العدد 2831 - الأحد 06 يونيو 2010م الموافق 23 جمادى الآخرة 1431هـ

يونيو قبل 43 عاماً

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل 43 عاماً أقدمت «إسرائيل» في يونيو/ حزيران على شن هجوم على مصر والأردن وسورية أدى إلى احتلال القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان وإغلاق قناة السويس. وأدى الأمر إلى اضطراب سياسي في المنطقة العربية وإدخالها في فوضى انقلابية ما ساهم في نمو فكرة حرب التحرير الشعبية (الكفاح المسلح) وتراجع هيبة الأنظمة ودور الجيوش النظامية في استعادة الأراضي المحتلة.

آنذاك وصلت «إسرائيل» إلى القمة وأصبحت الطرف الأقوى في المعادلة الإقليمية مقابل انكشاف الجبهة العربية وظهور انقسامات سياسية أضعفت احتمالات الرد.

الرد تأخر إلى أكتوبر/ تشرين الأول 1973 وأدت الحرب إلى تحريك ملف السلام بعد أن فشلت في تحرير الأرض. وبدأت عملية التفاوض بإشراف أميركي مباشر ما أدى إلى تجميد جبهة الجولان (لا حرب ولا سلام) مقابل البدء في فتح قناة السويس في العام 1975 واستعادة سيناء في العام 1982.

هذا المتغير أغضب «إسرائيل» فأقدمت على شن هجوم على لبنان في يونيو 1982 احتلت بموجبه الجنوب والبقاع الغربي وحاصرت بيروت وأخرجت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من العاصمة اللبنانية وارتكبت مجازر في مخيمي صبرا وشاتيلا.

حتى التاريخ المذكور كانت المعادلة الإقليمية متأرجحة ولم تظهر في الأفق الدولي مؤشرات تدل على احتمال نمو متغيرات تعيد هيكلة التوازن الاستراتيجي بين الكفتين. آنذاك خرجت مصر من جامعة الدول العربية وسقط الشاه في إيران ودخل العراق في حرب استنزاف ضد الجمهورية الإسلامية وبدأت معركة الجهاد ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان.

في مطلع التسعينات وقعت مجموعة حوادث ساهمت في تعديل التوازنات الدولية والإقليمية. عالمياً بدأ الاتحاد السوفياتي يتفكك وأخذ المعسكر الاشتراكي ينهار ما فتح أبواب نهاية «الحرب الباردة» وإعلان موسكو خروجها من أفغانستان. وترافق هذا المتحول الدولي مع دخول جيش العراق أرض الكويت وعودة مصر إلى جامعة الدول العربية وإعلان الولايات المتحدة «حرب تحرير الكويت» وإرسالها الجيوش لتنفيذ هذه المهمة.

بعد العام 1990 ستدخل المنطقة العربية في متغيرات دولية وإقليمية ما سيكون لها انعكاساتها على الوظيفة الأمنية لدولة «إسرائيل». انتشار الجيش الأميركي في القواعد وتمركزه على مقربة من منابع النفط وخطوط الأنابيب أعاد هيكلة التوازنات وبدأ دور «إسرائيل» الإقليمي يتزعزع. فهذه الدولة تراجع موقعها ولم تعد تمثل تلك الحاجة العسكرية بعد أن أصبح الأصيل (الولايات المتحدة) يقوم بالمهمات المطلوبة نيابة عن الوكيل الإسرائيلي.

التسعينات (العقد العاشر) من القرن الماضي شكلت خطوة حاسمة على خط بداية التغيير. في نهاية القرن انهزمت «إسرائيل» في لبنان واضطرت إلى الانسحاب من الجنوب في العام 2000. وفي بداية القرن الجاري وقعت هجمات سبتمبر/ أيلول 2001 وأخذت الجيوش الأميركية بالانتشار وشن حروب تحت ذريعة محاربة الإرهاب الدولي وتغيير خريطة «الشرق الأوسط» ما أدى إلى احتلال أفغانستان وتقويض العراق وتحطيمه وبعثرة هويته وإخراجه من معادلة الصراع الإقليمي.

الآن وبعد نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تبدو الأمور مختلفة عن ما كانت عليه في يونيو 1967. فهناك متغيرات كثيرة جرت خلال تعاقب السنوات. العالم لم يعد كما كانت صورته قبل 43 عاماً. أميركا مثلاً تراجع موقعها الدولي ولم تعد اللاعب الوحيد حتى لو مازالت تحتل المرتبة الأولى في التوازن الأممي. وأوروبا دخلت في طور تأسيس الاتحاد القاري محاولة تجاوز حدود الدولة - القومية. وروسيا أخذت تستعيد قواها بعد غياب قسري عن المسرح الدولي. الصين تتقدم متجاوزة كل العقبات الداخلية والإقليمية. آسيا في حال صعود على رغم تلك الضربات التي تلقتها «دول النمور» في تسعينات القرن الماضي. البرازيل أصبحت قوة كبرى وهي تواصل نموها لتأخذ موقعها الخاص في توازن القارة اللاتينية. تركيا بدأت بكسر القلاع التي تحيط بها وهي تنشط لاستعادة هوية مفقودة وموقع في إطار التوازن الإقليمي في «الشرق الأوسط».

عربياً الوضع أفضل مما كانت عليه المنطقة في 1967. فالمقارنة بين الفترتين تؤشر إلى نمو القوة الاقتصادية - المالية وبدء دخول دول الخليج العربي في معادلة التوازن الأممية مقابل تدني نسبة التفوق الإسرائيلية في مضمار التصنيع والبناء والقدرة العسكرية. فهذه الدولة التي تتألف من مجتمع مهاجرين لم تعد قادرة على فرض شروطها كما كانت تحلم بعد أن وجهت تلك الضربة في يونيو الستينات.

آنذاك وصلت «إسرائيل» إلى قمتها. ويونيو الراهن يختلف عن يونيو الماضي. السلطة الفلسطينية مثلاً عادت إلى موطنها وهي تناضل من داخل الأرض المحتلة بعد سنوات من حروب القشور (الحدود). والمواقف العربية على رغم ضعف قدرتها على ابتكار آليات لتطبيق ما تتفق عليه أصبحت تتمتع بمعرفة تساعدها على التعامل بوضوح مع اللعبة الدولية. تل أبيب الآن بدأت بالانكشاف وأصبحت هي الطرف المحاصر والمطالب برد الأرض إلى أصحابها وتفكيك المستوطنات والقبول بدولة فلسطينية مستقلة والموافقة على مبادرة السلام العربية.

التغيير الشامل لم يحصل، إلا أن المقارنة بين فترتين توضح معالم طريق أخذ يتعدل في مساره الطويل. الصورة ليست كلها جميلة وباهرة ومريحة. فهناك إلى جانب الإيجابيات سلبيات خطيرة قد تقلب الطاولة وتطيح بالمعادلة التي أخذت ترتسم على خريطة «الشرق الأوسط». في أفغانستان يمكن أن تتحول حرب التحرير إلى معارك قبلية تفكك البلاد إلى دويلات. في العراق تبدو الأمور متجهة إلى دويلات طوائف ومذاهب تتقاتل على الغنيمة بعد انسحاب جيش الاحتلال في نهاية 2011. اليمن أيضاً تهدده حروب الانقسامات المناطقية - القبلية. السودان بدوره على موعد مع استفتاء قد ينتهي بإعلان انفصال الجنوب وترك الشمال يتخبط في معارك الأقاليم والمياه والحدود المصطنعة.

المقارنة ترجح الإيجابيات إلا أن المسألة ليست بهذه البساطة وهي تتطلب المزيد والكثير للخروج من عصر الهزيمة إلى حال من الشعور بوجود مؤشرات للانتصار.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2831 - الأحد 06 يونيو 2010م الموافق 23 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:53 ص

      ABU ZINAB

      THIS ARTICLE VERY NICE BUT YOU FORGOT SOME THING VERY IMPORANT ,WHAT (HISBOALLAH)

    • زائر 1 | 9:08 م

      اين حزب الله

      سيدي الفاضل أين حزب الله من الذكر التاريخي اليس حري بك أن تذكر حزب الله في المعادلة مثلما ذكرت منظمة التحرير؟ أم أنك تخشى أن يثير ذلك حساسية الاخرين؟

اقرأ ايضاً