العدد 2932 - الأربعاء 15 سبتمبر 2010م الموافق 06 شوال 1431هـ

العراق... وسلطة الخارج

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

نوري المالكي ضد التدخلات الأجنبية في العراق. كذلك إياد علاوي، وعادل عبدالمهدي، وجلال طالباني، وطارق الهاشمي، وأحمد الجلبي. الكل ضد التدخلات الأجنبية الدولية والإقليمية في شئون العراق المحلية الدفاعية والأمنية وغيرها من قضايا تمس وحدة بلاد الرافدين وسيادتها واستقلالها.

إذا كان الأمر كذلك لماذا كل هذا الخراب العام الذي جرف الأهل والعمران وأدى إلى تفكيك الدولة إلى كيانات فيدرالية تديرها المليشيات الطائفية والمذهبية من مواقع جغرافية متجانسة في تكوينها الديموغرافي؟ الجواب الذي تتوافق عليه الأطراف والأطياف يتركز على اتهام الدوائر الخارجية بالتدخل في شئون العراق الداخلية حتى لا ينجح البديل في إعادة تأسيس الدولة.

التهمة جاهزة وهي تقذف الكرة إلى خارج ملعب بلاد الرافدين. ولكن الكلام الأول عن رفض التدخل الأجنبي يتقاطع ميدانياً مع الكلام الثاني الذي يحمّل دول الجوار مسئولية الفوضى وعدم الاستقرار الأمني والاستقطاب الطائفي والتجاذب المذهبي.

إعلان البراءة من المسئولية لا يكفي للتهرب من الكارثة التي سقطت على العراق وأودت به في متاهات يرجح أن تستمر في تداعياتها في ظل رقابة تشرف إدارة الولايات المتحدة على تحريك خيوطها من وراء الستار.

البراءة تحتاج دائماً إلى قرينة وأدلة دامغة. والحال الذي وصلت إليه بلاد الرافدين تؤكد مسئولية القوى السياسية عن النكبة في اعتبار أن الوضع القائم حالياً كان من نتاج التدخلات الأجنبية. ولو لم يحصل التدخل الأجنبي في العراق لكان من الصعب أن نشاهد المالكي وعلاوي وعبدالمهدي وطالباني والهاشمي والجلبي وغيرهم في الصورة.

من أين جاءت هذه الوطنية. الداني والقاصي يعلم أن كل القوى التي تدير الساحة العراقية كان لها صلة ما قريبة أو بعيدة بالأجنبي، وهي في مجموعها لعبت أدواراً متفاوته نسبياً في تحريض الخارج وتشجيعه على التدخل لتغيير الوضع واستبداله بوكلاء يمكن الاعتماد عليهم لتأسيس «نموذج» يحتذى في دائرة «الشرق الأوسط».

الكلام الذي تردده القوى السياسية الراهنة عن رفضها للتدخلات الأجنبية واستنكارها لدور الخارج في زعزعة استقرار الداخل مردود في أصله وفصله ولا يحتاج إلى بينات لإثبات تلاعبه بالحقائق.

الوقائع الميدانية تؤكد اتصال القوى التي تهيمن على مفاصل السلطة الآن بالأجنبي. وكل الوثائق تؤشر إلى صلاتها بالخارج وتعاملها معه في برمجة الاحتلال وتزويده بالمعلومات الكاذبة وتزيينه بالورد والريحان تمهيداً للعدوان والتقويض.

حتى القوى التي تشرف أو تتنافس على نهب الأنقاض والمتاحف والثروات وتوزيع الغنيمة والسلطة لا تنكر التهمة. وهناك من يتباهى بالذكاء لكونه ورط الأجنبي في معركة إسقاط الدولة وإقناعه بتسليمها من طرف طائفي - مذهبي إلى طرف طائفي - مذهبي.

التعامل مع الأجنبي كان المدخل السياسي للتغيير القائم حالياً في العراق. والتعاطي مع الخارج كان أساس التوافق الدولي - الإقليمي لكسر المعادلة وإعادة إنتاجها وفق صورة التشطير الطائفي - المذهبي الذي تتألف منه الجماعات الأهلية في بلاد الرافدين. وما حصل في العراق لم يكن نتاج تطور طبيعي ذاتي تحرك في إطار آليات محلية وإنما جاء في سياق خارجي تقويضي اعتمد استراتيجية السقوط من الأعلى على بناء هش غير قادر على تحمل تداعياته الداخلية.

المقدمات دائماً تتحكم بالنتائج. وما حصل ويحصل في العراق الآن لا يمكن فصله عن الأجنبي وعزله عن الخارج. والقوى التي تعاملت وشجعت «الغريب» واستخدمته للتخلص من النظام الأسري - الاستبدادي من الصعب أن يصدق كلامها حين تبالغ في نبذ الأجنبي ورفض تدخله في الشئون الداخلية. فهذه الفئات هي آخر من يحق لها ادعاء الحرص على سيادة العراق ووحدته واستقلاله لكونها الطرف الذي شجع الخارج على الاحتلال وتقويض الدولة والسير بها نحو نهايات مأسوية. والسلطة العراقية القائمة حالياً تشكلت خارجياً وبرعاية أجنبية وهي لا تستمر من دون عون وحماية من تلك الفضاءات الدولية والإقليمية التي أشرفت على توليدها وتربيتها.

حتى الآن لا تزال هذه القوى تستقوي بالأجنبي وتستنجد بالخارج وتتعاون مع قوات الاحتلال في التدريب والتجهيز وتتبادل المعلومات وتنسق مع أجهزة الاستخبارات وتوقع الاتفاقات الأمنية والنفطية وغيرها من قضايا ترهن العراق إلى عقود مقبلة.

الكلام عن رفض تدخل الأجنبي لا منطق له لكونه يتعارض مع المقدمة السياسية التي شكلت تلك الثغرة التي دخلت منها الدبابات الأميركية إلى بغداد برفقة القوى التي تدعي الآن حرصها على السيادة والاستقلال والوحدة. فهذا الكلام بحاجة فعلاً إلى برهان وأدلة عقلية حتى يؤخذ كما هو ومن دون تحليل أو تفكيك.

الوقائع تؤكد تعامل القوى -التي تتحدث الآن عن رفض تدخل الخارج- مع الأجنبي في السابق وحالياً. وحين تبدأ المقدمة من مدخل التعامل والتبعية فإن النتيجة لن تكون سوى استمرار التعامل والتبعية. وهذه الصورة المظلمة هي فعلاً تمثل المشهد السياسي في العراق... وغير ذلك يصبح مجرد حركات صبيانية لتقطيع الوقت وتريد التهرب من مسئولية الكارثة التي قررت واشنطن إنزالها بالشعب العراقي ودولته لمصلحة «إسرائيل» وأمنها.

القوى السياسية الحالية التي تطغى على المشهد العراقي لا يمكن تصديق كلامها عن السيادة والاستقلال والوحدة ورفض التدخلات الأجنبية وذلك لسبب بسيط يختصر في كونها مجموعات غير صادقة وتعاملت مع الخارج لتعديل صورة الداخل. فلماذا إذاً لا تعترف بهذه الوقائع وتشكل حكومتها بالتعاون مع الخارج والأجنبي من دون خجل وحياء على عادتها.

التهرب من المسئولية ليس وطنية، وهو لا يعفي القوى الحالية من تحمل النتائج لأنها كانت هي الطرف الذي ساعد الخارج على إنزال الكارثة بالدولة والشعب. ومن لا يتردد في ارتكاب الخطأ المدمر لا يخجل في ارتكاب خطأ التعامل مع الأجنبي لتشكيل حكومة بالتعاون مع الخارج. فالخطأ الأول يقود للثاني والثالث والرابع إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2932 - الأربعاء 15 سبتمبر 2010م الموافق 06 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:45 ص

      الخوف من الاخر

      في رأيي الخوف من الاخر وعدم الثقة بين القوى هو الدي يدفعهم الى الاستقواء بالخارج أدا فهمنا أن من يقود الدولة لابد أن تكون له علاقة ايجابية مع كل دول العالم ولكن كيف نفهم أن تكون عند الطرف الضعيف قوة تواسي قوة الدولة بعض الاحيان في رأيي لابد أن نسلم بأن القوة المحيطة بالعراق لايريدون نجاح أي تجربة فيها وجود شعبي لانها حتماً ستؤثر على طريقة ادارتهم لبلدهم وهناك تدخل ايجابي أخر وهو من يريد أن يحكم الشعب العراقي نفسه بنفسه ديموقراطياً وادا نظرنا لكل التدخلات بنفس المنظور ضاع مقياس الصح والخطأ لدينا

اقرأ ايضاً