العدد 282 - السبت 14 يونيو 2003م الموافق 13 ربيع الثاني 1424هـ

المستقبل للنساء في البحرين

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

نسبة المتفوقات من البنات هي الأكبر، وأكثر من ثلثي الدارسين في الجامعات هنّ الإناث، وهذه الظاهرة مستمرة منذ عدة سنوات ومؤهلة للاستمرار سنوات أخرى وهذا يعني أن الفجوة المعرفية بين الرجل والمرأة ستزداد لصالح المرأة بشكل مطرد خلال السنوات المقبلة، وستكون لذلك تبعات مادية وفعلية.

عدد طلاب جامعة البحرين يصل إلى قرابة 19 ألف طالب وتخرج الجامعة سنويا ما يتراوح بين 2500 و3000 طالب، ونسبة البنات الى الأولاد لا تقل عن 65 في المئة وهذا يعكس الديمغرافية البحرينية، بحسب مصادر الجامعة، فخريجو الثانوية غالبيتهم بنات (من ناحية التفوق) وبالتالي فإنهن اللاتي يستطعن دخول الجامعة. وتدنّي تفوّق الذكور بدأ منذ مطلع الثمانينات وتبعاته المستقبلية ليست قليلة. فالجامعة في حيرة من أمرها ولا تستطيع أن تتحيز للذكور لأنها في الأساس تعتمد على مراتب التفوق.

في التسعينات أجريت دراسة أوروبية للبحث في أسباب النمو المتسارع في كوريا الجنوبية مقارنة بالنمو المتباطئ في الدول الأوروبية. وكان خوف الأوروبيين (ومازال) من أنه لو استمر هذا الصعود لفترة عشرين سنة مقبلة فإن الحياة في كوريا ستكون أكثر تطورا من الحياة في أوروبا وفي مختلف المجالات. وأحد الشواهد التي ذكرتها الدراسة هو أن عدد الجامعيين في كوريا الجنوبية أكثر من عددهم في أوروبا، وأن كوريا لديها متخرجون في كل التخصصات يفوق عدد المتخرجين في التخصصات المماثلة في أوروبا.

ولو عكسنا هذا الحديث على وضعنا في البحرين فإن النساء أكثر علما من الرجال بمعدل الضعف (ثلثا الجامعة بنات والثلث الباقي أولاد).

العلم الذي يتحصل عليه الإنسان يتحول الى معرفة مع التجربة والخبرة، واذا تحول الى معرفة فإنه يمكّن الإنسان من التفوق ماديا على غيره. فالمعرفة التي تعتمد عليها اقتصادات الدول المتطورة هي العلوم التي يستوعبها مواطنو تلك الدول ومن ثم يحولونها الى خبرة من خلال التجربة. والخبرة الإنسانية هي حصيلة تجارب متراكمة في مختلف الأزمنة والأمكنة، وهذه الخبرة هي التي تمكّن الإنسان من تحسين ظروف معيشته من خلال تشغيل الجهد العقلي أساسا؛ فالجهد العضلي يتبع الجهد العقلي وليس العكس.

والنساء سيفرضن وجودهن من خلال العلوم التي يكتسبنها ومن خلال المعرفة التي ستتطور لديهن مقابل الرجال الذين سيقل فيهم عدد العلماء والخبراء خلال السنوات المقبلة. وهذا من شأنه خلق تغييرات فعلية على الأرض وستطرأ مفاهيم جديدة لم تكن معهودة لدينا. فإحدى الظواهر التي بدأت وستزداد مستقبلا بصورة أكبر هي كون المرأة العائل الرئيسي للعائلة لأنها تستطيع الحصول على معاش أفضل. وتباعا لذلك فقد يضطر الرجل يوما ما إلى الجلوس في المنزل لمتابعة شأن الأطفال لأن معاش الزوجة يكفي نفقة العائلة ولان الاطفال يحتاجون إلى من يرعاهم.

وسيتبع ذلك تغيير مفاهيم كثيرة عن الرجل والمرأة، وسيكون للمرأة صوت مماثل للرجل في شئون الأسرة، والمرأة ايضا ستحتاط لنفسها عند الزواج من رجل من خلال فرض شروط تحمي مستقبلها ومستقبل أطفالها فيما لو حدثت مشكلات. فعقد الزواج الاسلامي يسمح باضافة شروط كثيرة بما في ذلك ما يتعلق بشروط مادية للحد من الطلاق او الزواج من اخرى او ان تكون عصمة الطلاق بيدها، اضافة إلى قضايا ملكية المنزل او السكن المستقل. فالقاعدة الاسلامية للعقود هي: «المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا أحلّ حراما او حرم حلالا...» والشروط مسموح بها في الامور المباحة غير الالزامية. فمثلا لا يمكن اشتراط «عدم الصلاة» او «عدم صلة الرحم»، ولكن يمكن للزوجة ان تشترط ألا يتزوج عليها وعند بعض الفقهاء ان تكون عصمة الطلاق بيدها.

هذه الامور وغيرها تبدو بعيدة للبعض ولكنها ستتحول إلى واقع مع استمرار زيادة عدد المتفوقات على المتفوقين اضافة إلى ذلك فان المرأة لديها فرصة اكبر للتركيز بعكس الرجل الذي ينشغل بالقضايا الاجتماعية بشكل أكثر من المرأة ولديه ارتباطات حياتية تقلل من قدرته على العطاء الذهني.

غير ان المتوقع ايضا ان يتسبب استمرار تفوق النساء على الرجال في أزمة أخرى. فسياسات الدولة قائمة على احصاءات تأخذ في الاعتبار وضع الرجل وامكاناته وتحسب حساباتها للرجل اولا لأن الفكرة الحالية هي إن الرجل هو العائل الرئيسي للعائلة، وحتى معاملات الحكومة كثير منها يعتمد على الرجل، وهذا كله سيكون عرضة للتغيير.

الامر الآخر الذي قد يتغير لدى اتجاهات من دون اخرى هو دخول المرأة الحياة العامة وتسلمها مناصب عليا في الدولة ورئاستها لاحزاب سياسية ودخولها البرلمان والبلدية وتصدرها الانتاج الثقافي والتوجيهي بصورة اكثر مما هي عليه الآن. هناك اتجاه حاليا يحاول التمييز لصالح الرجال، بحيث يتم قبول الذكور في الجامعات حتى لو كانت نسبهم منخفضة ويتم توظيف الذكور اولا، ولكن أعتقد ان مثل هذا الطرح سيواجه مشكلات اخرى لان المرأة اذ وجدت نفسها مهضومة تاريخيا وإذا رأت أن هناك من يحاول تقليل شأنها مستقبلا فستتحرك في اتجاه معاكس وستضغط من أجل الحفاظ على صفتها ومساواتها مع الرجل... وهذا كله نتيجة استمرار انخفاض تفوّق الذكور على الاناث خلال عشرين السنة الماضية وربما عشرين السنة المقبلة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 282 - السبت 14 يونيو 2003م الموافق 13 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً