العدد 2873 - الأحد 18 يوليو 2010م الموافق 05 شعبان 1431هـ

أوباما ومسرح الشرق الأوسط

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أسئلة كثيرة يمكن طرحها بشأن مسرح «الشرق الأوسط» في فترة بدأت القوات الأميركية تستعد لإعادة الانتشار في منطقة الاضطرابات الممتدة من أفغانستان إلى العراق.

السؤال الأول ما هي طبيعة الإستراتيجية الجديدة التي ستعتمدها الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة. الثاني ما هو دور القوات الأميركية في حال أسفرت الانسحابات الجزئية أو الشاملة عن تشكيل فراغات أمنية يمكن أن تمتد وتنتقل من مكان إلى آخر. الثالث ما هي وظيفة القوات الأميركية المنتشرة في بعض خطوط النار أو المتمركزة في القواعد العسكرية. الرابع ما هي الأولويات الجديدة في الإستراتيجية الأميركية بعد أن يتراجع الملف العراقي وبعده الافغاني من رأس القائمة إلى ذيلها. الخامس كيف ستتعاطى إدارة باراك اوباما مع ملفات أمنية قابلة للانفجار على مقربة من آبار النفط وخطوط الأنابيب والناقلات. السادس ما هو موقف واشنطن من احتمال حصول انتفاخات إقليمية وتمدد نفوذ بعض الدول إلى داخل دول مجاورة. السابع ما هي حدود القدرة الأميركية على التدخل السريع في حال خرجت بعض الدول الإقليمية عن إطارها الحدودي وبدأت بتثبيت مواقعها في داخل دول الجوار. الثامن ما هي المصلحة الأميركية في مراقبة بؤر نار تشتعل طائفياً ومذهبياً وقبلياً في الكثير من البلدان الواقعة ضمن شريط قوس الأزمات الغني بالانقسامات والهويات الصغيرة والضيقة. التاسع هل هناك مصلحة أميركية في جرجرة دول الشرق الأوسط إلى مسرح الاقتتال الأهلي (الانتحار الذاتي) في سلسلة حروب صغيرة تفكك الوحدات السياسية (اليمن والسودان مثالاً) وتقسم التقسيم (الصومال وأفغانستان والعراق). السؤال العاشر هل هناك فعلاً إستراتيجية أميركية بديلة أخذت تعتمدها إدارة أوباما أم أن المسألة مفتوحة ومتروكة للظروف والاحتمالات؟

أسئلة كثيرة يمكن إضافتها للبحث والحفر والاستقصاء وذلك لسبب بسيط وهو أن قوانين الهجوم وما تخلفه من تبعات وتداعيات تتشابه في مفاعيلها مع ردود فعل قوانين التراجع وإعادة الانتشار والتجمع في بؤر ضيقة أو التمركز في قواعد عسكرية وجوية. فالهجوم الذي اتبعه جورج بوش أدى إلى تقويض أجزاء من الشرق الأوسط وزعزعة استقراره وتفكيك بعض دوله مذهبياً وطائفياً وتعديل جوانب من توزع خريطته الأهلية (السكانية) وإضعاف قوى إقليمية وتقوية قوى أخرى وخلط أوراق التحالفات وتعزيز امتداد شبكات العنف ونشرها لتعميم الفوضى على جغرافية منبسطة وعابرة للقارات والحدود.

كل هذه التداعيات أسفرت عنها إستراتيجية بوش الهجومية حين اتخذ قرار الدفاع عن الأرض الأميركية بالخروج إلى العالم الإسلامي (الضربات الاستباقية) وتقويضه من الداخل معتمداً سياسة فرّق تسد وتثوير العصبيات وتخليق أزمات وافتعال معارك وهمية تثير الأحقاد وتدفع بالوعي نحو الارتداد والنكوص إلى الماضي ونبش تراثه وقبوره لإثارة مشكلات تساهم في تمزيق الحاضر وتعطيل إمكانات النمو والوحدة في المستقبل.

هذه الإستراتيجية التقويضية فعلت فعلها وأنتجت مجموعة ملفات ساخنة تتطلب الكثير من الجهود والعقلانية لاحتواء انفعالاتها المدمرة. وبهذا المعنى التفكيكي نجح بوش في خطته تاركاً بقاياها لإدارة أوباما حتى تتورط في عملية إعادة الانتشار والتجميع بعد أن أصبح مسرح الشرق الأوسط في وضع الاستنفار الأهلي والتجاذب الطائفي والمذهبي.

الانسحاب التدرجي المنظم والمبرمج لا يعني أن قواعد الاشتباك التي رتبتها إدارة بوش لن تكون قادرة على التحرك والانزلاق نحو التصادم. فالانسحاب سيولد فراغات أمنية وسياسية وهي ستعطي الذريعة للقوى الإقليمية للتحرك باتجاه تعبئة المواقع والأمكنة. والفراغ حين يحصل يؤدي منطقياً إلى توليد تجاذبات تدفع الأطراف نحو الارتطام من دون قدرة على التحكم بآليات الحركة وطاقاتها الذاتية.

الدفاع أحياناً لا يقل كلفة عن الهجوم. والانسحاب يؤسس حالات من الفوضى تعادل تلك التي تنجم عن التقدم. وهذا القانون الفيزيائي (الفعل وردة الفعل) لا يقتصر على عوامل الطبيعة (الفراغ والجاذبية) وإنما يمتد إلى القوى البشرية وطبيعة العلاقات المتعثرة والمتهالكة بين مجموعاتها الأهلية.

المخاطر إذاً موجودة وتداعيات التراجع لن تكون سهلة وربما ستكون أكثر كلفة من الهجوم وما أسفر عنه من تقويض وتفكيك وإثارة للفتن المتدحرجة من أفغانستان وسيستان وبلوشستان إلى كردستان. فالفراغ يحتاج إلى إستراتيجية بديلة لا تقل أهمية في تكتيكاتها عن الهجوم وخصوصاً إذا أنتج نماذج فاشلة وأنظمة فاسدة.

ما هي إستراتيجية أوباما البديلة عن سياسة بوش التقويضية؟ الجواب كما هو مطروح علناً غير واضح باستثناء تكرار مقولات تقليدية من نوع أمن النفط وأمن «إسرائيل» أولاً والحرص على استقرار أوضاع المنطقة الإستراتيجية والغنية ثانياً.

الغموض السياسي والارتباك وعدم توضيح الخطوات سيشكل في المدى المنظور اهتزازات أمنية تترافق طبيعياً مع كل انسحاب أميركي أو بعد كل هيكلة للتشكيلات العسكرية المكلفة بمهمات في أفغانستان والعراق. وما حصل في جنوب شرق إيران وجنوب شرق تركيا من تفجيرات عرقية أو مذهبية أهلية يعكس في النهاية تداعيات ناجمة عن ارتدادات صغيرة (هزات) تعقب عادة الزلازل الكبيرة.

مشروع التقويض الذي أسسه بوش في الشرق الأوسط من العام 2001 إلى 2009 بدأت تتشكل على مسرحه قواعد اشتباك لن تكون بالضرورة مجموعة مواجهات إقليمية أو حدودية وإنما قد تقتصر على مجموعة حروب صغيرة تساهم في ترسيم خطوط التماس ليس بين الدول وإنما بين الطوائف والمذاهب والأقوام والقبائل. فهذه السياسة (فرق تسد) تشكل تلك المظلة الواقية لأمن «إسرائيل» الذي جدد أوباما حرصه عليه خلال ذلك اللقاء المشئوم الذي جرى مع نتنياهو في البيت الأبيض.

أسئلة كثيرة يمكن توجيهها بشأن إستراتيجية أوباما والبدائل التي يستعد لها في حال انفجرت تلك الألغام الصغيرة واشتعلت تلك الفراغات الناجمة عن الانسحابات، إلا أن الجواب الذي يمكن التوصل إليه من الآن هو أن التراجع لا يقل خطورة في تبعاته وتداعياته عن الهجوم.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2873 - الأحد 18 يوليو 2010م الموافق 05 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:26 ص

      شفيك انت زائر رقم 3

      شفيك يا الطيب اصلاً البصري أحسن واحد!!!!!!!
      شكلك ما فهمت كلام الأستاذ وليد: الغموض السياسي والارتباك وعدم توضيح الخطوات سيشكل في المدى المنظور اهتزازات أمنية تترافق طبيعياً مع كل انسحاب أميركي أو بعد كل هيكلة للتشكيلات العسكرية المكلفة بمهمات في أفغانستان والعراق.
      والبصري أول اهتزازه.. بس هذا المقصود

    • زائر 5 | 5:22 ص

      زائر رقم 3 في حديثه عن البصري

      زائر رقم 3 يريد من الأخ عبدعلي عباس البصري أن يوضح ما يريد أن يقول، نعم قرأنا المقال وفهمناه لأن الأخ البصري كتب تعليقاً في موضوع الكاتب عقيل ميرزا وطلب من القراء المشاركة وبالفعل شاركنا حباً وكرامة يا البصري، بس بصراحة، تعليقاتك من زمان غير مفهومة، ليكون تبغينه نفك أسرار، قول بوضوح اذا عندك شي نستفيد منه يا خوك.
      وانا على بالي بس أنا اللي ما افهم مشاركات البصري العظيمة.
      أخوكم
      سيد حيدر

    • زائر 4 | 4:11 ص

      أسئلة كثيرة يمكن توجيهها بشأن إستراتيجية أوباما

      أسئلة كثيرة يمكن توجيهها بشأن إستراتيجية أوباما والبدائل التي يستعد لها في حال انفجرت تلك الألغام الصغيرة واشتعلت تلك الفراغات الناجمة عن الانسحابات، إلا أن الجواب الذي يمكن التوصل إليه من الآن هو أن التراجع لا يقل خطورة في تبعاته وتداعياته عن الهجوم.

    • زائر 3 | 4:04 ص

      الى البصري.....

      فهمنا ويش بتقول ربما استفدنا اكثر واكثر منكم؟؟

    • زائر 2 | 3:29 ص

      اللهم أهلك الظالمين بالظالمين

      اللهم أهلك الظالمين بالظالمين و أخرجنا من بينهم سالمين غانمين. اللهم دمر الأمريكان و الصهاينه و المجوس عليهم من الله ما يستحقون فهم أعداء دينك. اللهم إنصرنا على من أراد بنا سوء و إحفظ بلادنا و سائر بلاد المسلمين الحقيقين.

    • زائر 1 | 2:24 ص

      عبد علي عباس البصري

      وادي السطوات ، هو وادي الواقع من باكستان الى افغانستان الى ايران الى العرق الى بلاد الشام سوريا الاردن لبنان وفلسطين . الا تراهم شعوب لا تقبل الذل الا تراهم شعوب لا تترجم عما في داخلها الا عن طريق الدم السلاح ،عندما يغادر الحلفاء المنطقه طبعا سيتركون المساحه في اتم جاهزيتها للايرانيين والعراقيين واللبنانيين ، اعني عسكريا وفكريا وفلسفيا ، لان

اقرأ ايضاً