العدد 2836 - الجمعة 11 يونيو 2010م الموافق 28 جمادى الآخرة 1431هـ

حذارِ من لصوص التفاوض وتُجّار السياسة

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

...ودائماً تهبُّ الدول الكُبرى لحماية الكيان الصهيوني، كلّما ازدادت عليه الضغوط السياسية والإنسانية، والتي فجّرتها أخيراً الجريمة التي اقترفها في المياه الدولية ضد أسطول الحرية المتّجه لكسر الحصار لغزّة.

ومع ذلك، لا تزال حكومة العدوّ ترفض فكرة التحقيق الدولي؛ لأنها تريد أن تؤكّد على جملة أمور:

أوّلاً: أنّها دولة فوق كلّ المعايير القانونيّة التي لا بدّ أن يسلّطها العالم على رقاب الشعوب المستضعفة وبلادها فقط.

ثانياً: تأكيد سيطرتها الأمنيّة على البحر، لضبط حركة الملاحة البحريّة لكلّ ما لا ينسجم مع قواعدها وسياساتها، أو قواعد الدول الكبرى وسياساتها، ولا سيّما أنّ الحلف الأطلسي قد قَبِل منذ فترة كونها جزءاً من حركته البحريّة في البحر المتوسّط.

ثالثاً: تأمين الواقع الموضوعي الذي تستعد معه لسرقة حقول غاز ضخمة داخل المياه الإقليمية اللبنانيّة.

وإننا في الوقت الذي نثمّن فيه وقفة الحكومة التركية، نؤكّد على ضرورة الإصرار على المواقف التي هتف بها الشعب التركي، ولا سيّما مع رهان العدوّ على عامل الوقت، أو حتّى الاستغراق بمباريات كأس العالم، لينسى العالم الإسلامي والعربي شهداءه وقضاياه، وتُدخلنا بعدها السياسة الاستكباريّة في أكثر من نفق تضيع معه كلّ الإنجازات التي تحقّقت.

وفي الوقت نفسه، نؤكّد على أنّ الموقف العربي الرسمي لا يزال دون المستوى المقبول؛ فليست القضيّة قضيّة فتح جزئيّ للمعابر، ولا مسألة غذاء أو دواء، بل هي - مع كلّ ذلك - قضيّة شعبٍ وأرض، ومقاومة وصمود، فلا بدّ أن يكون دعمه من أبسط القواعد الإسلاميّة والإنسانيّة؛ بل إنّ ذلك يمثّل مسئوليّة شرعيّة يتحمّلها الجميع، مسئولين وشعوباً، أمام الله والتاريخ.

لقد ملّ الشارع العربي والإسلامي من كلّ الطفرات الإنسانيّة أو الكلاميّة التي ينبري إليها بعض المسئولين العرب أو المسلمين، عندما تكون المسألة مسألة إحراج يُدفع إليه المسئولون أمام شعوبهم، وبات هذا الشارع العريض يُريد أن تكون المسألة قضيّة مسئوليّة تعبّر عن نفسها في كلّ وقتٍ بالخطّة والفعل، لا بالارتجال وردّ الفعل الساذج.

ونحن نقول للجميع: لا تراهنوا على استغباء الشعوب؛ فإنّ لدى الشعوب الكثير من نقاط الوعي، نتيجة كلّ التجارب المريرة التي حاولتم من خلالها قتل روحيته؛ هذه الشعوب التي لا تزال قضيّة فلسطين - كلّ فلسطين - لديها حيّة، ويبقى على المسئولين أن يرتقوا إلى مستواها، وأن يكفّوا عن إسكاتها عبر القمع المباشر، أو قوانين الطوارئ أو ما إلى ذلك.

أما الفلسطينيون الذين ترتفع في صفوفهم صيحات الوحدة، فإننا نؤكد عليهم الاستجابة لداعي الوحدة، والعمل لتهيئة كل الأجواء لنجاح مساعي المصالحة الداخلية، ولكن حذارِ من لصوص التفاوض وتجّار السياسة في الساحتين العربية والدولية، الذين سيكمنون لهذه الوحدة للإطاحة بها عند أيّ منعطف سياسي جديد في المنطقة.

أما مجلس الأمن الذي يمثل المؤسسة الأكثر تآمراً على حرية الشعوب، والذي رفض إدانة العدوّ في جريمته الوحشية المكشوفة في المياه الدولية ضد أسطول الحرية؛ بل في تغطية كلّ تاريخ الجريمة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة، فها هو يفرض عقوبات جديدة على إيران، على الرغم من الإيجابية الكبيرة التي تعاطت فيها الجمهورية الإسلامية مع المساعي الدولية، وخصوصاً التركية والبرازيلية، وكانت في غاية الشفافية حيال المسألة النووية السلمية؛ لأنّه قد بات واضحاً أن الدول المستكبرة المؤثّرة على مواقع القرار في هذا العالم تعمل - بشكل وبآخر - على أن لا يكون هناك موقع للقوّة - حتّى في مستواها العلمي التكنولوجي - في العالم الإسلامي والعربي، وليس مسموحاً أن تسعى أيّ دولةٍ نامية ليكون لها تأثيرها في حركة السياسة التي يدير لعبتها هؤلاء الكبار.

وفي كلّ هذا الواقع يبقى على لبنان، أن يعمل على تحصين مجتمعه في وجه المتغيّرات، على مستوى معالجة المشاكل الاجتماعيّة، ابتداءً بمشكلة الفقر، والتعليم والمعلّمين، وموارد الطاقة وما إلى ذلك، إضافةً إلى تمتين عناصر القوّة في مواجهة الكيان الصهيوني، بواقعيّة وبعيداً عن الشعارات والطروحات التي تخفي وراءها لبوس الخضوع لكل تهويلات المستكبرين

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2836 - الجمعة 11 يونيو 2010م الموافق 28 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:06 م

      تقى البتول

      والله كلامك كله عبر ياسيد يا ريت الدول العربية والاسلامية تعتبر عجل ياصاحب العصر والزمان

اقرأ ايضاً