة مسلية، ثم يمضيان لاستكمال سعادتهما الاسرية والتمتع بما مضى لديهم من الوقت إما في زيارة مسلية للعائلة الكبيرة من الأولاد، وإما في حديث مستمر بنّاء يتمحور حول شئون البيت والاولاد أو تنظيم وترتيب ما فاتهما بالأمس، وقد يذهب كل منهما على حدة لبعض الوقت، ولكنهما سرعان ما يجتمعان ثانية في حديث أو عمل مشترك، وهكذا يستأنس كل منهما بالآخر. وأما الآن وقد حين باتت الهوائيات اللاقطة للقنوات الفضائية على اسطح البيوت والعمارات، بل وحتى البيت الفقير الصغير لا يخلو سطحه من هوائي لاقط إذ اصبح من الضرورات بعد أن كان من الكماليات، لتتحول احاديث الود والسمر العائلية الى صمت مطبق رهيب بين أفراد الاسرة الواحدة. فالزوج يعيش شغفا مستمرا بسماع نشرة الأخبار ثم تليها الندوة الاسبوعية أو تلك المناقشة أو أو... ليجلس ساعات وساعات مع صديقه الحميم «التلفزيون»، لا يشعر بزوجته القريبة منه وقد أخذ منها تعب اليوم كل قوتها ولكنها جلست مجاملة له تغفو على نشرة الأخبار لتصحو على حوار محتدم بين معارضين وموافقين، وباتت في حسرة على كلمة حانية تداعب مشاعرها لتنسى بها مشقة اليوم، وتستعيد نشاطها لجولة يوم آخر من العمل الشاق في البيت وتربية الاولاد... تجلس صامتة تراقب زوجها وهو يتابع البرامج ويتنقل من محطة الى اخرى هذه صورة. وصورة أخرى في بيت عاد الزوج إليه ليرى كل شيء مبعثرا كما تركه، وقد ملأ الضجيج صالة الشقة الضيقة، والأولاد لم يعد منهم إلى البيت أحد بعْد. والزوجة الحسناء مازالت تتابع مسلسلها المدبلج بعد أن انتهى للتو مسلسلها العربي اليومي، وهي بانتظار برنامج آخر وهكذا... والسؤال الآن كيف سمحتم أيّها الأزواج لهذا الجهاز بأن يتحكم في أوقاتكم ويلتهمها من دون فائدة ويسيطر على مشاعركم حتى تصبح كالصقيع بلادة ان لم أقل إن الأمر مدمر للعلاقات الأسرية الحميمة، ولربما نسى الطرفان أنهما زوجان ولكل منهما حق على الآخر. ألا يجدر بكما استغلال الوقت المهدور في محاولة جادة لحل أية مشكلة مادية أو عاطفية أو صحية معلقة تؤجل كل يوم حتى تتراكم المشكلات البسيطة لتصبح قضايا صعبة الحل.

وأنت أيها الزوج الكريم، لماذا التهم التلفزيون ساعاتك ولياليك، وأصبح النوم المتأخر عادة لك. إذ يصعب عليك في اليوم الثاني العمل بهمة ونشاط أضف الى ذلك الصداع المستمر والعصبية والتوتر والتعب. إن من الأفضل أن تستغني بعض الوقت عن صديقك الحميم لتشتغل باصلاح ما عطب في بيتك أو بتنظيم هذا أو ترتيب ذاك، في المقابل من هذا الرجل نجد بعض النسوة يملن الى تشغيل هذا الجهاز كمصدر للضجيج والتسلية حتى اثناء انشغالهن بأعمال البيت أو بمكالمة هاتفية فقط خشية أن تفوتهن أغنية لمطربة المفضل... إلخ.

إنني اذ أقول هذا لا أعني أن نهجر هذا الجهاز الذي يزودنا بالعلم والمعرفة والمتعة، ويوصلنا بالعالم البعيد والقريب، ويجعل ثقافات الشعوب جزءا من ثقافتنا ومخترعاتهم جزءا من علومنا ومعارفنا... ولكني أقول ان ما يفوتكم من برامجه اليوم سيعرض في يوم غد؛ فكل البرامج تعاد ولأكثر من مرة. فليكن وجود التلفاز في غرفة مخصصة له بعيدا عن غرفة النوم والطعام.

وبالتالي ستتقلص ساعات المشاهدة شيئا فشيئا وسنستعيد ساعات الهناء والسعادة للاسرة بعيدا عن غوغاء الشاشة الصغيرة، ثم ان الجهاز يجب ألا يدار إلا اذا علمتما او علم احدكما ان هناك برنامجا يثير اهتماما مشتركا بينكما ليستبدل الصمت باحاديث الود الرائعة، والمشاهدة بجلسة حلوة هادئة في ركن جميل من اركان بيتكم الصغير لتتناغم روحيكما بعد يوم من الفراق طويل، وبدلا من هجر كل منكما للآخر او هجر احدكما لاسرته يجب ان يهجر التلفزيون ولو لبعض الوقت.

حاولا... وستنعمان بامسيات رومانسية جميلة شيقة. وانت سيدتي، اعلمي ان الكثير من البرامج تثير اهتمامك واعجابك اهمها ما يتعلق بالاسرة فاختاري ما يناسبك منها بعيدا عن اجواء اسرتك الخاصة بين زوجك واولادك اي عند انشغاله بعمله ليعود وانت في استقباله بابتسامة مشرقة وروح متجددة وقد انجزت امور مملكتك الصغيرة. وللرجل اقول عند إنقاص ساعات مشاهدتك للتلفزيون ستشعر بتسلية وسعادة اكبر مع اسرتك.

يخطئ من يعتقد أن التلفزيون يمنح الهدوء والاسترخاء ويساهم في خفض التوتر والقلق اليومي، بل إنه قد يساهم في رفع حدة التوتر بما يعرضه في اخبار وما يناقشه من حوادث وما يبثه من معلومات، وصدقوني ان خطر هذه الشاشة لا يكمن فيما تحضنا عليه من اخلاق وسلوكيات بل فيما تحول بيننا وبينه من اهداف وعادات وتقاليد

العدد 270 - الإثنين 02 يونيو 2003م الموافق 01 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً