العدد 2935 - السبت 18 سبتمبر 2010م الموافق 09 شوال 1431هـ

لبنان... ومعادلة سين سين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ارتفاع درجة الحرارة السياسية في الساحات اللبنانية يذكر بتلك الأجواء الساخنة التي عصفت ببلاد الأرز في فترة التمهيد لصدور القرار الدولي 1559 في العام 2004 وما رافقه من صراع داخلي على خطة التمديد الجزئي لرئاسة اميل لحود. فالأجواء العامة لا تختلف كثيراً في تفصيلاتها المحلية ولكنها قد تكون غير متطابقة في امتداداتها الإقليمية والدولية.

في العام 2004 كان تيار «المحافظين الجدد» يسيطر على مقاليد السلطة في البيت الأبيض ويمر في حال من الزهو السياسي بسبب تلك الانتصارات العسكرية السريعة التي حققها في أفغانستان (2001) والعراق (2003). وأدت تلك النجاحات إلى تغذية الغرور الايديولوجي في واشنطن ودفعت الرئيس السابق جورج بوش الابن إلى التهديد بإطاحة الأنظمة المجاورة وتعديل الخريطة السياسية ونشر «الديموقراطية» في دائرة الشرق الأوسط الكبير.

على وقع تلك الخطوات بدأت الضغوط تشتد على دول الجوار التي اضطرت إلى تقديم تنازلات وتعاونت مع الإدارة الأميركية في معالجة بعض الملفات المتصلة بالأمن والنفط وغيرها من نقاط لها تأثيرها الموضعي في تشكيل المظلة الإقليمية وما تمثله من امتدادات في العراق وفلسطين ولبنان.

آنذاك شهدت بلاد الأرز سلسلة تموجات سياسية أخذت تتكيف مع المتغيرات الدولية والإقليمية التي عصفت بالمنطقة ودول الجوار بعد سقوط بغداد. وأدى انعكاس التحولات على لبنان إلى توليد أجواء ساخنة بدأت بالتراشق الإعلامي والكلامي وانتهت بسلسلة من الاغتيالات والتفجيرات دفعت بالعلاقات الأهلية إلى انقسامات طائفية ومذهبية تشبه تلك التي عصفت بالجماعات الأهلية في بلاد الرافدين.

الظروف الدولية والإقليمية التي أنتجت حالات من التصادم تتوجت في اغتيال رفيق الحريري وخروج القوات السورية في العام 2005 والعدوان الإسرائيلي في 2006 وانفجار حرب مخيم نهر البارد واهتزاز السلم الأهلي وانشطار الدولة إلى ولاءات طائفية ومذهبية تمثلت في مواجهات دموية في بيروت الغربية والجبل مهدت الطريق إلى تسوية مؤقتة في الدوحة وانتخاب ميشال سليمان للرئاسة بعد فراغ دستوري طويل... كل هذه الأجواء العاصفة تبدو الآن متخالفة في صورتها وامتداداتها وتداعياتها.

الظروف الدولية والإقليمية في العام 2010 لا تتطابق في تفصيلاتها مع تلك التي عصفت بالمنطقة بعد سقوط بغداد وما أعقبه من توترات هددت عواصم الجوار بتغيير السلوك حتى لا تلقى العقاب الذي تعرض له نظام البعث في العراق. وبسبب اختلاف البيئات التي ولدت تلك الارتدادات يرجح أن تشهد الساحات اللبنانية مجموعة تسويات تعيد تشكيل المظلة المحلية بما يتناسب مع المتغيرات التي طرأت على المشهد الدولي - الإقليمي.

دولياً أقلعت واشنطن عن استراتيجية التقويض وسياسة الضربات الاستباقية بعد خروج تيار «المحافظين الجدد» من البيت الأبيض ودخلت في عهد باراك أوباما في طور التجميد والتهدئة والتموضع العسكري في العراق وأفغانستان.

إقليمياً بدأت واشنطن ترسم خريطة طريق للانكفاء والانسحاب من خلال مد قنوات الاتصال الأمني والتقني مع طهران لترتيب نوع من الاستقرار الذي يأخذ في الاعتبار جملة من الاعتبارات المصلحية التي تتقاطع ميدانياً في بلاد الرافدين وربما أفغانستان.

هذه الحاجة المتبادلة تفرض شروطها السياسية على ملفات مختلفة تتشكل منها منظومة العلاقات الإقليمية الممتدة من بحر العرب والخليج العربي وشط العرب إلى ساحة لبنان وقطاع غزة. وبسبب نمو التقاطع الدولي - الإقليمي في الإطار العراقي في ظل خطة الانسحاب الأميركي أخذت الساحة اللبنانية تشهد اهتزازات سياسية تذكر بتلك الأجواء الساخنة التي عصفت ببلاد الأرز من العام 2004 وبعده. فالتصعيد الإعلامي - الكلامي لا يمكن عزله عن المحيط الإقليمي - الدولي وما طرأ عليه من تعديلات تختلف عن تلك التي عصفت بالمنطقة بعد سقوط بغداد.

هذا المتغير يرجح أن يؤدي إلى إعادة تشكيل تسوية الدوحة التي ساهمت مؤقتاً في استقرار لبنان في العام 2008 بعد سلسلة نكسات سياسية وأمنية. ومعادلة «سين سين» التي طالب بها مراراً رئيس مجلس النواب نبيه بري وتحققت ميدانياً بالتقارب السعودي - السوري وتأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري وعقد قمة ثلاثية في بعبدا بدأت كما يبدو تدخل في إطار التعديل لكونها لم تعد مظلة إقليمية تمتلك كل القدرات الكافية لضمان استقرار بلاد الأرز.

المعادلة المذكورة التي لعبت وظيفة سحب فتيل الانفجار في المرحلة الفاصلة بين العام 2008 (خروج تيار المحافظين الجدد من البيت الأبيض) والعام 2010 (بدء انسحاب القوات الأميركية من العراق) أخذت تتعرض إلى امتحان سياسي صعب يمكن أن يؤدي إلى انهيارها في حال تطور التعارض الأهلي إلى مصادمات تذكر بذلك المشهد الدموي الذي عاشه لبنان من العام 2004 إلى 2008.

هناك بداية قلق على مصير معادلة «سين سين» أخذت تتشكل على شاشة بلاد الأرز تحت عناوين شتى لها صلة بالمحكمة الدولية والقرار الظني وشهود الزور وشبكات المتعاملين وبالتالي لها علاقة بالجواب عن سؤال: من قتل رفيق الحريري؟

الجواب كما يبدو يشكل خطاً فاصلاً بين مرحلتين. وهو يشبه في حيثياته ومعطياته السياسية والأمنية تلك الأجواء التي عصفت بالعلاقات الأهلية بعد تنفيذ جريمة اغتيال الحريري.

الفارق بين المرحلتين يتركز الآن على اختلاف طبيعة الظروف الدولية والإقليمية بين فترة الهجوم الأميركي على المنطقة في العام 2003 وما أنتج من متغيرات سياسية وفترة تراجع عسكري أميركي يرجح أن يتطور ميدانياً في نهاية 2011 جارفاً معه تسويات سابقة وآخذاً في اعتباره مجموعة تعديلات على تفاهمات يريد عقدها في العراق ومحيطه قبل خروجه النهائي في مطلع 2012.

ما يحصل في لبنان من توترات سياسية وإعلامية أخذت تزعزع استقرار معادلة «سين سين» ليس بعيداً بالضرورة عن اختلاف طبيعة الظروف الدولية والإقليمية التي تشهدها المنطقة. وهذه الاهتزازات لا يستبعد إذا تطورت سياسياً أن تخرج بتصورات صادمة وغير محسوبة ومفهومة ومتوقعة للكثير من الاتجاهات الايديولوجية المعتدلة أو الممانعة على السواء

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2935 - السبت 18 سبتمبر 2010م الموافق 09 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً