العدد 2943 - الأحد 26 سبتمبر 2010م الموافق 17 شوال 1431هـ

دول عربية مهددة بالانهيار

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ثلاث دول عربية مهددة بالانهيار في الشهور المقبلة إذا استمرت أوضاعها تتداعى سياسياً كما هو عليه أمرها اليوم. السودان على موعد مع الاستفتاء على الانفصال بعد مئة يوم. العراق ينتظر ولادة حكومة بعد مرور سبعة أشهر على الانتخابات النيابية. واليمن يواجه أزمة متنقلة من الشمال (صعدة) إلى الجنوب تزعزع أمنه.

الدول الثلاث تواجه مخاطر الانقسام السياسي - الجغرافي لأسباب مختلفة ولكنها تتقاطع في نقطة مشتركة تتمثل في ضعف الدولة وعدم قدرتها على احتواء تعارضات تعطل إمكانات نمو هوية وطنية جامعة توحد الناس على قاعدة المصلحة العامة. وحين تتراجع مظلة المصلحة تنكشف ميدانياً العصبيات الصغيرة والضيقة لتبدأ بلعب دور القوة الحاضنة للعنف العشوائي الذي يدمر قنوات الاتصال بين الجماعات الأهلية.

المخاطر التي تهدد السودان والعراق واليمن بالانهيار ليست نتاج تحولات طرأت حديثاً على المعادلة الإقليمية ومنظومة العلاقات التي تضمن الاستقرار في نطاق الحدود الجغرافية المتعارف عليها رسمياً. فهذه التحولات الجديدة لعبت دوراً مضافاً في خلخلة شبكة الأمان الداخلية بعد انقضاض الولايات المتحدة على منطقة «الشرق الأوسط» منذ أكثر من تسع سنوات. إلا أن إستراتيجية الهجوم الأميركية ما كان بإمكانها أن تدرك النجاح لو لم تكن تتوافر عوامل أهلية مساعدة تعطي الذريعة بالتدخل وتفتح الأبواب لنمو نزعات انفصالية ارتدادية عن وحدات غير ناضجة ولم تأخذ زمنها المطلوب تاريخياً لإعادة تصنيع هوية جامعة بديلة عن العصبيات المتوارثة من الماضي.

المشكلة المتراكمة في جنوب السودان تختلف في طبيعتها السياسية عن تلك المستحدثة في شمال العراق وجنوبه ووسطه. كذلك تختلف تكوينات المشكلة في بلاد الرافدين عن المترتبات التي تشكلت في صورة الوحدة اليمنية قبل عشرين سنة. الاختلاف في طبيعة الأزمات الثلاث لا يلغي تقارب المشهد في دوافعه وانفعالاته وتداعياته.

مقاربة المشهد تؤكد قوة الانقسام وضعف الوحدة. في السودان يظهر التمايز اللوني - القبلي وما يعكسه من دلالات عرقية - ثقافية معطوفة على تنوع أنماط الحياة وسلوك المعاش اليومي على سطح ساحة ممتدة جغرافياً ومحكومة بتعددية بشرية وبيئية ودينية. وفي العراق يتمظهر التباين في الخريطة الأقوامية - المذهبية في ساحة تقوضت دولتها بفعل الاحتلال الأجنبي ما ساهم في إعادة توزيع الجماعات الأهلية في بوتقات جغرافية تطمح للانكفاء والانعزال في إطارات خاصة ومستقلة. وفي اليمن تظهر قوة القبيلة - المنطقة لتشكل البديل المتخلف سياسياً عن ضعف الدولة وعدم امتلاكها تلك المظلة التوحيدية التي تضبط الجماعات الأهلية في إطار هوية جامعة.

عوامل التقويض الخارجية لعبت دورها في إيقاظ العصبيات النائمة من دون شك. ولكن عوامل التفكيك الداخلية كانت موجودة أصلاً ولم يستوردها الاحتلال أو يأتي بها حين قرر الانقضاض على المنطقة. فالانقسام بما يعنيه من غياب الهوية الجامعة (المصلحة المشتركة) كان حاضراً في الساحة السياسية في لحظة استقبال الأجنبي وبدء تحطيم المفاصل التي تربط حلقات الدولة (المستبدة والضعيفة في آن).

اختلاف آليات الانهيار في السودان والعراق واليمن لا يعطل مقاربة المشهد وتلازم مسارات التفكك في لحظة تقوض منظومة العلاقات الإقليمية التي افتعلها الهجوم الأميركي قبل تسع سنوات. والتقارب ناتج عن ضعف الدولة وهشاشة الهوية المشتركة مقابل قوة القبيلة وتماسكها، وقوة المذهب وشدّه للعصب الأهلي للجماعة، وقوة القوم (الإثنيات والعرقيات) اللونية واللغوية وما تعكسه من دلالات انطوائية (انعزالية).

فكرة الانفصال أساساً ليست جيدة حتى في البلدان المتطورة اقتصادياً والمتقدمة اجتماعياً لأن طبيعة تقدم العالم تسير نحو الانفتاح والتواصل والترابط والتقارب. وإذا كان الانفصال سيئاً في كل الحالات فإن السؤال كيف سيكون حاله في بلدان فاشلة اقتصادياً ومتراجعة اجتماعياً؟ الجواب كارثة.

الانفصال في البلدان الموصوفة بالنامية (أو المتخلفة) سيكون أسوأ بعشرات الأضعاف لأنه يقارب التفكك والتشرذم كما حصل في يوغوسلافيا (الدمار الدموي الذاتي) ولن يقتصر على الانقسام الهادئ (الطلاق الوردي) كما حصل في دولة تشيكوسلوفاكيا في تسعينات القرن الماضي.

الاختلاف في التكوين ليس كافياً لتبرير الانفصال (الانقسام) والانكفاء إلى الهوية الصغيرة (العصبيات الضيقة) لأن التمايز بين البشر عادي وطبيعي ولكنه لا يعطي ذريعة للتمزق والتشرذم والتفكك إلى وحدات لا قيمة لها في عالم يندفع نحو بناء تكتلات كبرى تتجاوز حدود الدولة القومية كما تجنح دول الاتحاد الأوروبي باتجاه تحقيقه في المستقبل.

المشكلات الانقسامية – الانفصالية التي تهدد الدول العربية الثلاث لا تتوقف عند حدود التمايز الطبيعي المتعارف عليه إنسانياً وتاريخياً بل تتجاوز خطوط التماس الأهلي وتندفع باتجاه الانزلاق نحو آليات من العنف الذي يمزق الوحدات الصغرى ويعيد بعثرتها وتفكيكها نحو حلقات أصغر في الانتماءات والولاءات. فالسودان إذا انفصل جنوبه بعد مئة يوم يرجح ألا يستقر وتنتهي أزمته عند هذه الحدود. والعراق الذي يعاني أزمة حكومة بوصفها تشكل التعبير السياسي عن أزمة الوحدة وأزمة دولة غائبة وأزمة ما بعد الاحتلال يرجح أن يتداعى ذاتياً في حال فشل في التوصل إلى صوغ هوية جامعة (مصلحة مشتركة) تكون البديل الموضعي عن فسيفساء الطوائف والمذاهب والأقوام.

واليمن الذي يلاحق أزمة متدحرجة من الشمال إلى الجنوب ومن تحت إلى فوق لن تنحل مشكلته بالانقسام والانفصال في اعتبار أن كل جزء يحتوي على عصبيات ضيقة قادرة على تفكيك الجزء إلى أجزاء متناثرة.

مخاطر الانهيار المحتمل الذي يهدد الدول العربية الثلاث يحتاج إلى قراءة تتجاوز التبسيط الذي تعتمده إدارة واشنطن في رؤيتها أو تعاملها مع الخرائط الأهلية في دائرة «الشرق الأوسط». فهذه الخرائط المتوارثة عن الماضي لا تحتاج إلى تقسيمات تؤجج عصبياتها بل إلى وحدات تقودها مؤسسات دولة قوية وعادلة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2943 - الأحد 26 سبتمبر 2010م الموافق 17 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:07 ص

      خالد الشامخ : التفتيت هدف أسرائيلي

      يسعي العدو الفارسي و الاسرائيلي الي تحويل المنطقه الي دويلات من الطوائف و الاعراق فمن نجاحهم في تقسيم العراق و الصومال و الدور القادم السودان و اليمن و لبنان..فهل نفيق من غيبوبتنا و نتحد علي الحلوه و المره بعيداً عن الاصطفافات ...

اقرأ ايضاً