العدد 2868 - الثلثاء 13 يوليو 2010م الموافق 30 رجب 1431هـ

«مباشرة» أو «غير مباشرة»... النتيجة واحدة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

«مباشرة» هي آخر منتوج إسرائيلي نجح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في تسويقه في البيت الأبيض وقام الرئيس باراك أوباما بترويجه في بورصة دولية تعاني من إفلاسات مالية. المشكلة إذاً ليست في الاحتلال وتهرب تل أبيب من التجاوب مع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وتملصها من تعهدات وقعت عليها بحضور الدول الكبرى وبإشراف «مباشر» من الولايات المتحدة. المشكلة أصبحت في «غير مباشرة» بوصفها تمثل عقبة بروتوكولية تمنع «إسرائيل» من الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة والاستقرار.

«مباشرة» هي الحل السحري الذي قبضه أوباما من دون تدقيق أو تمحيص. والحل يشبه ذاك الصك من دون رصيد الذي يشتري ويبيع في سوق مفتوح على احتمال الإفلاس السياسي كما حصل تباعاً في أفغانستان والعراق.

ما هي التسمية التي يمكن الاتفاق عليها للحكم على إدارات واشنطن الديموقراطية والجمهورية للخروج برؤية عاقلة بشأن السياسات الأميركية في أفغانستان والعراق وفلسطين؟ الغباء ليست شتيمة وإنما هي كلمة طبيعية ومشروعة. فالغباء حق من حقوق إدارات البيت الأبيض وهي مفردة يمكن استخدامها لتبرير نهج أودى بحياة آلاف الأميركيين وأنهك الخزانة المالية وأزهق معيشة الملايين في أفغانستان والعراق وفلسطين. الغباء ليس عيباً وهذا من حق إدارة البيت الأبيض أن تدعيه لتبرير أخطاء ارتكبتها سواء حين راهنت على حفنة من المتعاملين يمارسون تهريب المخدرات والأموال وتصدير الأكاذيب واعتمدت عليها لتأسيس «ديموقراطية» في كابول وبغداد، أو حين عرّضت مصالحها للانكشاف والملاحقة وهدر أرواح جندها ودافع الضرائب الأميركي تحت غطاء مكافحة الإرهاب الدولي. فالدولة التي تبني استراتيجيتها على تقارير قطاع طرق وترهن مصالحها ومستقبلها وسمعتها على حفنة من المرتزقة لن تجني في النهاية سوى الخيبة والفشل.

الغباء أو ادعاء الغباء على السواء مسألة مشروعة ومن حق إدارات البيت الأبيض التخفي وراء شعاعها حتى تخفف من أثقال السخرية وتبعاتها الكارثية. أما استغباء الناس والترويج لبضاعة فاسدة في بورصة تعاني من الانهيار المالي فهذا ليس مقبولاً ولا يمكن الأخذ بمعطياته للتغطية على سياسات فاشلة بغض النظر عن كونها تندرج تحت عنوان «الغباء» أو «ادعاء الغباء».

النتيجة المأسوية واحدة سواء كانت إدارات الولايات المتحدة «غبية» أو تدعي «الغباء» لإخفاء أجندات سرية كما هو حاصل الآن في أفغانستان والعراق. فالنتيجة في النهاية يتقرر على أساسها الحكم الصحيح مهما كانت المبررات التي يحاول المتهم اللجوء إليها للتخفيف من قوة القانون وصرامته.

«مباشرة» أضحوكة جديدة نجحت حكومة تل أبيب في إنتاجها لتطويل مدة المفاوضات وتقطيع الوقت حتى تكون قد انتهت من تحويل مشروعات التوطين والاستيطان إلى وقائع ميدانية - بشرية يصعب تفكيكها بسهولة. الكلمة لا معنى لها لأنها جاءت مقطوعة عمَّا سبق من مفاوضات «غير مباشرة» بدأت تحت مظلة أميركية ومباركة عربية منذ مايو/ أيار الماضي وكانت مشروطة بفترة أربعة أشهر تنتهي في سبتمبر/ أيلول المقبل.

المدة قاربت على الانتهاء وتل أبيب لاتزال تحاور وتفاوض وتناور وتتهرب من كل الالتزامات بما فيها تجميد الاستيطان ووقف عمليات التوسع الأفقي والعمودي في البؤر المنتشرة حول مدن الضفة وفي أحياء القدس. حتى ذاك الالتزام الصوري الذي تعهد به نتنياهو بوقف جزئي لبناء المستوطنات والوحدات السكينة لمدة عشرة أشهر لم ينفذ ميدانياً، وأميركا على علم ودراية بالموضوع وهي تتردد في كشف حيثياته خوفاً من تداعياته الداخلية وتبعاته في توتير العلاقة مع اللوبيات الإسرائيلية.

المشكلة ليست في «الغباء» وإنما في الإصرار على «الاستغباء» والظهور أمام العالم من موقع القوة في وقت تبدو الإدارة مكشوفة وغير قادرة على إقناع الناس بجدوى سياسة فاشلة بدءاً من أفغانستان والعراق وانتهاء بفلسطين. الاعتراف بالخطأ ليس جريمة يعاقب عليها القانون، كذلك الاعتراف بالضعف. فالولايات المتحدة من حقها أن تكون ضعيفة ومدمنة على ارتكاب الأخطاء وتعريض مصالحها وحياة جنودها في «الشرق الأوسط الكبير» للمخاطر والسخرية والبهدلة والإهانة، ولكن ليس من حقها الاتجار بالبشر وتقويض الاستقرار في المنطقة وتدمير مصادر رزق الناس من دون محاسبة ومحاكمة وتعويض الأضرار التي ألحقتها بدول تتمتع بالحد الأدنى من الاستقلال والسيادة.

المطلوب من إدارة أوباما أن تقدم صورة مختلفة عن تلك النماذج الأميركية. وأول تلك النقاط المطروحة تكمن في استعدادها أن تكون صريحة وشفافة وأن تكف عن ادعاء البراءة أو الغباء واللجوء إلى المراوغة والخداع للتغطية على الضعف العضوي الذي تعاني منه سياسة الولايات المتحدة في «الشرق الأوسط».

تستطيع إدارة أوباما الواعدة أن تقول أشياء كثيرة لتبرير عجزها أمام أهوال ضغوط اللوبيات والمافيات. وهي قادرة على تبيان أسباب الضعف وعوامل التراجع ودوافع التهرب من المسئوليات من دون حرج. وهذا أفضل لها من الكذب و«الاستغباء» لأن الوضوح والشفافية والاعتراف بالخطأ والضعف يكسب السياسة الأميركية في المنطقة بعض الاحترام والشفقة والتقدير حتى من الشارع العربي ومراجعه الشعبية والرسمية.

يستطيع أوباما أن يقول للرئيس الفلسطيني «حاولت وفشلت» و «لا أستطيع» أو «أنا مكبل بالقيود» و «مهدد بالطرد من البيت الأبيض». كل هذا الكلام الشفاف والواضح والمؤلم سيجد القبول أو على الأقل سيكسب التفهم والاحترام من كل الجهات المعنية بالمسألة الفلسطينية من المحيط إلى الخليج. غير المقبول ولا يمكن تفهمه هو الاستمرار في ترويج سياسة «الاستغباء» واختراع أزمات وكلمات ومفردات لا منطق لها سوى الخداع وتسويق «صك» من دون رصيد في بورصة مفلسة.

«مباشرة» لا تعني شيئاً وهي تعادل في منطقها التفاوضي «غير مباشرة» لأن الطرف الفلسطيني المغلوب على أمره لا يراهن إلا على حقه. فالحق (الحقوق المشروعة) هي قوته الوحيدة التي تعطيه أفضلية على الجانب الإسرائيلي المحتل والمسلح بالنووي وتلك الترسانة الهائلة من الأكاذيب «المباشرة» و «غير المباشرة».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2868 - الثلثاء 13 يوليو 2010م الموافق 30 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:22 ص

      عبد علي عباس البصري(صح ألسانك يا نويهض)

      قال الامام الخميني في حياته ( الحمد لله الذي جعل اعدائنا من الحمقى والاغبياء) فالي ما اطيع اضيع .غباء ان ابني لعدوي حصون غباء ان هدم داري لتهام جاري غباء ان اعين الظام فيسلطه الله علي ، غباء ان اسلط الذئب على كلب الحراسه ليقتله ويفترسه. غباء ان اطلق زؤجتي ,وأتزوج فرنجيه أكيد بتاكل اولادي اولا ومن ثم انا. غباء وغباء وغباء حتى اصبحنى من امهات الغباء .

    • زائر 3 | 3:07 ص

      عبد علي عباس البصري (صح لسانك يا نويهض)

      فالحلفاء على مفترق طرق ،الاول ترك افغانستان والعراق مرتعا للايرانيين ، وهذا خطر عالمي على الشرق والغرب وكل العالم ، بدايه امبراطوريه فارسيه اسلاميه شيعيه . وهذا لا تسمح به كل دول العالم وحتى العربيه منها . الثاني ضرب ايران وأرجاعها للوراء مليون عام ، ومن ثم الانسحاب من افغانستان والعراق وهذا يكلف الكثير من الناحيه الاستراتيجيه ، فضرب ايران كما قال وزير الخارجيه السعودي ( بمثابه ضرب ثور هائح في دكان من الفخار ) بس ربما هذا هو الحل اهون الامرين ؟!!

    • زائر 2 | 3:01 ص

      عبد علي عباس البصري

      القدره على الانتشار في افغنستان ، أما عن العراق فالامريكان تجاهلوا ندائات وأستغاثات بعض حكام العرب بعدم الاطاحه بصدام وأبقائه ، لان المشكله في من يأتي بعد صدام ، فلم يستجيبوا لهذه الندائات فوقع المحضور ، (الهلال الشيعي ) اذن المستفيد الاول هو ايران فمن ناحيه فشل باكستان والحلفاء وبعض الدول العربيه في اطروحتهم مع الطالبان في افغانستان وكسب الدوري المنتخب الايراني ، وكذلك العراق خسر الحلفاء وربح المنتخب الايراني وفرح بالكأس العراقي العربي واخترق صفوف الامه الفربيه .

    • زائر 1 | 2:45 ص

      عبد علي عباس البصري (اعاده كتابه الموضوع)

      من الغير مباشر اسرائيل او الولايات المتحده تمثل غير مباشرة» بوصفها تمثل عقبة بروتوكولية تمنع الفلسطينيين من حقهم . فهم عقبه مباشره ، وأنما العقبه الغير مباشره هم من يقف في صف الولايات التحده بعتبارهم دول مسايره .
      اما غباء الولايات المتحده في افغانستان فأنها لم تأخذ العبره من الاتحاد السوفيتي اسابق ، ولم تنظر بغين الاعتبار لجمهوريه ايران الاسلاميه وهي دوله حدوديه لافغانستان ، فهي على خط الاحتياط والرابح الاكبر لو فشلت امرييكا في افغنستان ، فمن جهه قتل الطالبان ومن جهه لها القدره الفلسفيه في

اقرأ ايضاً