العدد 2858 - السبت 03 يوليو 2010م الموافق 20 رجب 1431هـ

لبنان... ومخاطر سوء الحسابات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أثار التقرير الدوري الأخير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى أعضاء مجلس الأمن بشأن آليات تنفيذ القرار الدولي 1701 الذي صدر في أعقاب العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006 مجموعة نقاط تؤشر إلى نمو حال من القلق لدى الدول المشاركة في القوات المكلفة بضبط الحدود (يونيفيل) بعد حصول احتكاكات عفوية ومنظمة مع أهالي القرى الأمامية. فالتقرير الذي يصاغ عادة بلغة دبلوماسية مهذبة لمح إلى وجود انتهاكات من الطرفين قد تتطور آلياً إلى نوع من المواجهة المدمرة.

أبرز النقاط التي توقف أمامها التقرير كانت تلك التي تشير إلى مخاوف إسرائيلية من احتمال إعادة حزب الله تأسيس مواقعه وتجهيزها بالأسلحة والصواريخ المتطورة أو البعيدة المدى. وذكر التقرير أن الهواجس الإسرائيلية مبالغ بها ولم تؤكد صحتها دوريات «يونيفيل» في المناطق الجنوبية من الحدود اللبنانية.

لم يتوقف تقرير كي مون عند حدود التشكيك بتلك «الادعاءات المتعلقة باستمرار نقل الأسلحة إلى الحزب» فهو أرفقها بفقرة توضيحية تكشف عن تداعيات محتملة. فالتداعيات برأيه خطيرة لأن المسألة حساسة وهي تتصل باحتمال «وقوع سوء حسابات من قبل أحد الطرفين، قد يؤدي إلى استئناف الأعمال العدائية، التي يحتمل أن تترتب عليها تداعيات مدمرة بالنسبة إلى لبنان والمنطقة».

كلام كي مون عن التداعيات المدمرة في «لبنان والمنطقة» ينبه إلى احتمال انجرار الأطراف المعنية إلى مواجهة غير مدروسة تعتمد حسابات سيئة يمكن تجنبها في حال أحسن التصرف وتم ضبط التوترات أو الاحتكاكات التي ظهرت حديثاً في قرى الجنوب وأدت إلى اشتباكات فردية بين أهالي المنطقة وقوات «يونيفيل» الدولية. الاحتكاكات كانت بسيطة ومحدودة ولكنها جاءت في توقيت غير سليم لأنها توافقت مع بدء النقاش في مجلس الأمن بشأن تمديد عمل القوات فترة إضافية. التوقيت أعطى ذريعة لدول القوات المشاركة بأن تبدي انزعاجها من تلك الاستفزازات التي تعطل إمكانات استمرار «يونيفيل» في مهمتها وبالتالي مراجعة التمديد الذي يفترض أن تتم مناقشته في أغسطس (آب) المقبل.

موعد التمديد للقوات الدولية يتصادف في نهاية أغسطس. ومعظم الجنود ينتمون إلى جنسيات تعتبر غير معادية للشعب اللبناني وتعتبر دولها أنها تقوم بوظيفة مزدوجة وهي منع تجدد الحرب أو الحد من مخاطر وقوعها وحماية الحدود الدولية من الاختراق. فالمهمة محايدة ولكنها في إطار موازين القوى تعتبر مكلفة بمراقبة احتمال استئناف «إسرائيل» عدوانها على لبنان.

منطق قوات «يونيفيل» التي تتألف عناصرها الأساسية من كتائب عسكرية إسبانية وإيطالية وفرنسية وتركية يختلف في مدلوله الدولي عن تلك القراءات السياسية العشوائية التي تصدر أحياناً عن جهات لبنانية مسئولة أو غير مسئولة. فالوظيفة الدولية للقوات ليست قتالية ولا حتى دفاعية وإنما هي تأخذ قوتها القانونية من دورها الرقابي الذي يفترض ضمناً أنه يقوم بحماية حدود لبنان من الاختراق الإسرائيلي.

برأي «يونيفيل» إن الطرف الأقوى في المعادلة السلبية بين الكفتين هو «إسرائيل» وبالتالي تتركز وظيفتها على حماية المعادلة من الانهيار لا كسرها أو تعديلها. وهذه الوظيفة الدقيقة في حساباتها الدولية لا يمكن أن تستمر من دون إدراك الطرف اللبناني لأبعادها الخطيرة في حال «وقوع سوء حسابات» كما ذكر كي مون في تقريره الدوري للأمم المتحدة. عدم التقدير يعادل احتمال «استئناف الأعمال العدائية» وتراجع الدول المشاركة في قوات «يونيفيل» عن مهمتها وانسحابها من الجنوب وترك معابر الحدود مفتوحة لمواجهة «تداعيات مدمرة بالنسبة إلى لبنان والمنطقة».

كلام الأمين العام للأمم المتحدة الذي صيغ بلغة دبلوماسية هادئة يحذر لبنان من العواقب المحتملة في حال تم تفريغ قوات «يونيفيل» من تلك الجنسيات الأوروبية التي تشكل ضمانة دولية لمنع «إسرائيل» من تجاوز حدودها نظراً للانعكاسات المفترضة التي تثير مشاعر العداء ضد حكومة تل أبيب في عواصم الاتحاد الأوروبي.

التحذير واضح في إشاراته السياسية لأنه ينبه في منطقه البياني أن لبنان هو المتضرر من طرد قوات «يونيفيل» أو تفريغها من الجنسيات الأوروبية المتوسطية في اعتبار «إسرائيل» هي الطرف الأقوى في معادلة التوازن السلبي بين الدولتين. فالحرب إذا وقعت ستكون مدمرة لبلاد الأرز والمنطقة وستفوق خسائرها تلك التي حصلت خلال عدوان 2006.

كلام كي مون التحذيري لم ينشر للاستهلاك أو التخويف وإنما يعكس حالات قلق واستياء صدرت عن الجهات الأوروبية المشاركة في قوات «يونيفيل» الدولية حين أبدت تحفظها بشأن ما بدر من أهالي القرى الجنوبية من اعتراضات على مناورة عسكرية كانت تحاكي مهمة مواجهة إطلاق صواريخ. فالدول الأوروبية تعاملت مع الاحتكاكات من موقع سياسي لا إنساني ورأت فيها مطلع رسالة يمكن أن تتطور سلباً في الفترة التالية إذا لم تتحرك الدولة لاستيعاب انفعالاتها حتى لا تنعكس على أعضاء مجلس الأمن الذي يفترض أن يجدد روتينياً عمل القوات في نهاية أغسطس المقبل.

المسألة إذاً دقيقة وهي محكومة بالتوقيت والفترة الزمنية المتبقية للقوات الدولية العاملة في الجنوب اللبناني. هناك حفنة من الأسابيع وهي في مجموعها مرتبطة باستحقاقات خطيرة تنتظرها المنطقة على مستوى الملفين الفلسطيني والعراقي. الملف الفلسطيني يبدو أنه دخل كالعادة فترة تجميد في مرحلة بدأت مصادر واشنطن وتل أبيب تتحدث عن احتمال استئناف التفاوض على المسار السوري ما سيكون له مردوده العكسي على المسارين اللبناني والفلسطيني. والملف العراقي يبدو أنه يترشح للتصاعد في حال اضطرب الوضع الأمني بعد انسحاب القوات الأميركية المتسارع من العاصمة وبعض المدن والقصبات في أغسطس المقبل.

الحلقة اللبنانية ليست منفصلة عن السلسلة وارتداداتها سواء على المستوى الفلسطيني وانسداد مساره مقابل انفتاح المسار السوري – الإسرائيلي أو على المستوى العراقي واحتمال اختلاط أوراقه بعد نمو تلك الفراغات الأمنية واتساع نطاقها الجغرافي في بلد يعيش فضاءات الفوضى والفساد والاقتتال الطائفي المذهبي والتنافس على اقتطاع الغنيمة.

اختلاط الأوراق الإقليمية يرفع من أهمية التقرير الذي قدمه كي مون بلغة دبلوماسية هادئة تحذر من مخاطر وعواصف في حال «وقوع سوء حسابات من قبل أحد الطرفين». فالقراءة الخاطئة في رأي الأمين العام للأمم المتحدة قد تؤدي إلى استئناف الأعمال العدائية ودمار «لبنان والمنطقة»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2858 - السبت 03 يوليو 2010م الموافق 20 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:11 ص

      موقفك واضح و مزعج

      أحاول في كل مرة أن أقرأ مقالاتك بصورة محايدة لأستشف منها ماتريد أن تقول ، لأجد أنك و بكل صراحة تتبنى وجهة نظر الجهات التي تعادي المقاومة ، فنصيحتي لك أن تجهر بذلك و لاتحاول أن تظهر هذا الموقف كموقف عقلاني ، لأنه ليس كذلك!! كما أنك تعيد في الحديث و تكرر الفكرة الواحدة كثيرا ، فنرجو الاختصار!!
      مع خالص احترامي

اقرأ ايضاً