العدد 2892 - الجمعة 06 أغسطس 2010م الموافق 24 شعبان 1431هـ

شجرة العديسة والأولويات الإسرائيلية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كشف الصراع على «شجرة العديسة» في جنوب لبنان وجود أوراق أخرى تريد «إسرائيل» طرحها تغطية لأجندة سياسية تعتمد أولويات في كيفية التعامل مع بلاد الأرز في حال وقعت مواجهة عسكرية. الشجرة كانت مناسبة استغلتها حكومة تل أبيب للكشف عن إستراتيجيتها المقبلة انطلاقاً من تحديد «الأهداف» التي تخطط لضربها. الهدف الأول سيكون الدولة والجيش اللبناني وكل البنى والأجهزة والمؤسسات والمرافق ومحطات توليد الطاقة والجسور وغيرها من قنوات رسمية تعتمد عليها الوزارات في تعاملها اليومي مع المواطنين.

تهديد الدولة والجيش والمؤسسات الذي ظهر في تصريحات المسئولين الإسرائيليين بعد حادث المواجهة في خراج العديسة وعلى خط الحدود الفاصل يشكل أهم المتغيرات المعلنة في إستراتيجية التقويض المبرمج في المشروع الحربي المقبل. وهذا المؤشر المضاف ليس جديداً ولكنه للمرة الأولى تعلن عنه تل أبيب صراحة ومن دون مواربة.

سابقاً كانت الاعتداءات دائماً تحصل على الدولة ومؤسساتها بذريعة أنها تشكل مظلة حماية تلجأ إليها المقاومة. هذا ما حصل خلال عدوان صيف 2006 حين أقدمت حكومة أولمرت – ليفني على تدمير 272 قرية في الجنوب و48 مبنى في الضاحية الجنوبية ونحو 24 ألف وحدة سكنية في ضاحية بيروت وبلدات وقرى في بعلبك والبقاع الغربي وجبل لبنان إضافة إلى 76 جسراً و286 مدرسة ومستشفى ومحطات الوقود ومستودعات الطاقة (الفيول) والمرافئ والمطارات. الذريعة كانت أن تل أبيب لم تستهدف المناطق المدنية عن قصد وإنما هي اضطرت إلى استخدام هذا الأسلوب لمنع المقاومة من استخدامها مظلات للوقاية أو الاستفادة منها لتعزيز دفاعاتها.

الآن أصبحت الأهداف أكثر وضوحاً. حكومة نتنياهو – ليبرمان استبدلت الذريعة ولم تسقطها من الأجندة. فهي من جانب تريد المقاومة ولكنها من جانب آخر تعتبر الدولة هي ذاك الشريك الجديد في دائرة الاشتباك ما يعني أنها تتحمل مسئولية كل ما يحصل في المستقبل. وجاء الإعلان عن هذا المتغير بمناسبة النزاع على قطع شجرة في منطقة لبنانية محتلة (أرض متحفظ عليها) ما دفع تل أبيب إلى استغلال الفرصة وطرح مجموعة نقاط تدل على أجندة تعتمد قواعد جديدة في التعامل سواء على مستوى الذريعة أو على مستوى ساحة الحرب ومساحتها وعمقها.

الدولة اللبنانية أصبحت مستهدفة بذريعة أو من دونها، وهي ستكون واجهة التصادم المقبل في حال قررت تل أبيب خوض الحرب التي يرجح أن تكون نسخة مكررة عن عدوان 2006 من جانب وأكثر تطوراً في أبعادها وامتداداتها الإقليمية من جانب.

الجانب المكرر من العدوان سيكون على منوال الحروب السابقة التي دمرت البنى التحتية والسكنية بذريعة ملاحقة خلايا المقاومة وجيوبها. والجانب المتطور من المسألة سيتركز على نقطتين: الأولى أن الحرب ضد دولة معادية وليس ضد ساحة تتخذ منها المقاومة منصة لإطلاق الصواريخ. والثانية أن قواعد الاشتباك ستكون ممتدة لا تقتصر حدودها على المصب (لبنان) وإنما ستعبر الحدود لمطاردة المعابر والمسالك والروافد وصولاً إلى النبع الذي ينتج الصواريخ ويصدرها.

لا شك في أن الكلام الإسرائيلي تهويلي ويحتمل الكثير من المبالغة للتخويف من «العواقب الوخيمة» كما هددت تل أبيب، ولكنه أيضاً يتضمن مؤشرات ترسل خطابات إقليمية واضحة في عناوينها ودلالاتها يمكن تلخيصها بنقطة مركزية واحدة وهي أن الحرب المقبلة في حال وقعت لن تقتصر حدودها في جغرافيا بلاد الأرز ولا ضد الدولة اللبنانية وحدها.

توسيع دائرة الاشتباك الذي أعيد التذكير بشروطه بمناسبة الخلاف على قطع شجرة العديسة يطرح أسئلة كثيرة منها مثلاً، هل الدول الإقليمية المعنية مستعدة لمثل هذا الاحتمال (المواجهة الكبرى) أم إنها غير قادرة على تحمل التبعات والتداعيات؟ الجواب يرسم خريطة طريق للفترة المقبلة. إذا كان الجواب «نعم» فمعنى ذلك أن ساعة الصفر تنتظر اللحظة المناسبة. وإذا كان الجواب «لا» فمعنى ذلك أن الحرب مؤجلة أو موقوفة إلى فترة غير محددة. والاحتمال المرجح في المرحلة الراهنة يشير إلى «لا» لأن الأطراف المعنية تحتاج إلى فترة هدوء ونقاهة حتى تعيد قراءة أوراق الملف.

توسيع دائرة الاشتباك لمصلحة لبنان ولو مؤقتاً، لأنه حين تختلف قواعد اللعبة تصبح الحسابات ومعادلة الربح والخسارة واحتمال النجاح والفشل مجموعة عناصر مضافة قد تساهم في إعادة النظر وتشجع على التريث أو التكيف أو التمهل أو التعقل تمهيداً للتفكير بوضع إستراتيجية بديلة تأخذ في الاعتبار المستجدات التي طرأت أو دخلت في مجريات الواقع وشبكات الأمان والضمانات الدولية.

ظروف العام 2010 اختلفت عن 2006. والتناغم الإقليمي - الجواري الذي رسم خطوط المواجهة قبل أربع سنوات طرأت عليه تعديلات بسيطة ولكنها كانت كافية لإعادة خلط الأوراق وتغيير قواعد اللعبة ومنطقة الاشتباك. وهذا الجديد كان يحتاج إلى مناسبة للإعلان عنه فجاءت شجرة العديسة لتكون ذريعة للكشف عن الأجندة الإسرائيلية وأولوياتها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2892 - الجمعة 06 أغسطس 2010م الموافق 24 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:29 ص

      اسرائيل

      اسرائيل موقفها ضعيف الحين خصوصاً بعد خطابات السيد حسن نصر الله الأخيرة والقادمة سوف تكشف الكثير من الأمور المخفية ربما تطال بعض المسئولين في الحكومة اللبنانية المتعاونيين مع اسرائيل

اقرأ ايضاً