العدد 2794 - الجمعة 30 أبريل 2010م الموافق 15 جمادى الأولى 1431هـ

المسار الفلسطيني ورسالة أوباما

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تبدأ اليوم في القاهرة لجنة مبادرة السلام العربية اجتماعات طارئة على مستوى وزراء الخارجية لمناقشة أفكار أميركية جديدة سينقلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن المبعوث الأميركي جورج ميتشل إلى «الشرق الأوسط». وتضم اللجنة وزراء خارجية 13 دولة عربية إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.

أهمية الاجتماع الطارئ تتركز الآن في مسألتين: الأولى مدى جدية التصورات الأميركية وقدرتها على تقديم توضيحات بشأن أسئلة ومدى استعداد تل أبيب للتجاوب مع متطلباتها البسيطة. الثانية إعادة فتح باب التفاوض في ظل استمرار «إسرائيل» على مواصلة التعنت ورفض الاستجابة لدعوات السلام.

فهل تقدم لجنة المبادرة على اتخاذ تلك الخطوة الكبيرة وتعطي الضوء الأخضر للسلطة الفلسطينية أم أنها ستعيد قراءة الملف مرة ثانية بانتظار عودة المبعوث الأميركي الى المنطقة للاطلاع على الردود العربية بشأن ما ذكر عن أفكار ومقترحات وضمانات تحرك الآليات وتنقلها من حال الجمود الناجم عن الرفض الإسرائيلي؟

الترجيحات تؤشر إلى احتمال حصول عباس على جواب إيجابي عربي مشروط بتحفظات على عدم جدية «إسرائيل» وغياب إرادة سياسية لدى حكومتها لتحقيق تسوية عادلة. فالخطوة إلى الأمام لن تكون كبيرة ولكنها ستكون كافية لإعادة إحياء عملية السلام التي دخلت في سبات طويل بسبب استهتار تل أبيب بالمواقف العربية وعدم خشيتها من وجود بديل موضوعي عن المبادرة وفشل المفاوضات.

هناك إذاً مغامرة سياسية. والمغامرة على المسار الفلسطيني لابد منها لأنها من جانب تكشف مدى التزام الولايات المتحدة بتنفيذ وعودها وخصوصاً من ناحية الضغط العملاني على تل أبيب، كذلك فهي من جانب آخر ترفع عن كاهل الشعب بعض المخاوف التي تشكلت في ضوء تصعيد لهجة الطرد والتهجير مع استمرار التوسع الاستيطاني أفقياً وعمودياً في القدس والضفة.

الجانب الفلسطيني كما يبدو بحاجة إلى ضوء أخضر عربي حتى لا يتحرك بمعزل عن غطاء إقليمي يلبي خطوات التقدم إذا حصل ويضمن عدم حصول ارتدادات في حال جرى التراجع عن الخطوة إذا واصلت حكومة نتنياهو - ليبرمان التلاعب بالوقت وتقطيع أوصال الضفة وقضم القدس. والحاجة إلى الغطاء العربي تتزامن مع معلومات فلسطينية تشير إلى أن ميتشل نقل في جولته الأخيرة تعهداً بعدم بناء 1600 مسكن في حي «رمات شالوم» الاستيطاني في القدس، كذلك نقل تعهداً بعدم قيام تل أبيب بأي عمل للبناء طوال فترة المفاوضات.

هل تكون هذه المعلومات إشارة إلى وجود رسالة ضمانات قدمتها أميركا للجانب الفلسطيني بعد مطالبات حثيثة بشأنها؟ المفاوضون يؤكدون أن ميتشل جلب معه في جولته الأخيرة رسالة واضحة من الرئيس باراك أوباما يؤكد فيها التزامه باتخاذ خطوات بما فيها تعديل السياسة الأميركية تجاه «إسرائيل» إذا اتخذت قرارات تقوض مسيرة المفاوضات منها مثلاً عدم استخدام حق النقض (الفيتو) إذا ما توجهت السلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن في موضوع استمرار الاستيطان. كذلك تعهد أوباما في رسالته أنه سيواصل تمسكه بخيار حل الدولتين واستعداده لبذل كل جهد لإنجاحه.

إذا كانت هذه المعلومات صحيحة فمعنى ذلك أن عودة المفاوضات أصبحت قريبة ويمكن لها أن تعيد تشكيل خريطة التحالفات في المنطقة بعد دخولها حالاً من الجمود السياسي في الشهور الستة الأخيرة. فهناك المصالحة الفلسطينية التي توقفت في اللحظات التي كان يستعد الجميع إلى توقيع الاتفاق في القاهرة. وهناك زيارة الرئيس السوري إلى مصر التي تأجلت مراراً بسبب التدخل والمداخلات الإقليمية. وهناك الترتيبات المتصلة بأمن المنطقة ورفض «إسرائيل» طرح ملفها النووي على جدول النقاش قبل إتمام التسوية السلمية.

إعادة تشكيل خريطة التحالفات العربية - الإقليمية يمكن أن تكون بداية هيكلة لمجموعة علاقات تعرضت للاهتزاز بعد غزو الولايات المتحدة للعراق في العام 2003. فالاحتلال الذي خلط الأوراق وزعزع الاستقرار وهدد بتقويض الأنظمة وتعديل سياستها دخل الآن في مرحلة هبوط وانحدار وتراجع عن الكثير من شعاراته الايديولوجية ما أعطى فرصة للبدء بإعادة تدوير التوازنات العربية وترتيبها وفق تصورات إقليمية تتناسب مع المتغيرات التي طرأت على المنطقة في السنوات السبع الأخيرة.

خطوة العودة إلى المفاوضات التي يرجح أن تتخذها اليوم لجنة مبادرة السلام العربية في القاهرة قد تكون صغيرة ولكنها في مردودها السياسي ستكون كبيرة ليس لأن «إسرائيل» أصبحت فجأة مقتنعة بفوائد السلام (هذا الاحتمال غير مؤكد ويحتاج إلى تجربة) وإنما لأن خريطة التحالفات في المنطقة باتت بحاجة إلى إعادة قراءة حتى تتجاوب موازين القوى مع المعادلة العربية في طور ما بعد الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين. هذا الجديد يحتاج إلى عملية تحريك لعجلات السلام ضمن الشروط الثلاثة (وقف الاستيطان، تحديد المرجعية الدولية، ورسالة تطمين أميركية) حتى يعطي قوة دفع للمسار التفاوضي بشأن الملف النووي الإيراني وما ينتج عنه من أوراق أخرى تغطي الخليج على ضفتيه.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2794 - الجمعة 30 أبريل 2010م الموافق 15 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:45 ص

      عبد علي عباس البصري

      المفاوضات من شكلها ستستمر بلا حق العوده وبلا وقف الاستيطان وبلا الاستقلال وفي المستقبل بلا الدوله الفلسطينيه بس على الاستعباد

    • زائر 2 | 8:36 ص

      عبد علي عباس البصري

      مقال عبد الباري عطوان في صحيفه القدس العربي
      لهذا اليوم

    • زائر 1 | 8:30 ص

      صحيفه القدس العربي لهذا اليوم(عبد علي عباس البصري)

      نتنياهو في مصر: لا اهلا ولا سهلا
      الرئيس مبارك يفرش السجاد الاحمر لنتنياهو بينما يماطل في استقبال الرئيس السوري بشار الاسد الذي اعرب عن رغبته بعيادته، مثلما تقتضي الاصول والاعراف، بل والاخلامن المؤسف ان النظام المصري يتعرض لإهانات متواصلة من قبل اسرائيل، ويبتلع هذه الإهانات لان هناك مجموعة في قمة الحكم لا تقيم اي اعتبار لكرامة مصر او مكانتها، وكل ما يهمها هو مصالحها الضيقة التي يجب ان تتقدم على مصالح ثمانين مليون مصري، تعيش الغالبية منهم تحت خط الفقر، وتواجه في المستقبل القريب خطر الموت عطشا.

اقرأ ايضاً