العدد 2938 - الثلثاء 21 سبتمبر 2010م الموافق 12 شوال 1431هـ

قراءات لبنانية في أزمة مفتعلة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الزوبعة الطائفية - المذهبية التي عاودت العصف منذ أكثر من شهر بالساحة اللبنانية المكشوفة والمفتوحة على احتمالات كانت مناسبة لصدور تحليلات بشأن أسبابها ودوافعها في الصحافة المحلية.

بعض القراءات ربط الزوبعة المفتعلة بالملف الإيراني وما يتفرع عنه من ملحقات تتصل بحزمة العقوبات التي أقرها مجلس الأمن. وجاء القرار 1929 ليترافق مع دعوات أميركية - أوروبية للحوار مع طهران تتناول مختلف الأزمات الداخلية والإقليمية يمكن أن تعقد خلال الزيارة التي يقوم بها الرئيس المختلف على ولايته محمود أحمدي نجاد لنيويورك ليلقي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. القراءة المذكورة ربطت بين الزوبعة اللبنانية وبين الزيارة - الخطاب في اعتبار أن طهران تريد أن توجه للولايات المتحدة رسائل قوية تذكر واشنطن بموقعها الإقليمي (دولة كبرى) ودورها الخاص في التأثير السلبي على الكثير من الملفات المفتوحة على مفاوضات ومداولات. وجاءت الزوبعة لتلبي رغبة أحمدي نجاد الطامحة إلى تجميع أكبر عدد من الأوراق قبل انتقاله إلى نيويورك وعشية الكلام عن احتمال فتح مفاوضات علنية ومباشرة مع واشنطن تتعرض لجملة من القضايا العالقة في أفغانستان والعراق ولبنان وقطاع غزة.

بعض القراءات ربط المهرجان اللبناني بتلك التقاطعات الأميركية - الإيرانية «الفنية» و «التقنية» في المجال الأمني العراقي وذلك الكلام المتصاعد بشأن التفاهم على اختيار نوري المالكي رئيساً للحكومة واستبعاد الكتل النيابية الأخرى من حلبة التنافس. وجاء الكلام المتواتر عن تعيين المالكي ليترافق مع تراجع دمشق وقبولها بالأمر الواقع الأمر الذي عزز فرضية اهتزاز التفاهم السوري - السعودي بشأن ضبط الأمن اللبناني تحت السقف العربي الثنائي ودخول إيران على خط تعديل معادلة سين سين.

بعض القراءات ربط حفلة الفولكلور اللبنانية بالملف الفلسطيني واستئناف المفاوضات المباشرة بضمانة عربية وإشراف أميركي، ما أدى إلى إثارة مخاوف إقليمية تتعلق باحتمال فتح باب التفاوض على المسار السوري وما يتطلبه الأمر من سكوت إعلامي بشأن ظهور تداعيات محتملة محكومة بالتفاهمات المنظورة بين طهران ودمشق وخصوصاً في الجانب المتصل بالمسار اللبناني وجبهة الجنوب والقوات الدولية (يونيفيل).

بعض القراءات ربط التوتر الطائفي - المذهبي بتوسع دائرة شبكات المتعاملين وانكشاف أمر العميد المتقاعد فايز كرم واحتمال تورط كبار القادة من تيار الجنرال ميشال عون «الوطني الحر» بالفضيحة التي ألقت بظلالها على قوى 8 آذار. فالانكشاف فتح الباب أمام مسارات جديدة في التعامل ما هدد التحالف مع حزب الله بالانهيار لكونه يشكل الرديف المسيحي في موضوع التوازن المطلوب لمنع القوة المضادة من الاستئثار بالساحة. وبسبب نمو المخاوف من توسع دائرة الاتهام وشمولها الحلقة الضيقة المحيطة بالجنرال تقرر نقل المعركة إلى جبهة أخرى للتشويش طائفياً ومذهبياً على القضاء وأجهزة المخابرات والمعلومات حتى تستقر العاصفة وتذهب الرياح ويقطع الطريق على مواصلة البحث عن الحلقات المفقودة في موضوع التعامل مع «إسرائيل».

بعض القراءات ربط الأزمة المفتعلة بالمحكمة الدولية وحصرها في إطار ضيق لا يتعدى ملف شهود الزور واحتمال صدور القرار الظني بشأن الرد المبدئي على سؤال: من قتل رفيق الحريري؟ وتعتبر هذه القراءة أن مسألة المحكمة الدولية تحتل أولوية لكونها تحتمل حصول إجراءات قضائية (استدعاء وتوقيف وملاحقة) يمكن لها أن تجرجر بلاد الأرز إلى مواجهات داخلية مؤذية تتجاوز حدود البحث عن العدالة والحقيقة في وقت تعاني «الدولة» من ضعف بنيوي (أهلي) لا تستطيع بموجبه تحمل المترتبات التي ستنجم عن صدور قرار يتهم عناصر من حزب الله بالضلوع في جريمة الاغتيال.

بعض القراءات ربط الزوبعة بحصول متغيرات دولية - إقليمية يمكن لها أن تتطور في ظل استمرار التموضع العسكري الذي باشرته قوات الاحتلال الأميركية في بلاد الرافدين. وهذا التطور الميداني يطرح مجموعة احتمالات تتعلق بوحدة العراق واستقلاله وسيادته وهويته العربية ودوره الإقليمي وتأثير العواقب الناجمة عنها على مجموعة توازنات استقرت في المنطقة من بينها معادلة سين سين السعودية - السورية في لبنان. وتعتبر القراءة المذكورة أن صيغة التفاهم الثنائي العربي لم تعد صالحة للاستمرار بها لكون دمشق أخذت من الرياض ما تريده منها وهي الآن بصدد ترتيب أوراق القوة في بلاد الأرز حتى تستطيع استعادة دورها السابق في لعبة التوازن المتأرجح بين الطوائف والمذاهب.

كل هذه القراءات المتعارضة صدرت تباعاً خلال أسابيع الشهر الماضي لتفسير دوافع وأسباب تلك الزوبعة التي عصفت ببلاد الأرز. فهناك من ربط الأزمة المفتعلة بالعقوبات على إيران وزيارة أحمدي نجاد لنيويورك وخطابه الذي يطالب العالم التعامل مع طهران بوصفها قوة عظمى ودولة كبرى. وهناك من ربطها بأزمة تشكيل الحكومة العراقية وارتفاع أسهم المالكي بوصفه يمثل نقطة تقاطع أميركية - إيرانية. وهناك من ربطها بعودة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية ونمو مخاوف إيرانية من احتمال تنشيط المسار السوري في طور لاحق. وهناك من ربطها باقتراب سكين التعامل مع «إسرائيل» من رقبة الجنرال عون أو تلك الحلقة المقربة منه. وهناك من ربطها بالمحكمة الدولية وتداعياتها التي قد تدفع البلاد إلى ساحات عنيفة من التجاذب الأهلي. وهناك من ربطها بانتهاء صلاحية التفاهم السوري - السعودي وبدء دمشق في البحث عن ملاذات خاصة بدورها بعد أن توجهت أصابع الاتهام بقتل الحريري إلى عناوين أخرى تخالف الظن الذي سيطر على الساحة اللبنانية منذ العام 2005.

هناك قراءات كثيرة أخرى صدرت للتعليق على خلفيات الزوبعة الطائفية - المذهبية التي عاودت العصف بالغابة اللبنانية منذ أكثر من شهر وهي في مجموعها تحتاج إلى مراجعات للفحص والتدقيق لكونها تشتمل على تحليلات عامة تتطلب الكثير من البراهين والأدلة لتوثيقها والاعتماد عليها بوصفها حقائق دامغة. فكل قراءة تحتمل الصواب والخطأ ولكنها في محصلة المجموع العام يعتبر حزب الله هو الخاسر الأكبر قياساً بمواقع وأدوار وموازين القوى اللبنانية الأخرى. فالحزب خطوة خطوة أخذ يفقد بريقه (الدفاع والمقاومة) وبدأ يتآكل رصيده المعنوي وسمعته التي راكمها خلال السنوات الماضية بسبب استدراجه إلى معارك جزئية ووهمية في أحياء بيروت وأزقتها ومطارها الدولي.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2938 - الثلثاء 21 سبتمبر 2010م الموافق 12 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:12 ص

      خالد الشامخ:حزب السيد وليس الله

      لايجوز أستغلال أسم الجلاله لأمور حزييه سياسية ...ولكن يبدوا أن البعض يستجرء علي الله بما هو اعظم من تسميه حزبه بحزب الله ..

    • زائر 2 | 2:25 ص

      ماذا وراء إعتراف الحريري؟ وماذا يعني؟

      لم نر لك تحليلا ياأستاذ وليد عن اعتراف الحريري باتهام سوريا السياسي؟أليس تحالف 14 آذار تأسس على ذلك الإتهام الزائف؟ لماذا لا يتم تفكيكه الآن فما بني على باطل فهو باطل، 14 آذار هو الذي أدخل لبنان في مآزق متتالية بدءا من الإتهام السياسي وحتى سيطرته على السلطة بالكذب وخداع الشعب اللبناني حتى حاول تفكيك المقاومة لولا الرد القاسي والضروري في حينه من قبل حزب الله في 7 أيار لوضع حد للكذب والدجل والنفاق؟ ننتظر ردك يا أستاذ وليد أن تشرح لنا ذلك
      حبيب الهملي

    • زائر 1 | 12:32 ص

      منذ أكثر من 10 سنوات

      كلما قام حزب الله بخطوة ولو كانت دفاعية قال بعضهم : قد كان الحزب صاحب هالة وبريق فقدهما . ولكن هذه الكلمة تزوير لقناعة هؤلاء التي لم تؤمن بالحزب أو تحترم إنجازاته قبلا.
      ماذا عن تيار المستقبل الذي عرف عن قائده بصفة الزعيم السني المستهدف؟ أين العلمانية المدعاة؟ هل نسي الكاتب إجتياح المطار لحماية جوني عبده؟ كيف يأمر صاحب السلطة التنفيذية القضاء بكذا وكذا؟

اقرأ ايضاً