العدد 2916 - الإثنين 30 أغسطس 2010م الموافق 20 رمضان 1431هـ

المشاركة السياسية... الطريق الأسلم لإزالة الألغام أمام تحقيق الشراكة

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

رغم المنزلقات الأمنية والمطبات الصعبة فإنه ينبغي التمسك بخيار المشاركة السياسية بوصفها خياراً استراتيجياً لا رجعة عنه، بل لن أبالغ إن أمعنت في القول بأن المشاركة هي قدر محتوم أكثر من كونه خياراً قابلاً للمناقشة كلما وقعنا تحت ضغط ظرف صعب.

إن المشاركة السياسية الجادة والفاعلة والمؤثرة هي الطريق الأسلم لتجنيب القوى الشعبية مزيداً من الخسائر، ولكنه بالرغم من ذلك ليس سوى آلية وليس غاية، بل إنه الطريق الأنسب للوصول إلى الهدف المنشود وهو تحقيق الشراكة الكاملة في القرار ونحو توزيع عادل ومنصف للسلطة والثروة.

في التجارب السياسية، الوليدة منها والعريقة، يعد خيار المشاركة هو الأصعب، ويشكل على الدوام أكبر تحدٍّ لتحقيق الإصلاح وتسريع عملية البناء ورفع الحواجز، وينبغي الإصرار عليه دوماً مع العمل الشاق والمستمر لإزالة الكثير من الكوابح التي تعترضه والتي تحد من تأثير الإرادة الشعبية الحقيقية.

لن أدّعي بأن خيار المشاركة حقق للناس ما تصبو إليه، ولكنه استطاع أن يؤتي بعض الثمار المهمة، فالسنوات الأربع في ظل المشاركة تحركت فيها عشرات الملفات والقضايا التي طرحت وأصبحت واقعاً يشكل مدار الحديث في الصحافة ووسائل الإعلام وفي مختلف أوساط الرأي العام.

فمن يا ترى كان يعتقد أن تقريراً ممنهجاً، ذا مصداقية عالية، كتقرير أملاك الدولة سيخرج من رحم المؤسسة البرلمانية التي ولدت بصلاحيات محدودة وفق التعديل الدستوري؟ فللمرة الأول صدر تقرير جريء يوثق التلاعب بأملاك الدولة من السلطة التشريعية المنتخبة، وهو تحقيق كان يكفي مجلس النواب السابق أن يفتخر به؛ لأنه استطاع أن يجمع الناس حوله، فالقضية هي قضية البحرينيين جميعاً وليس قضية كتلة أو فئة صغرت أو كبرت.

مقاطعة السنوات الأربع الأولى كانت «سنوات عجاف» وتسببت في أخطاء فادحة، فالكثير من القوانين والتشريعات المقيدة للحريات ما كانت سترى النور لو لا غياب قوى المعارضة عن المسرح البرلماني، كما تسببت المقاطعة عملياً في تعميق الهوة بين السلطة والشارع. وبسبب غياب المعارضة عن التأثير الحقيقي خلال سنوات المقاطعة استطاع البعض أن يعرقل نمو الثقة بين الحكومة وفئات واسعة من الشعب.

ما كنت أقوله سابقاً، أرى أن من الحكمة التشبث به، وهو أن مهمة البرلمان المقبل تكمن في تعبيد الطريق أمام تكافؤ الفرص في الفرص والخدمات، فكم هو شعور مؤلم وقاسٍ حين يعرف المرء مسبقاً أنه لن يحظى بحقه فقط لكونه منتمياً لدين أو مذهب أو عرق معين، أو من أصحاب توجه أيديولوجي أو تيار سياسي يختلف عن هوى السلطة.

لو استطاع المجلس النيابي المقبل أن يحرك بكل دافعية وعزم ملف تكافؤ الفرص فإنه سيخلق حالة بديهية وغير مسبوقة من الاستقرار والتوافق؛ لأن السنوات السابقة حققت ارتفاعاً في درجات التمييز في مواقع رسمية عديدة.

كثيرة هي المحبطات، ولكن الطريق الأصوب هو التمسك بالمشاركة السياسية بوصفها طوق نجاة، وأثبتت التجربة أن البرلماني استطاع أن يقول ما يشاء بسقف مرتفع، وبقي العمل على تحقيق أثر ذلك على نحو ملموس في حياة الناس.

أختلف مع الكثيرين القائلين بأن المجلس النيابي ليس معنياً بالخدمات، سيكون ذلك الكلام النظري صحيحاً لو كنا في بلد لا يعاني من أزمة إسكانية قوامها 50 ألف طلب، ولا يعاني من بطالة كبيرة في صفوف الخريجين الجامعيين، سيكون ذلك صحيحاً لو أن المدن والقرى لا تعاني من تراجع فادح في البنى التحتية الأساسية، أو كانت البحرين لا تعاني من أزمة مستمرة في الكهرباء وتوليد الطاقة.

لا تقل معاناة الناس في الخدمات أهمية عن الملفات السياسية إن لم تفُقْها، فمن خلال المشاركة بوسعك أن تحرك هذه الملفات حتى لو كانت النتائج تسير على وقع بطء السلحفاة، بينما سيظل الجمود مسيطراً على الملفات السياسية المفصلية ما لم تتوافر الإرادة الكافية من جانب السلطة لتحقيقها.

وأنا من المتحمسين للفكرة القائلة بأن التوترات الأمنية هدفها إبعاد شرائح واسعة من المجتمع عن مواقع التأثير والنفوذ، بعدما أثبتت التجربة فاعلية خيار المشاركة في كشف الحقيقة ومن ثم تصحيح المسار السياسي، وتوجيه الأنظار للتحديات الاجتماعية والتنموية التي تنتظر البحرين في المدى الآني والمستقبلي.

قد يتوهم البعض بأن المشاركة السياسية محصورة فقط في الجلوس على مقاعد القبة البرلمانية يوماً من أيام الأسبوع... إنها مهمة أعمق من ذلك بكثير، فالمشاركة السياسية أتاحت ولو بقدر معقول فرصة التواصل المباشر مع القيادة السياسية بعيداً عن وشاة السوء وبعيداً عن الطحالب التي لا تجد لها موطئ قدم سوى في الأزمات، فالمشاركة تخلق مناخاً من الثقة التي تقطع الطريق أمام من يرون أن مصالحهم لن تتحقق إلا عبر دق أسفين الفرقة بين الدولة وشعبها على الدوام.

لقد منح خيار المشاركة قوى المعارضة الدخول في حوار مباشر مع الحكومة في الكثير من القضايا، وتحقيق درجة من الرقابة الفاعلة على أداء الأجهزة الرسمية حتى لو كانت في حدودها الدنيا، وجميعنا رأى ذلك بشكل جلي في عمل لجان التحقيق في تجاوزات أملاك الدولة وفي تجاوزات الردم والدفان والتحقيق في تجاوزات كبيرة لعدد من الدوائر الرسمية الحيوية، وفتح ملفات مهمة وجعلها أجندة تتصدر أولويات الرأي العام.

علاوة على ذلك مكّن هذا الخيار، ممثلي المعارضة من قوة التواصل والتعريف برؤاهم لمختلف الجهات ذت الأثر السياسي، وكذلك التواصل مع طبقة التجار ورجال الأعمال، والحضور الفاعل في وسائل الإعلام المحلية والخارجية، بجانب المشاركة الفاعلة في الملتقيات الدولية بوصفهم نواباً منتخبين للشعب. واستثمار عوائد المشاركة في خلق الكوادر المؤهلة للعب دور بارز في الحياة العامة حالياً ومستقبلاً وبناء القدرات وتعزيز التنظيم المؤسسي والتوجه نحو الحرفية في العمل السياسي.

ليس من المنطقي الآن أن نناقش في أهمية المشاركة في العملية السياسية من عدمها، رغم كونه خياراً مليئاً بالتحديات الصعبة وستظل تلاحقه المعوقات، ولكننا يفترض أن نتمسك به أكثر من أي وقت مضى لتجاوز هذه المرحلة لمرحلة أخرى وهي البحث عن آليات الشراكة الفعلية التي تؤمن توزيعاً عادلاً في السلطة والثروة في ظل وطن يحتضن جميع أبنائه بلا تفرقة... إنه الوطن المنشود الذي نطمع أن نراه دوماً طيراً جميلاً يملأ صيته الخافقين.

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2916 - الإثنين 30 أغسطس 2010م الموافق 20 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 8:04 م

      ملف المواطنة حاضر في برنامج الوفاق دوما

      أخي حيدر
      قرأت مقالك اليوم بتمعن ووجدت مافيه هو ما يدور في خلجات الكثيرين من ابناء هذا الوطن،بل هو حديثهم في ظل المنغصات الرمضانية التي تربك عيشهم هذه الأيام في ظل احداث أمنية غير واضحة الرؤى
      كما ان ملف المواطنة حاضر لدى رأس القوى المعارضة في البحرين وهي العمود الفقري للتيار اقصد بذلك الوفاق

    • زائر 12 | 10:43 ص

      لن نقول أو نكتب أكثر وأقسى مما في مصر

      قولوا بعض ما شئتم ونفعل كل مانريد وبلا حياء وبإسم القانون ومن تحت قبة الجهة التشريعية وبتأييد أغلبية ممثلي الشعب-ديمقراطية الملفات

    • زائر 11 | 8:54 ص

      أحسن ملف

      ملف ممتاز جدا وجميل ومرتب, ومشكورين صراحة على كل الملفات, الله يعطيكم الصحة والعافية وتسوون ملفات وملفات.

    • زائر 10 | 7:49 ص

      مثل الصحافه

      اخ حيدر البرلمان كاالصحافه فلتقول وتنظر ولكن من ينفذ -مجرد ديكور للداخل والخارج والشعب ضائع بين التنظير والتنفيذ .

    • زائر 9 | 7:18 ص

      شكراً أستاذ حيدر

      شكراً للكاتب الوطني الشريف الأستاذ حيدر محمد على هذا المقال الرائع والذي ينم عن وعي كبير للكاتب والذي يفتقده -للأسف- الكثيرون ممن كنا نعدهم من المثقفين الواعين!! فعلاً أستاذي المشاركة أكبر من مجرد خيار بل هي قدر محتوم كما تفضلت، فليخرج لنا من يدعو للمقاطعة ويأتينا بحسنة واحدة ، في إعتقادي المقاطعة أسوء بعشرات المرات من المشاركة وإذا كانت المسافة لتحقيق المطالب ميلاً بالمشاركة فإنها عشرات الأميال بالمقاطعة وهذ مايؤكد عليه سماحة الأمين العام أبو مجتبى حفظه الله/ تحياتي..أبوصادق الدرازي

    • زائر 8 | 4:30 ص

      جيد

      مقال جيد قد اختلف بسيطا في بعضهم لكن مجملة جيد
      بالتوفيق

    • زائر 7 | 4:23 ص

      هل تعتبر مشاركتنا مشاركة ام

      في ظل هذا النوع من البرلمانات هل هناك ضرورة للمشاركة؟ ألا يعتبر مشاركتنا صورية فقط؟ ماذا قدم هذا البرلمان للناس؟ وهل هذه الفائدة تساوي شيئا يذكر

    • زائر 6 | 2:55 ص

      إنه الوطن المنشود الذي نطمع أن نراه دوماً طيراً جميلاً2

      والمواطن وين الوظيفة وين السكن وين الكرامة ،وهذه الامور مختزنة من 1973 ومطروحة في المجلس السابق ؟
      الا توجد طريقة سليمة ومرضية للجميع للسلطة والمواطنين ، اليس من حق المواطنين مناشدة الحكومة والسلطة بالحلول الجادة التي تليق بالمواطنة مثل باقي دول الخليج ، لماذا في الشقيقة عمان لاتوجد هذه المشاكل مثلا ، اليس في الوطن رجال لهم وزن عند السلطة وتسمع منهم، المشاكل تجدد كل 10سنوات لماذا؟ ، اعتقد جازما انه يمكن الاصلاح ذات البين في اسرع وقت ممكن اذا كانت هناك نوايا خالصة لله وبعيدة عن الأنا ؟؟

    • زائر 5 | 2:53 ص

      إنه الوطن المنشود الذي نطمع أن نراه دوماً طيراً جميلاً

      رغم المنزلقات الأمنية والمطبات الصعبة فإنه ينبغي التمسك بخيار المشاركة السياسية بوصفها خياراً استراتيجياً لا رجعة عنه، بل لن أبالغ إن أمعنت في القول بأن المشاركة هي قدر محتوم أكثر من كونه خياراً قابلاً للمناقشة كلما وقعنا تحت ضغط ظرف صعب.
      نحترم وجهة نظرك وعلى رأسنا ولكن السؤال :كم من الزمن نحتاج لتحقيق ما تفضلت به اذا تونا في حلحلة الملفات ، و4 سنوات راحت وكم من صبر المواطنين بقي للتنفيذ بعد 10 لو 20سنة ضع لنا زمن معين لو زمن مفتوح الى يوم القيامة ؟

    • زائر 2 | 11:33 م

      اللرفوف

      الملفات محفوظة في الخزانة .....

اقرأ ايضاً