العدد 2853 - الإثنين 28 يونيو 2010م الموافق 15 رجب 1431هـ

السلفيون وحرب الفتاوى!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في المملكة العربية السعودية حراك ثقافي متعدد الأوجه، هذا الحراك يقبله البعض ويرفضه البعض الآخر، وكل فريق يعبّر عن رأيه بحسب المتاح له في أجهزة الإعلام أو سواها.

والفتاوى جزء مهم من هذا الحراك، بل قد يكون أحياناً من أهم هذه الأجزاء نظراً لمكانة الفتوى في قلوب السعوديين، وانقياد الكثيرين لها.

ولكي تتضح الصورة – لمن لا يعرفها – فقد كانت دار الافتاء هي الجهة المخولة بالافتاء، وكانت كلمتها هي الفصل في هذه القضايا، وكان المفتي له الكلمة الفصل في كل قضية تحتاج إلى توضيح، ولم يكن أحد يجرؤ على مخالفته إلا نادراً لأن الجميع كانوا يعتقدون بعلوِّ مكانته العلمية، ولهذا كانت مرجعيته لا تعلوها مرجعية أخرى.

لكن السلفيين الجدد تغيرت أحوالهم كثيراً شأنهم شأن بعض السلفيين القدامى الذين انسلخوا عن بعض ثوابتهم القديمة التي كانوا يستميتون في الدفاع عنها، ويلصقون بمن يحاول الحط من تلك الثوابت أكثر التهم والتي يكاد بعضها أن يجعله في النار خالداً مخلداً فيها خاصة إذا اعتقد حلها.

ويحار المرء في هذا النوع من السلفيين فهل كانوا يؤمنون حقاً بالسلفية التي كانوا يدّعونها قديماً أم أن الوضع الاجتماعي آنذاك هو الذي جعلهم يتظاهرون بالإيمان بها؟! ثم هل هم مؤمنون حقاً بما يقولونه الآن أم أن المتغيرات هي التي قادتهم إلى تلك الآراء الفقهية التي كانوا يحاربونها بكل قوة قديماً؟!

الشيخ «عادل الكلباني» خرج بفتوى مفادها: أن الغناء مباح كله، دون ضوابط، معللاً تراجعه عن قناعاته السابقة بإعادة قراءته للنصوص مرة أخرى واختلاف فهمه الحالي عن الفهم السابق!

هذه الفتوى كانت صادمة لكلّ من عرف الكلباني قديماً فهو محسوب على التيار المسمى بـ «الصحوة»، وهو سلفي بامتياز، ومعروف أن السلفيين يحرّمون الغناء الموجود حالياً، فما الذي جعل هذا السلفي ينقلب تماماً على معتقداته السابقة؟!

ومثله الشيخ عبدالمحسن العبيكان في مجموعه من فتاواه التي وصفت بـ «الشاذة» مثل إباحة إرضاع الكبير التي أصبحت محل تنذر معظم شرائح المجتمع، وكذلك إباحة فك السحر بالسحر وبعض الفتاوى الأخرى.

فتاوى إباحة الاختلاط أخذت حيزاً كبيراً من الجدل بين شرائح المجتمع، فالبعض رأى إباحته بدون أن يضع ضوابط من أي نوع، وآخرون وضعوا بعض الضوابط، ولكن التيار الآخر من السلفيين كان يرى الاختلاط محرماً، بل إن بعض أفراد هذا التيار لم يكن يسمح بالاختلاط في حدائق الحيوان أو معارض الكتب أو ما شابه ذلك من الأماكن العامة، ومن هنا يتضح الفارق الهائل بين السلفيين الجدد والقدامى.

هذا النوع من الفتاوى جعلت الشيخ صالح اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقاً يصفها بالشذوذ، كما طالب الشيخ الكلباني أن يتوقف عن الفتيا ويكتفي بإمامة المصلين ولا شيء آخر... أما الشيخ محمد الدريعي فكان أكثر غضباً من تلك الفتاوى وأكثر حدة في التعبير عن رأيه حيث رأى أن موضع الشيخين الكلباني والعبيكان يجب أن يكون في سوق الخضار، وأكد أن المفتي السابق الشيخ عبدالعزيز بن باز والذي قبله الشيخ محمد بن إبراهيم لو كانا على قيد الحياة لطالبا بسجن هذين الشيخين!

إمام الحرم المكي الدكتور عبدالرحمن السديس وفي خطبة الجمعة وصف تلك الفتاوى بأنها منحرفة وتثير الفتن والبلبلة، وأنها تمثل خروجاً عن جماعة الأمة.

وحذر الشيخ السديس من «غش المرأة المسلمة وخداعها بالتبرج والسفور والاختلاط المحرم» وأخيراً طالب بالحجر على أنصاف.

بطبيعة الحال؛ حرب الفتاوى لم تقتصر على من أشرت إليهم، فهناك جمهور عريض كان مع هذا الطرف أو ذاك، فمن يصفون أنفسهم بالتنويريين كانوا مع تلك الفتاوى وأمثالها، أما السلفيون الأصلاء – كما يقولون – فكانوا يقفون مع علمائهم ويهاجمون التيار الآخر بشدة.

هذا التجاوب غير المعهود في الوسط الديني السعودي كان يطرح أكثر من سؤال: لماذا انقلب بعض السلفيين الذين عرفوا سابقاً بالتشدد على مبادئهم؟! وهل سيتوقفون أم أن تلك الفتاوى بداية لفتاوى أخرى قادمة؟! ثم ما الهدف من إثارة فتاوى شاذة في مثل هذا الوقت؟! ثم هل هذه الفتاوى تم اكتشافها الآن أم كانوا يعرفونها سابقاً وكانوا مقتنعين بها لكنهم صمتوا مسايرة للأوضاع آنذاك؟!

ولكثر الأسئلة حول مسئولية دار الإفتاء وهيئة كبار العلماء، أين هؤلاء جميعاً من هذه الفتاوى التي وصفها بعضهم بالشاذة؟! وهل يستطيعون إيقافها؟!

والسؤال الأكبر: هل بدأ الفكر السلفي ينحسر تدريجياً لصالح لافكر التنويري كما يصفه أصحابه؟! وإلى أين سيتجه في نهاية المطاف؟!

الواضح أن هناك صراعاً بين تيار سلفي يصفه «التنويريون» بالتشدد ومحاولة إبقاء البلاد على ما كانت عليه، وتيار يصفه السلفيون بالعلماني أحياناً والليبرالي أحياناً أخرى يريد أصحابه تغريب البلاد وإفسادها.

وفي ظل هذه التجاذبات، كيف سيصبح المجتمع السعودي مستقبلاً؟! من سيقوده وكيف؟! ثم ما هي المآلات في نهاية المطاف؟!

أسئلة تتردد كثيراً، وفي ظني أن معرفة إجاباتها تحتاج إلى وقت ليس بالقصير!

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2853 - الإثنين 28 يونيو 2010م الموافق 15 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 4:02 م

      زائر رقم أربعة

      والله لو كان الفاروق موجودا لقطع رؤوس هؤلاء مشرعي الفسق والنهب والظلم.

    • زائر 16 | 3:59 م

      زائر 4

      الله يهديك ... أنت من صدك ... هؤلاء رجال دين .. هؤلاء ورثة الانبياء .. أيعقل ان يقول هذا عاقل .. ؟؟ الله يرضى عليك .. اتعتقد لو كان عمر وابو بكر (رضي) الصديق موجودين لوقفوا مع وعاض الصلاطين .. أنا أقول الله يهديك

    • زائر 15 | 2:25 م

      زائر 4: وين مخك؟

      صج متخلف ورجعي، من صجك هالأشكال اللي إمفشلينه جدام العالم اهمه ورثة الأنبياء؟ يبه هاذلين أهمه سبب تخلفنه وتفوق الغرب علينه، وسبب كل المصايب اللي إتصير في دولنه . بالله عليك النبي(ص) كان جذي شكله وهيئته؟ الصحابة (رض) كانو متحجرين ومتخلفين جذي وهاذي كان شكلهم، و هل كانو يدعون المسلمين للوحده أو التفرقة والشتات مثل ما قاعدين إيسوون ذلين؟ جيل الشباب متنفر منهم ومن تحجرهم لأنهم مايتبعون اسلوب الني(ص) والصحابه (رض) في التعامل مع الشباب والتحدث معاهم عن الدين والشريعة باسلوب محبب. هداك الله بس

    • زائر 14 | 2:05 م

      الحل بسيط ...

      بالعكس الأستاذ محمد الهرفي رجل منصف ... وهو لم يتبلى على أحد فكل ماقاله هو موجود ويعترف به قائله ..... المشكلة فقط هي أن دار الإفتاء يجب أن تكون مستقلة عن السلطات الأخرى حتى في تعيين أعضائها ويجب أن تكون الفتوى محصورة فيهم وأن لا يفتي الصغار ...... ومن وجه نظري هذا هو الحل في المذهب السني لمشكلة انتشار الفتاوى ....

    • زائر 13 | 11:30 ص

      الي زائر رقم (1)

      اذا اتسوي روحك فالح يبه روووووح وتقيه وين راحت ههههههههههه

    • زائر 11 | 5:04 ص

      من أنت ياكاتب المقال !؟؟؟؟

      لم يهاجم أحد ممن ذكرتهم لأنه منصف وعقلاني ولأنك رجعي ومتخلف تريد مهاجمة كل من اختلف معك هذه العصبيه العمياء وهذا هو الحقد الأسود كفاكم فظاظه وكفاكم رعونه أكاذيبكم باتت مكشوفه واضحة جليه للعيان ))

    • زائر 10 | 2:56 ص

      نتمنى من الاخوة في السعودية

      أولا: توحيد كلمتهم
      ثانيا: الاقتداء بالصحابة خصوصا أبوبكر وعمر
      ثالثا: عدم تكفير الطوائف الاخرى من المسلمين وتقبلهم والتعايش معهم (خصوصا الشيعة).
      رابعا: حوار جاد وهادئ مع بقية الطوائف بعيد عن شاشات التلفزيون.
      خامسا: المحافظة على التراث الاسلامي، فإنه ثمين جدا.. أنا أول ما ذهبت للكعبة ..كنت قبل وعند رؤيتها أصابني شعور غريب ورهبه..تزيد الايمان
      فما بالك بأمكن آل البيت والصحابة.
      سادسا: الله يهديهم لخدمة الاسلام والمسلمين، لا لتمزيقهم وإشعالهم في خلافات.
      فالكل محاسب أمام الله.

    • زائر 9 | 2:27 ص

      صقر المهمات

      عندما نتكلم عن مذهب او دين نتكلم من باب المنطق ليس من باب السخريه والاحقاد التاريخيه يكفيكم شرفآ يا خدام بيت الله انكم تتبعون القرأن وسنة الهاد لهذا مكنكم الله من بيته العتيق وهذا يكفيكم من شر حاسدآ اذا حسد

    • زائر 7 | 1:20 ص

      تصحيح من زائر 3

      كنت اقصد زائر 2

    • زائر 6 | 1:09 ص

      مذهب غريب

      مذهب يقوم على عدم تقبل الاخر مصيره الانحسار

    • زائر 5 | 12:55 ص

      زائر 1

      حتى كرة القدم كانت حرام على السلفيين واليوم اصبحت حلال وترهام يلعبونها

    • زائر 4 | 12:53 ص

      من أنت يا كاتب المقال ؟؟؟؟!

      من أنت يا كاتب المقال ؟؟ ولم تهاجم ورثة الأنبياء ؟؟؟ هل هاجمت الخميني يوماً؟؟؟ هل هاجمت خامنئي يوماً؟؟ رفسنجاني؟؟ خاتمي؟؟

    • زائر 3 | 12:21 ص

      شكرا جزيلا على مقالك

      سيدي الكريم .... قبل 30 سنة كنت اشتغل في الدمام وكان رجال الهيئة يطاردون الرجال الذين يقومون بتطويل شعر رأسهم وعندما يقبضون عليهم كانوا يحلقون الرأس على شكل علامة زائد (+) ، واليوم اصبحنا نرى الكثير ممن يقوم بتطويل شعر رأسه ويرجع السبب الى السنة النبوية ... ما كان حرام بالامس اصبح سنة نبوية اليوم

    • زائر 2 | 12:06 ص

      صقر المهمات

      ثوابت الدين الواضحه وضوح الشمس اللتي يريد البعض تغطيتها بغربال المحبه الكاذبه لجز من معتقادات الاسلام لا يمكن ان يكون عليها خلاف.. الامور الاجتهاديه وبعض الفتاوي لاتمت الى مذهب معين بصله انما تخص ذاك الذي افتاها هي رئي او اجتهاد ولاكن نصيحه لاخواننا الكرام في المملكه من شرفهم الله ببيته العتيق الذي لايمكن ان يكون من يديره على باطل بأنشاء دار فتوى يترئسه فضيلة العلماء لتبيين لناس امور دينهم ودنياهم وشكرآ

    • زائر 1 | 11:26 م

      حين يكون الكذب دينا

      الشيخ السلفي علي بن خضير ردا على سؤال:
      "المؤمن أخو المؤمن، ولابد أن ينصره حال طلب النجدة أو عند العلم بحاجته، ومن النصرة مؤازرته ودفع الضرر عنه. ومن ذلك الكذب؛ فالكذب يجوز لنصرة المسلم ولدفع الكافر أو العدو. فقد صح فى الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة ومن المصلحة رفعة المسلم وذلة سواه، و يقول ابن الجوزى رحمه الله (وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إنط كان المقصود مباحا، وإن كان واجباً فهو واجب )

اقرأ ايضاً