العدد 2863 - الخميس 08 يوليو 2010م الموافق 25 رجب 1431هـ

هوبس ونظرية الدولة «التنين»

انهيار أوروبا القديمة ونهوض الجديدة (2)

محمد خاتمي comments [at] alwasatnews.com

نقول هذا لنبرر انتقالنا دفعة من ماكيافللي إلى هوبس ولوك اللذين تثبت على أيديهما إطار السياسة في العصر الحديث، أي الليبرالية - الديمقراطية. من ثم فإن الاهتمام بآراء هوبس ولوك له كل ما يبرره، علمياً ومنطقياً، على اتساع النقلة من ماكيافللي إليها.

كان القرن السابع عشر قرناً مفعماً بالحوادث، ومصيرياً بالنسبة إلى جميع أوروبا، لاسيما انجلترا. فالرؤية الفكرية الجديدة التي ألقت بذارها في العصور الوسطى في قلب أوروبا وعقلها، وظهر طلعها واستطال فرعها في القرن السادس عشر، أعطت أكلها وثمارها في القرن السابع عشر، واحدة بعد الأخرى.

عاش هوبس ولوك في هذا القرن، وكانا إلى كثير من العلماء والفنانين، من جملة المفكرين الذين عبدوا الطرق الوعرة المفضية إلى حديقة الحياة الجديدة.

فما هي الرؤية الفكرية الجديدة؟

يمكن الاتفاق مع لاسكي في الإجابة عن هذا السؤال، في اعتبار أن أبرز سماتها هي الآتية: قبول فكرة الانتفاع أصلاً في مجال الأخلاق، بروز فكرة التسامح على المستوى الديني، استقرار فكرة الحكومة الدستورية المشروطة في باب السياسة، وضع الحكومة في خدمة التجارة، التسليم بحق الناس في الاطلاع على حقوقهم (راجع حركة الحرية في أوروبا، ص 114).

إن سير التحولات الفكرية والاجتماعية في أنحاء أوروبا، وإن لم يجر على نسق واحد وخط واحد وسرعة واحدة - حيث كان الاستعداد لاستقرار نظام سياسي يتناسب مع روح الحضارة الجديدة في انجلترا أنضج منه في أي بقعة أخرى، إذ إن الحكومة الدستورية قامت في انجلترا قبل عشرات السنين من قيامها في فرنسا - قد أفضى ختاماً، وبأشكال مختلفة أحياناً إلى ما أوردناه عن لاسكي.

ويمكن القول باطمئنان إن جميع صور الحضارة الجديدة، (أو الصورة السياسية على الأقل)، لم تتحقق إلا بعد بروز ظاهرة جديدة واستتبابها، هي ظاهرة «الشعب» التي لم تلبث أن أصبحت، نظرياً على الأقل، ملاك السلطة والشرعية. لقد كان نشوء الأنظمة السياسية والاجتماعية الجديدة وبقاؤها منوطين بوجود قوة مركزية قادرة على حماية ملاك السلطة والشرعية هذا من بطش الكنيسة والإقطاع. وعندما استطاعت هذه الظاهرة الجديدة الوقوف على رجليها، وأدركت الطبقة المتوسطة الطموحة التي كانت مظهر الوطنية الحديثة، مدى قدرتها جيداً، انبرت تطالب بالسلطة باسم الشعب، من بعد أن كانت بمثابة احتياطي يرفد الملكيات والحكومات المركزية.

كذلك فإن ما جرى في أوروبا، وما خطته حضارتها، منذ البداية وإلى وقتنا، من انصراف عن الملكية المطلقة التي تبناها بعض المفكرين كهوبس، إلى فكرة الحكومة الدستورية التي اقترحها فلاسفة آخرون أمثال لوك، صدر في واقع الحال عن خلفية ثقافية واحدة، ومن معين فكري واحد.

إن الليبرالية صورة عن الحضارة الجديدة، حيث الأولية للفرد ذي الميول النفسية، والغرائز الطبيعية التي وإن لم تعتبر المؤثر الأول والأخير في الحياة وغايتها، فلا أقل من اعتبارها في طليعة العوامل التي يجب التوقف عندها في جميع المواقف التي يقفها الإنسان في حياته.

فجنة الإنسان الحديث في هذه الدنيا، (سواء اعتقد بجنة أخرى سواها أم لا)، وهي عبارة عن تحصيل الأمور المادية. ومبلغ الإنسان أن يبلغ هذه الجنة بمعونة الفكر والتدبير القائمين على الملاحظة والتجربة، والامتحان والخطأ، فضلاً عن العلوم التجريبية والتقنيات، والتخطيط للتقدم الاقتصادي والصناعي وغيرها.

والليبرالية، وإن لم تكن الصورة الوحيدة لهذه الحضارة، هي الصورة التي أثبتت تفوقها على سائر الصور الأخرى. ورغم أن الحضارة الجديدة لا تختلف عن الفاشية ولا عن دكتاتورية البروليتاريا اللتين وضعتا موضع العمل بهما، فإن بقاء الليبرالية واستمرار التأييد لها والرضى بها قد يعود، في الغالب، إلى أنها تدعي استقرار بنائها على الحرية التي تمثل مطلب الإنسان الجديد بلا منازع، رغم أن الحرية بالمعنى الليبرالي لا تطابق الحرية الواقعية، أو تنص على تساوي الناس في الانتفاع منها. بطبيعة الحال لا ينكر دعاة الليبرالية أن الأمر قد يكون كذلك، ولكنهم يردون بالقول إن مراكمة التجارب كفيلة بتأمين الحرية لسائر الناس.

أجل، إن العبور من هوبس إلى لوك، ومنه إلى نظريات أحدث، ليس عبوراً من حضارة إلى حضارة أخرى أبداً، بل عبوراً من الطبقات الأولى لهذا البناء الشاهق إلى طبقات أعلى.


فلسفة هوبس

ولد هوبس العام 1588م وتوفي في 1679م، وكان - خلافاً لماكيافللي ذي الصلة الواهية بالفلسفة - من أهل هذا الفن، وصاحب رؤية فكرية كونية محددة، أبدعها وصاغها بدقة بالغة، وصولاً إلى سياسته المقصودة، فهو يفتح طريقه الفكري إلى السياسة، من زاوية نظرته إلى العالم.

تمثل فلسفة هوبس فلسفة إنسان مادي النظرة، تنسجم السياسة التي يستصوبها مع فلسفته المذكورة. أما المعرفة التي تمثل أعقد جوانب حياة الإنسان المعنوية، فقد هبط بها هوبس إلى مستوى مذهب آلي يعبر عن الإحساس. فسبب المعرفة، برأي هذا الفيلسوف، الشعور الحاصل من تأثر أداة الإنسان الحساسة بالجسم الخارجي.

وهوبس رجل عملي مثله مثل بايكون، يؤكد على أن غرض الفلسفة العمل، ويعتقد أن غاية العلم السلطة، وأن «المقصود من البحث النظري، أياً كان، إنجاز العمل المطلوب أو تحقق الخير المصبو إليه». فلا يعد العلم قدرة في ساحة العلوم فحسب، بل في المجال السياسي أيضاً.

وأما الفلسفة الأخلاقية عنده فهي عبارة عن المعرفة بقواعد العمل في الحياة السياسية، وتحصل للإنسان نتيجة هذه المعرفة قدرة على إزالة الحوادث، وحل المشكلات التي من جملتها الحيلولة دون الحرب.

هوبس فيلسوف يعتبر التجربة أساس المعرفة الفلسفية، ويعتقد أن الفيلسوف يبدأ عمله بالمعلومات المتحصلة لديه، والتي ليست بشيء سوى الانطباعات الحسية، ونتيجة تأثير الأجسام الخارجية على الإنسان. ذلك أن الخواطر الحاصلة من الانطباعات - بواسطة الحس المباشر - هي أيضاً من المواضيع التي تعني الفلسفة وأصحابها.

وموضوع الفلسفة، برأي هوبس، هو الجسم، وهو على قسمين: جسم طبيعي وهو الجسم الذي صنعته الطبيعة، ويسمى الفلسفة، ويبحث عنه بالفلسفة الطبيعية، والآخر الجسم السياسي أو الحكومة صنيعة إرادة الإنسان وقرينته، ويبحث عنه بالفلسفة المدنية (أو السياسة).

وهوبس مادي العقيدة في كلتا الفلسفتين، وهو وإن لم ينكر وجود الله، فإن اعتقاده بأن الجسم هو موضوع الفلسفة، وأن الفلسفة تعني التعقل، فلا ريب أنه يعتقد بالمقابل أن الإلهيات أمور لا عقلية، وأن مجال المعتقدات عاطفة الإنسان.

والسياسة النابعة من عمق التصوير الذي صور به هوبس الإنسان الأرضي الطبيعي تتناسب وخصوصياته، وقد تكفل في ليفياثان، أهم مؤلفاته وأشهرها، بعرض آرائه في السياسة وتبيينها.

واختيار هوبس هذا الاسم لهذا المضمون يشي سلفاً بالتصور الذي يحمله عن السياسة. فـ «ليفياثان» لفظة عبرية وردت مراراً في التوراة، ويراد بها حيوان مائي مخيف يشبه التنين والحوت. ومراد هوبس من اختيار هذا الاسم لكتابه أن يؤدي فكرة مفادها أن الدولة أو الحاكم جسم فوق الأجسام، وشخص أقوى من الأشخاص العاديين، وأن الأشخاص العاديين مغلوبون على أمرهم.

يقع هذا الكتاب في أربعة أقسام: الأول منه عن الإنسان (Of Man)، ويحتوي على 15 فصلاً. القسم الثاني عن الحكومة عموماً (Of Commonwealth)، ويشتمل على 15 فصلاً أيضاً. القسم الثالث مداره على الحكومة المسيحية خصوصاً (Of Christian Commonwealth)، ويحتوي على 12فصلاً. القسم الرابع عن مملكة الظلام (Of Kingdom of Darkness) ويشتمل على 4 فصول.

إقرأ أيضا لـ "محمد خاتمي "

العدد 2863 - الخميس 08 يوليو 2010م الموافق 25 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:56 م

      زائر رقم 3

      انت تتحدث عن الكهوف وتتهم نجاد بذلك .. والله عجب . أمتك العربية يعيشون خارج الزمن، يعيشون الجهل والضياع والتخلف. ..

    • زائر 7 | 11:15 ص

      الرئيس السابق

      تفتخر ايران بالرئيس السابق كما تفتخر من البلاد العربية لبنان فقط فهل يوجد في البلاد العربية الرئيس السابق ؟!
      تحية الى الرئيس الإيراني السابق والى " عنتر " المقاوم المتواضع الفقير إبن الفقراء.

    • زائر 6 | 7:59 ص

      الى زائر 4:

      اتكلم عن أشياء اجهلها !!!
      اين وجدة في مداخلتي السابقة اني قلت انا البرنامج النووي بدأ في عهد الجمهورية الاسلامية؟
      ثم قل لي هل المقارنة الان بين نجاد و خاتمي او بين الجمهورية الاسلامية و عهد الشاه؟
      و هل برايك ان الايرانيين في عهد خاتمي كانو بشر يخترعون و يكتشفون ثم اصبحو في عهد نجاد قرودا !!!
      اما عن قناة العالم و طهران فربما وجدا فقط في عهد نجاد ايضا !!!

    • زائر 5 | 7:36 ص

      الى زائر 3:

      اما ان السيد مفكر فانا لم انكر ذلك, نعم له منجزات ولم انكر هذا ايضا, كل ما قلته انه رضخ للضغوط و جمد البرنامج و على توجهه الاخير علامة استفهام. اخي العزيز, انا هنا لا اقارن السيد باي مفكر عربي ولكن لتقريب الفكرة انظر كم من مفكر عربي لدينا وانظر لمنجزاتنا نحن العرب, لا تنظر لاي شخص على اساس انه مفكر فقط بل انظر لمواقفه ايضا و منجزاته.
      ملاحظة:
      سكنة الكهوف المظلمة يحترمون الاخرين وارائهم ولكن انظر الى االمثقفين امثالك كيف يحاورون !!

    • زائر 4 | 6:16 ص

      عنتر بن نجاد

      زائر 2 لا تتكلم عن أشياء تجهلها ... البرنامج النووي كان موجود من عصر الشاه ... و توفيق صالحي رئيس الوكالة الذرية الإيرانية كان مبتعث من قبل نظام الشاه في أمريكا يدرس الدكتوراه. و الروس بدوا يبنون منشآة ايران النووية من سنة 1992 ... و كانت العقود في السبعينات و الثمانيينات مع شركات ألمانية و فرنسية.. هذا الكلام ما تسمعه في قناة العالم و طهران لأنهم هدفهم يراوونك أن الإيرانيين كانوا قرود و بفضل عنتر بن نجاد أصبحوا بشر يخترعون و يكتشفون.

    • زائر 3 | 6:00 ص

      الى رقم 2 تقارن نجاد بالمفكر السيد خاتمي والله مضحك

      علامات استفهم اكيد من سكنة الكهوف المظلمة ومن الذين يعيشون خارج عصرهم ويمارسون عليكم دور الوصي اصحى يا غافل وتدكر كلامي هذا نجاد وزمرته اساس البلاء الايراني

    • زائر 2 | 3:53 ص

      عنتر اللي مو عاجبنك !

      عنتر اللي مو عاجبنك شوف شسوى في العالم خلال سنوات قلائل وانظر الى التطور العلمي في عهده وين وصل مع البرنامج النووي. اما السيد خاتمي فهو وان كان مثقف وله الاحترام الا انه جمد البرنامج النووي سنوات عدة, كما ان توجهه موخرا عليه علامة استفهام.

    • زائر 1 | 11:45 م

      لله درك يا سيد خاتمي

      انسان مثقف مطلع على الثقافات و الحضارات الإنسانية، عكس عنتر بياع الحجي.

اقرأ ايضاً