العدد 2914 - السبت 28 أغسطس 2010م الموافق 18 رمضان 1431هـ

الإرهاب والإرهابيون... قبل اختلاط الأوراق

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

الإرهاب اسم مشتق من رَهَبَ، ويُطلق عليه لغوياً «الترويع» الناتج عن أعمال العنف المؤدي إلى ترويع الناس وتهديدهم وإفزاعهم وتعريض حياتهم وحرياتهم وأمنهم للخطر. أما كلمة «إرهابي أو إرهابيون» فهي وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهداف خاصة أو مآرب سياسية.

غير أن ما سبق لا يحمل في مضمونه تعريفاً للإرهاب تعريفاً شاملاً مانعاً، إنما يمكن اعتباره وصفاً. لأن تعريف «الإرهاب» لا يكون شاملاً مانعاً إلاّ إذا عُرِّفت أو حُددت أركانه أولاً، ومنها على وجه الخصوص ركنه المادي الخاص، في حين أن هذا الأمر بات محل خلاف دولياً، حتى أن الهيئات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان المنضوية تحت مظلة الأمم المتحدة غدت عاجزة عن وضع تعريف شامل مانع لمعنى «الإرهاب» لعدم اتفاقها على تحديد ركنه المادي الخاص. حتى وإنْ عرَّفته بشكل مقتضب إلاّ أنها تتحاشى الوقوف على بواعثه وتغض النظر عن أسبابه ما يجعل الركن المادي الخاص ناقصاً أو غامضاً. وبالتالي بات يُنظر «دولياً» إلى أي عمل يتسم بالعنف والقوة على أنه عمل إرهابي، وإنْ كان هذا العمل وسيلة للدفاع عن الوطن وعن المال والنفس والعرض في وجه أي معتدٍ أثيم أو غاصب محتل.

وليس خافياً على أحد أن هذا العجز أو الإخفاق في تعريف الإرهاب على نحو ما تقدم كان ولايزال وراءه نفوذ الدول الاستكبارية والاستعمارية. ولهذا نجد الاتفاقيات الدولية وقرارات الجمعية العمومية ذات الصلة بهذه الموضوع بما في ذلك اتفاقية العام 1997 والقرار رقم 49/60 المؤرخ في 9 ديسمبر/ كانون الأول من العام 1994 والإعلان المذيّل به المتعلق بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي كانت تكرر القول «إن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعيد رسمياً تأكيد إدانتها القاطعة لجميع أعمال الإرهاب وأساليبه وممارساته، على اعتبار أنها أعمال إجرامية لا يمكن تبريرها أينما ارتُكبت وأياً كان مرتكبوها».

فمن النص السابق نلحظ أن الجمعية العمومية اعتبرت الإرهاب بوصفه «عملاً إجرامياً» أينما ارتُكب وأياً كان مُرتكبه، أي وإنْ كان مرتكبه شعباً أو فئة أو جماعة تدافع عن نفسها وتراب وطنها وعزتها وكرامتها.

في حين أن الهيئات الدينية (مسلمةً كانت أم مسيحيةً) ما فتأت تنظر إلى مفهوم العمل الإرهابي بمنظار أوسع وأشمل، وأنها بهذا الاتساع وهذا الشمول أخذت تفرق بين العمل الإرهابي المشروع والعمل الإرهابي غير المشروع، فاعتبرت العمل الإرهابي في وجه المستعمر الغاصب للأرض والمال والأعراض والكرامات ليس عملاً إرهابياً، إنما هو دفاع مشروع مأمور به شرعاً امتثالاً لقوله تعالى «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم» (الأنفال: الآية 60).

وحيث عجز المجتمع الدولي الرسمي عن الاتفاق على تحديد معنى «الإرهاب» وتشخيص «الإرهابي» على نحو ما تقدم كان نتيجة ذلك غياب صوت الحق وانقلاب الصورة، فبات المـُغتصِب للحق ليس بإرهابي والمدافع عن حقه إرهابياً. والمُعتدي ليس بإرهابي والمعتدى عليه إرهابي. وما على المُغتصَب حقه والمُعتدى عليه إلاّ الخنوع والقبول بالاغتصاب وبالاعتداء حتى لا يوصم بالإرهاب. وبهذا بات المطلوب منا أن نقلب الصورة أينما نكون.

بيد أننا في المقابل نجد قانون رقم (58) لسنة 2006 الصادر في البحرين في 21 أغسطس/ آب 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية قد عرف الإرهاب بالتركيز على ركنه المادي، حيث جاء في مادته الأولى أن «الإرهاب هو استخدام للقوة أو التهديد باستخدامها، أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة تشكل جريمة معاقب عليها قانوناً، يلجأ إليها الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، بغرض الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المملكة وأمنها للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو أمن المجتمع الدولي أو كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص وبث الرعب بينهم وترويعهم وتعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو الصحة العامة أو الاقتصاد الوطني أو المرافق أو المنشآت أو الممتلكات العامة أو الاستيلاء عليها وعرقلة أدائها لأعمالها، أو منع أو عرقلت السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العمل عن ممارسة أعمالها».

هذا التعريف السابق للإرهاب رغم تميزه عن بعض التعريفات في القوانين المقارنة إلاّ أنه ـ كما نرى ـ تغلُب عليه في بعض مفرداته الصبغة المادية الموضوعية المجردة، من حيث إنه نظر إلى استخدام القوة أو التهديد بها نظرة مجردة، وكأننا نقرأ أو نفهم منه «أن أي عمل يؤدي إلى إيذاء الأشخاص ويعرض حياتهم وأمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بهم هو عمل إرهابي، وأن من يقوم بهذا العمل هو إرهابي».

والحال أن العمل الذي يؤدي إلى إيذاء الأشخاص أو يعرض حياتهم وأمنهم للخطر ليس بالضرورة أن يكون عملاً إرهابياً. فإنْ قِيل لنا غير ذلك، لأمكن اعتبار جريمة القتل العمد (مثلاً) المنصوص عليها في المادة رقم (333) من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم رقم (15) لسنة 1976 إرهاباً، وجريمة الاعتداء العمد المفضي إلى الموت المنصوص عليها في المادة رقم (336) من قانون العقوبات المذكور إرهاباً أيضاً، وجريمة الحرق العمد التي تعرض حياة الناس أو أموالهم للخطر المنصوص عليه في المادة رقم (277) من قانون العقوبات إرهاباً كذلك، وجريمة استعمال المفرقعات المؤدية إلى تخريب المباني أو المنشآت ذات النفع العام أو المعدَّة للمصالح العامة المنصوص عليها في المادة (279) من قانون العقوبات هي الأخرى عمل إرهابي. وهو أمر غير مقبول بالقطع.

فلو أننا أخذنا بهذا المفهوم المنضوي تحت تلك النظرة المجردة لمعنى «استخدام القوة والتهديد بها» لأصبحت جريمة الإرهاب مستغرقة ومحتوية كل الجرائم الجنائية الكبرى، وبالتالي يكون قانون الإرهاب رقم (58) لسنة 2006 سابق الذكر هو القانون السائد الواجب التطبيق في معظم الجرائم الجنائية التي تحمل صفة الجناية، ويصبح من ثم قانون العقوبات سابق الذكر معطلاً أو فارغاً من مضمونه.

هذا، ومن جهة أخرى نقرأ في المادة الثانية من قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية (البحريني) سابق الذكر النص التالي: «تطبق العقوبات الواردة في المادة (3) من هذا القانون على أي من الجرائم التالية إذا ارتكبت عمداً تنفيذاً لغرض إرهابي».

فهذا النص يعودنا من جديد إلى القول بوجوب تعريف «الإرهاب» تعريفاً شاملاً مانعاً من التأويل وتحديد ماهيته كي يستنير الطريق أمام قاضي الموضوع في قضائه وفي تطبيقه للقانون تطبيقاً عادلاً.

إننا فيما تقدم لا نقصد من ذلك التقليل من الجرائم التي أشارت المادة السابقة، فهي بلاشك جرائم بالغة الخطورة لا يجوز التستر عليها أو التغاضي عنها، ما لم تكن صادرة عن دفاع مشروع أو لضرورة وقاية النفس والمال كما عبرت عنه المادة رقم (35) من قانون العقوبات. وإن أي عفو عام أو خاص يصدره جلالة الملك بحق هذا المذنب أو ذاك لا يُطهر الذنب أو يمحيه من أرض الواقع، إنما ذلك تفضلاً ومن باب الرعاية الأبوية كعادة جلالته لمنح المذنبين فرصةً للانكفاء نحو العقل والحكمة والعودة إلى رشدهم.

إنما نخشى ما نخشاه هو أن تختلط الأوراق فيأتي يوم يُقال فيه (مثلاً) أن أي شخص يعترض في الشارع إرهابي مهما كانت أساليبه. وباختلاط هذه الأوراق قد تعلو الأصوات من هنا أو هناك تطالب بتطبيق قانون الإرهاب على كلي شيء باعتباره القانون الأشد في أية جريمة ترتكب، مما يترتب على ذلك هيمنة هذا القانون في مقابل تعطيل قانون العقوبات دونما حق، وهو أمر لا يقبله الدستور ولا القانون ولا يستسيغه العقل والمنطق لأنه فرط وتجاوز لحدود العدالة

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 2914 - السبت 28 أغسطس 2010م الموافق 18 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:26 ص

      الإرهاب العملة الجديدة

      نشكركم على هذا الايضاح التام والذي اتمنى ان يفهمه اصحاب القرار وان يبتعد ان استخدام الفظ الخاطئ الارهاب معبر لحصد الاصوات في الانتخابات القادمة وعملة تدفع لم يريد شرائها كما تدل المؤشرات الأولى، فذاك خيانة للوطن وثمن رخيص للفوز بمنصب أرخص.
      نكرر شكرنا للورقاء على اطروحاته المميزة آملين أن يبقى صوتا مدويا دائما.

    • ابتهاج سيد حسن | 8:23 ص

      صح

      صح لسناك والله اني اخاف اعلق على اي مقال او ارد على اي كلام واطلع محرضه

اقرأ ايضاً