العدد 2892 - الجمعة 06 أغسطس 2010م الموافق 24 شعبان 1431هـ

نَفِيرٌ طائفي عراقي عام...النُّصْرَةُ لدين الله على يد قيصر!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حين يتقمّص العلمانيون خطاباً إسلامياً أو طائفياً يُصبح الأمر مُستغرَباً. وهو أيضاً حال بقيّة التيارات حين تزعق بما يُخالف أدبياتها ومسلكها الحزبي والفكري. فالفرض هو محاكاة الموضوع بالمصْدَاق. والعنوان بالمُعنوَن. وحين يحصل العكس، فإن القراءة الأوليّة والختامية تقول: إن هناك خللاً بنيوياً في الأداء والممارسة، وبالتالي في قيمة المشروع في أصله وفصله.

قبل أيام صرّح عزت الشابندر عضو ائتلاف دولة القانون الذي يتزعّمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي بتصريح يُثبت ما أقول. الشابندر قال في تصرحيات لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، إن الائتلاف «ليس بوسعه أن يُهدي منصب رئاسة الحكومة لـ (القائمة العراقية)، فهناك نظرة بأن هذا الموقع للشيعة، وأن على قيادات القائمة بزعامة رئيس الحكومة الأسبق إياد علاوي أن تدرك ذلك».

وأضاف الشابندر في تصريحه أن «علاوي شيعي، لكنه مُرشّح عن الدائرة السنية، وهناك خمس قيادات سنية ضمن قائمته، وهم طارق الهاشمي، ورافع العيساوي، وأسامة النجيفي، وصالح المطلك، وعمر عبدالستار الكربولي، وأننا لا نؤيد هذه الطروحات ولكن هذا هو الواقع، ونحن ننطلق منه لإنهائه، فنحن جذّرنا التقسيم الطائفي عندما عدنا إلى العراق في 2003 واليوم ابتلينا به». (راجع صحيفة «الشرق الأوسط» بتاريخ 28 يوليو/ تموز الماضي - العدد 11565).

حسناً ضمن هذا الحدّ تظهر عدّة إثارات. وهي في مجموعها تبقى إثارات مبنيّة على ما قاله الرجل في حديثه، وليست بدعة من أحد. فالشابندر، الذي كان يتسَرَّج النَّفَس العلماني في «القائمة العراقية» قبل أن ينتقل إلى ائتلاف «دولة القانون» في الانتخابات الأخيرة، أصبح ضمن معادلة العراق الجديدة القائمة على «فوضى خلاّقة» سياسية ولكن بخلطة عراقية.

هذه الفوضى الخلاّقة ذات النكهة العراقية، أظهرت لنا كيف يُصبح فيها الشيوعي حميد مجيد موسى فارساً على دبّابة أميركية، ويُصبح فيها «بعض» الإسلاميين الشيعة من المجلس الأعلى والدعوة والعمل الإسلامي عرّابين لمشروع الاحتلال الأميركي للعراق! ويُمسي فيها «بعض» الإسلاميين السُّنّة من الحزب الإسلامي وجبهة التوافق سائرين في ذات المشروع.

لقد ميّعوا تاريخاً طويلاً من النضال ضد «الدكتاتورية» البعثيّة كما كانوا يقولون طيلة ثلاثين عاماً، ليتحوّل الأمر إلى سُبّة حين يتمّ إسقاطه على خواتيم أعمالهم في السياسة منذ العام 2003 وإلى الآن. ولَكَمْ تمنّيت لو أن الذاكرة بين التارِيخَيْن قد فصلها بَرْزَخٌ لا يبغي فيها الأول عن اللاحق. لكن الأمور بدت في غير ذلك المسار. هذا ما جرى بالضبط دون تحريف.

أرجع إلى تصريحات الشابندر لأتساءل: إذا كان الرجل حريصاً إلى هذه الدرجة على أن يكون منصب رئيس الوزراء في العراق «شيعياً» خالصاً كما يقول، فلماذا لا يمنحونه لشخصيات أخرى من الشيعة غير المالكي، الذي أصبح ترشّحه بمثابة أزمة مفتوحة داخل العراق؟! فالأصل في قول الشابندر هو «شيعية» المنصب، ولو «دعوتيّته» أو «مجلِسيّته» أو أيّ شيء آخر.

وإذا كانوا لا يرتضونه لـ إياد علاوي «العلماني الشيعي» على اعتبار أن علمانيته تجبّ شيعيته وبالتالي فهو لا يُمثل الانتماء الطائفي، أو أن قائمته محاصَرَة بشخصيات سُنّيّة أو حتى بأصوات سُنّيّة في دوائرها، فلماذا يحقّ للشابندر «ولغيره أيضاً» أن تتجاور علمانيتهم مع شيعيتهم في توأمة مُستَغرَبة، دون أن يُحاق بها أزمة انتماء أو أزمة هوية غير خالصة؟

كذلك، إذا كان الحرص على «شيعية المنصب» لدى الشابندر وغيره لهذه الدرجة بل ويعتبرونه مصير ضرورة، فليعطونه إذاً لـ عادل عبد المهدي. وإذا كان الأخير خصماً للدعوة، فليُعطَى لـ جواد البولاني وزير الداخلية الذي يرأس كتلة انتخابية كانت قيمة مقاعدها ضمن الأعلى عدداً من بين الفائزين (78705 أصوات) رغم حصولها على أربعة مقاعد فقط.

وبالتالي فإن ما يُفهَم من ذلك التصريح (ضمن ما يُفهَم بالتأكيد وهو كثير)، هو استخدام البُعد الطائفي لتحييد الخصوم، واللعب على عواطف العراقيين الشيعة، بأن هذا المنصب هو مُلكٌ عضوض لهم ويجب أن يتنازلوا عنه، رغم أن المالكي لطالما تباهى بقائمته المختلطة «بحدّ الكفاف».

هنا تظهر مآسي الكتل الفائزة في استثمارها للبعد الطائفي، عبر ضمّ شخصيات مغايرة في المذهب بغرض الاستحلاب لا أكثر ولا أقل. فلا وجود عبد مطلق الجبوري في دولة القانون، أو عبدالغفور السامرائي/ محمود المشهداني في وحدة العراق، أو فوّاز الجربا/ حميد الهايس في الائتلاف الوطني هو ضمّ تأصيلي، وإنما شكلي رتيب، لا يُؤثّر على الهويات السياسية للأحزاب.

لا يُعلَم أين ستقود هذه السياسة العراق والعراقيين على يد ساسته. فقد مضى الآن أزيد من سبعة أعوام على «التغيير الديمقراطي» كما يُقال ولا يزال البلد يدفع أثماناً. ولربما تبقى حماقات «القاعدة» وإرهابه ضد المدنيين طوق النجاة بيد هؤلاء السياسيين للادّعاء، بأن الإرهاب هو من يُعِيقهم عن إدامة الاستقرار والرفاه. لكن الحقيقة تبدو أبعد من ذلك بكثير.

فموضوع الغلواء الطائفي، والمحاصصات، وابتذال الأحزاب للسياسة، والفساد، والاستئثار لا يدخل ضمن تأثير «الإرهاب» على مسلكهم. فمعارك الدول ضد الأخطار لا تحتاج إلى مزيد من الأخطاء والتجاوزات لتحقيق الانتصار في مقدّمة المعركة، لأن الأصل هو اتحاد الممارسة أو تماثلها بأقصى ما يكون لكسب انتصار يستحق الإكبار.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2892 - الجمعة 06 أغسطس 2010م الموافق 24 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:27 م

      اخ محمد اضرب بريك!!!

      أخ محمد انا احترم مقالاتك بس احس انك في الشأن العراقي تأخذك بعض الاهواء يا اخي منطقيا كيف تطلب من المالكي صاحب ال89مقعد ان يرضخ لكتل اقل منه بكثير ولا تطلب من هذي الكتل ان تنسجم معه!!يا اخي هناك جهات معروفة لا تريد ان يتحول اي سياسي (شيعي) الى زعيم سياسي قوي فهم يكررون مع المالكي ما فعلوه قبلا مع الجعفري(اذا تذكر) عندما اعاقو ترشيحه لفترة ثانية وسيفعلون نفس الشي مع اي شخص آخر سواء عادل عبد المهدي او البولاني او غيره اتمنى ان تعيد النظر في طريقة قرائتك للشأن العراقي مع الشكر

اقرأ ايضاً