العدد 2780 - السبت 17 أبريل 2010م الموافق 02 جمادى الأولى 1431هـ

الاستقلال والاعتماد المتبادل

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يعمل الصدع الأخير بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والمتعلّق ببناء «رامات شلومو»، وهو حيّ لليهود فقط يعزز فصل القدس الشرقية عن بقية الدولة الفلسطينية المستقبلية، على تحويل الأنظار عن الفصل الأوسع والأكثر لا إنسانية، والذي يجب أن يُشجَب إذا كان هناك للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني أي أمل أو فرصة بحلّ سلمي. ونعني هنا الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم.

يتوجّب على أطراف هذا النزاع أن يدركوا، من خلال اتخاذ خطوات على الأرض الآن، أن مستقبل كل منهم مرتبط بالآخر، بالسلام أكثر من الحرب، وأن باستطاعتهم الآن إنشاء أساليب التعاون على قدم المساواة بموجب القانون الدولي، ومع شركاء دوليين، دون التنازل عن السيادة الوطنية. وهنا يبدأ التزام أميركا بـ «بناء الثقة».

نعم، لا يمكن للمفاوضات أن تبدأ ما لم تُمنَح الأطراف حق تقرير المصير، ويمارس كل طرف سيادته الوطنية بعد التوصّل إلى اتفاق. إلا أن تقرير المصير لم يعنِ في يوم من الأيام أن يفعل شعب ما يحلو له، دون أي اعتبار لمصالح الآخرين الحيوية. وتُعتبر الحاجة للتعاون في هذا المضمون ملحّة بشكل خاص، فالأراضي المشتركة صغيرة جدا، وهي أقرب إلى مدينة واحدة كبيرة منها إلى دولتين مغلقتين بإحكام سحري.

تبرز الحاجة للتفاهم المتبادل عادة عند بحث الترتيبات الأمنية، كنزع السلاح والممر الآمن إلى غزة وما إلى ذلك. ولكن هذه هي البداية فقط. هناك موارد محدودة يجب اقتسامها، كالماء والمجال الكهرومغناطيسي ومخزون الغاز الطبيعي. وسوف يكون هناك سيّاح عبر ما يجب أن يبدو لهم أراضي لا تقطعها حدود. يجب كذلك أن تكون هناك اتفاقيات متبادلة حول العملة وقوانين العمّال، وسوف تكون هناك استثمارات في ما سيبدو نظاما اقتصاديّا طبيعيا في الأعمال التجارية.

لهذه الأسباب، يتوجّب على القوة المضاعفة الأميركية أن تسعى للحد من التوترات وأن تلطّف من الأحقاد الآن، قبل التوصّل إلى اتفاقية للوضع النهائي، من خلال تعزيز المعاهدات الدولية التي تنظّم في العادة العلاقات بين الدول.

تخدم هذه المعاهدات الفلسطينيين والإسرائيليين في عملية تخطيطية مشتركة لرفع سويّة الحياة الاقتصادية على الجانبين. لماذا إذا لا يتم إنشاء أساس منصف للمستقبل في مناطق يمكن تحقيق تقدم فيها الآن؟ لماذا لا تتمتع فلسطين بامتيازات الدولة ذات السيادة الآن في مناطق لا تشكّل تهديدا أمنيا لإسرائيل، وخاصة في الأماكن التي توجد فيها أطر دولية واضحة؟

تشكّل المياه مجالا مثاليّا يُمكن البدء به، إذا أخذنا بالاعتبار أهميتها الاستراتيجية في المنطقة. ما الذي يمنع الفلسطينيين والإسرائيليين اليوم من تطبيق المعاهدات الدولية للمياه لتخصيص مواردهم المائية؟

اعترفت إسرائيل بحقوق الفلسطينيين في المياه في المناطق الفلسطينية كجزء من اتفاقية أوسلو 2 المرحلية (ملحق 3، مرفق 1، المادة 40). إلا أنها لم تطبّق ذلك الاتفاق، وهي مستمرة في حرمان الفلسطينيين من حصّتهم العادلة. يحصل الفلسطينيون على معدل 100 لتر للفرد يوميا لكافة الاستخدامات، وهو أقل بكثير من الـ 150 لترا التي توصي بها منظمة الصحة العالمية كحد أدنى للفرد الواحد. ويستخدم الإسرائيلي ما معدله 353 لترا من المياه يوميا، بينما يستخدم المستوطنون الإسرائيليون الذين يقيمون بشكل غير قانوني في المناطق الفلسطينية المحتلة ما يبلغ تسعة أضعاف الكمية الموفّرة للفرد الفلسطيني. إذا كان المجتمع الدولي صادقا في احتضان دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، فلماذا يتوجّب تأجيل هذه القضية للمتفاوضين السياسيين في ما بعد؟

وينطبق الأمر نفسه على المجال الكهرومغناطيسي. قم بزيارة لشركة الهواتف النقّالة الفلسطينية «جوال»، التي تبلغ قيمتها 350 مليون دولار، والتي تواجه اليوم منافسة قانونية من جانب «الوطنية موبايل»، وهي مشروع مشترك بين صندوق الاستثمار الفلسطيني و «الوطنية تيليكوم» من الكويت وقطر. اصعد إلى سطح المبنى الرئيسي الحديث لشركة «جوّال» في رام الله وسترى منظرا مزعجا. توجد على تلّة إلى الشمال مستوطنة إسرائيلية في المنطقة «جـ» وبها برج لشركة إسرائيلية هي «سيلكوم». وإلى الجنوب توجد مستوطنة أخرى بها برج آخر. تحصل «سيلكوم» على نحو 10.5 ميغاهيرتز من الطيف، بينما تحصل الجوال على 8.4 ميغاهيرتز. وحتى يتسنى الحصول على 3G وتغطية مستمرة، وهو ما يحتاجه أي صاحب أعمال فلسطيني مبدع، يتوجّب عليه إضافة برنامج آخر من ناقل إسرائيلي. يجب التفاوض على هذا النزاع حول الموجة الناقلة الآن، بموجب مجموعة القوانين نفسها التي أصدرها اتحاد الاتصالات اللاسلكية الدولي للأمم المتحدة، وإسرائيل عضو فيه، والذي ينسّق الاستخدام الدولي المشترك لطيف موجات الراديو بين الدول.

تقترح هذه الأمثلة وسائل أخرى للتحرّك باتجاه تفكيك شبكة الاحتلال العسكري. فكّر بأنظمة التجارة الحرّة والعلاقات البريدية وحماية البيئة. يجب أن تخضع هذه جميعها لأطر دولية مجرّبة، مثل تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي. وربما الأهم من ذلك كله، فكّر في كيفية السماح بالوصول بطريقة قانونية إلى المجالات المحتلة من المواهب الفلسطينية ورأس المال الفكري من الخارج: المستثمرين والتربويين والمهنيين المحترفين في المجالات الطبية.

إذا تم تحقيق تقدّم في مجالات مثل حرية التحرّك وسهولة الوصول، ألن يبدو تصنيف المناطق إلى (أ) و (ب) و (جـ) أمرا عفا عليه الزمن؟

إذا عملنا على بناء الثقة بين كيانين يتمتعان بالسيادة، فهل سيكون تحدّي حماس سببا كافيا لإبقاء الحصار على غزة، وخاصة أن رجال الأعمال المبدعين من الضفة الغربية أثبتوا قدرتهم على إيصال الأمل إلى هناك؟

يكمن التحدي، باختصار، في إيجاد أساليب مشرّفة لتداخل حياة الجميع على قدم المساواة.

إذا قمنا بتأجيل الانتقال إلى هذا المستقبل المشترك، الذي هو في متناول أيدينا، فسوف نشجّع عنفا جديدا يمزّق نسيج المجتمع الفلسطيني والإسرائيلي معا. ومن يدري كيف سينتشر هذا العنف؟

الأفضل لنا أن نختصر الأجندة التفاوضية إلى مستوى نستطيع التعامل معه، له نهاية واضحة: دولتان مستقلتان تعتمدان على بعضهما بعضا وتعيشان جنبا إلى جنب.

يتوجب على الولايات المتحدة بدورها أن تبني على إدانتها للاستيطان وأن تجعل من القانون الدولي نقطة مرجعية لتغيير فوري في مسرح الأحداث.

* مستشار إداري ورجل أعمال مبدع يقيم في رام الله، وله مدونة

- مؤلف ومستشار إداري يقيم في القدس، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2780 - السبت 17 أبريل 2010م الموافق 02 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً