العدد 2780 - السبت 17 أبريل 2010م الموافق 02 جمادى الأولى 1431هـ

الشراكة السياسية ضرورة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الأسبوع الماضي، تحدّثت عن مشكلتين بنيوتين في إحدى أهم مفاصل العملية السياسية العراقية. الأولى حول القاسم الانتخابي والمشكلات الناتجة عنه خلال الانتخابات، سواء بالنسبة إلى ترحيل أصوات الخاسرين إلى أقوى الرابحين، أو للأوزان الحقيقية للمنتخَبين. والثانية حول غياب قانون للأحزاب وما أفضى إليه من ضياع في الذمم المالية والسياسية. اليوم أتحدث عن المشكلة الثالثة وهي غياب مفهوم الشراكة السياسية.

فيما خصّ هذا الموضوع، فما أظهرته نتائج المفاوضات التي تلت الانتخابات بأن حجم هشاشة المقاربات الحزبية التي اعتمدتها التكتلات السياسية المتنافسة، فاقت كل التصورات. فالجميع كان يعتقد أن مجلسا للحكم ثم تشكيل ثلاث حكومات متتالية، واصطفاف دولي إلى جانبه كان كفيلا بترقية العمل السياسي في البلد، إلاّ أن شيئا من ذلك لم يحدث.

الهشاشة المذكورة، أظهرت أيضا أن من نال أعلى الأصوات في الانتخابات تمت هزيمته على طاولة التفاوض قُبيل تشكيل الحكومة، حين أصبح طرفا في هامش بسبب اللعب على حد القانون القاضي بجمع 163 مقعدا لتشكيل حكومة. وبالتالي أصبحت الشراكة من أجل أغراض حزبية ولماورائياتها، وليس من أجل صناعة دولة تمتلك جهازا بيروقراطيا متماسكا.

الأكثر من ذلك، فقد أفرزت الانتخابات تقسيما غير عادي بالنسبة إلى التمثيل الشعبي. فمن نال في الأنبار أحد عشر مقعدا لم يحظَ بأي مقعد في المُثنّى. ومن نال في النجف الأشرف سبعة مقاعد، لم ينل بأيّ منها في نينوى وهكذا دواليك، وبالتالي فإن جزءا كبيرا من التمثيل كان حدّيا لدرجة الإلغاء، وهو ما يعني ضرورة الشراكة ما بين قوائم فقيرة في محافظات مُحدّدة ووفيرة في أخرى والعكس.

فقاطن الأنبار يريد أن يرى صورته في الحكومة حاله في ذلك حال قاطني النجف. ومن يسكن كركوك يريد أن يسمع صوته كأصوات عراقيي ديالى، وعليه فإن تحالف المالكي والحكيم دون علاوي سيُغيّب الصوت السياسي للسنّة، وإن تحالف علاوي مع الأكراد ضاع الصوت الشيعي بمعناه السياسي وليس اللحمي كذلك, وهو ما يعني ضرورة النظر إلى قواعد اللعبة كما يجب، وبدون أي مزاح.

العراق اليوم هو أشبه ما يكون بدول أوروبا ما قبل التنبّه القومي، أو إبّان الحروب الدينية. حينها لم يَعد هناك من خلاص لمشكلة الهوية العملاقة إلا بتمثيل الجميع، وجعلهم يستشعرون أنهم جميعا يُديرون البلاد والعباد. فاتصالهم بالسياسي الضامن لحقوقهم يمنحهم الشعور بضرورة الانتماء للكيان الذي حفّزهم لذلك.

بالتأكيد كانت الحلول الأوروبية متطرفة في تشييد طبائع دولها لإنهاء مشكلات أنتجت حروبا دامية. فأنشئت الكانتونات والتقسيمات الحادة كما هو الحال في سويسرا، وأقيمت الفدرلة في بلدان كبلجيكا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية. وهو ما لا ينطبق على حال العراق، المُتوحّد في الدين والأعراف، والمتصاهر في الدم بنسبة ثلث الزيجات.

في العراق لم تصطرع بين ناسه هويّات دينية متنافرة في التاريخ المُدرَك. ولم يشهد حروبا بسبب قوانين «النّبالة» والبرجوازيات، ولم يصطبغ بالطبقات الثلاث (النبلاء، الإكليروس والشعب) لكي يدخل في معركة عَلْمَنَة ومعارك مدنية طاحنة كالذي جرى في الغرب. وحتى مع وجود المرجعيات الدينية على بلاده فقد كانت ميادينها معروفة ومُجَازة اجتماعيا.

وبالتالي فإن موضوع الشراكة السياسية هو ناضج في هذا البلد بما يكفي لتحقيق نظام سياسي مستقر وناجز، بدلا من المكابرة والتغييب القسري. القضية المهمة في الموضوع هي التنبيه على حصر الشراكة في الداخل ومن بطن السياسة وليس شيئا آخر، باعتبارها الإطار الضامن للجميع.

أما محاولة استجدائها من دول الجوار أو من المرجعيات الدينية فهذا أمر غير محمود إن كانت هي أصلا موجودة بين أضلاع العراقيين. فإيران قالت رأيها في أن تكون هناك حكومة توافقية متسالمة. والمرجعية الدينية نأت بنفسها عن تفصيلات الشأن السياسي المعقّد، إلا أن أطرافا عدّة مازالت تُصرّ على حشر الجميع ضمن هاتين الزاويتين لتحقيق مكاسب سياسية محددة، ونيل غَلَبَة ضيّعتها نتائج الانتخابات الأخيرة.

في المُجمل، فإن الشراكة هي قاع ترتبط بها عناوين كثيرة في السياسة، الأمن، الاقتصاد والسّلم الأهلي. وإذا كان الحال كذلك فإن التفريط بها هو تفريط بالبلد كلّه، وبالتالي فإن تثبيتها هو تبيت للوطنية وتكريسها داخل الأحزاب.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2780 - السبت 17 أبريل 2010م الموافق 02 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:44 ص

      الشراكة السياسية ضرورة اكثر للبحرين

      عزيزي الكاتب محمد: الا ترى اننا في البحرين الاكثر ضرورة والحاحا للشراكة السياسية، لايمنعكم الخوف والمداهنة من رفع اصواتكم وشحذ اقلامكم لهكذا مطلب فبلدكم اكثر حاجة من العراق او ايران او غيرها .. والا لك راي اخر ، اتمنى ان ارى لك ردا على ذلك

    • زائر 2 | 11:50 م

      اضافة ثانية

      فكل الدول التي جرى فيها تغيير جذري في الانظمة السياسية دفعت ثمن ذلك لذا فانني ارى ذلك العراق حاله كحال الدول الثانية . قد اتفق معك فيما يتعلق ببعض السياسات التي انتهجها المالكي ولكن في نهاية الامر هو افضل من كل الزعماء العرب

    • زائر 1 | 11:48 م

      تعليق من محب

      الكاتب المحترم الاستاذ محمد عبد الله . قبل ليلتين كانت مقالاتك حول العراق محل نقاش في احد اللقاءات بالاصدقاء حيث كان بعضهم مع وضد خصوصا موقفك من حكومة المالكي . ما اراه استاذي الفاضل ان اوضاع العراق الحالية هي بالاساس ضريبة التغيير

اقرأ ايضاً