العدد 2949 - السبت 02 أكتوبر 2010م الموافق 23 شوال 1431هـ

مأزق إسرائيل والفلسطينيين أمام مفاوضات واشنطن...

شفيق الغبرا-ينشر بالتعاون مع مشروع منبر الحرية 

02 أكتوبر 2010

المفاوضات المباشرة في هذه المرحلة هي أفضل الخيارات الصعبة أمام السلطة الفلسطينية، لأنها تساهم على الأقل مرحلياً في زيادة الضغط على إسرائيل لإيقاف الاستيطان وتخفيف الضغط الأميركي على الفلسطينيين (الطرف الأضعف)، إضافة إلى إبقاء الرئيس أوباما مهتماً باستمرار المفاوضات والتعامل مع القضية الفلسطينية، كما أنها تبقي دولاً عربية رئيسة مثل مصر والأردن وراء محاولة إبقاء فرص السلام قائمة.

لكن من جهة أخرى، إن وجود معارضة لهذه المفاوضات في الساحة الفلسطينية والعربية من قبل حركة «حماس» و «حزب الله» وقطاعات أخرى فلسطينية، بالإضافة إلى سورية وإيران يبدو مفهوماً ومتوقعاً. ويضاف إلى ذلك أن الدول العربية ليست في جُلّها وراء هذه المفاوضات، والدول المشاركة كمصر والأردن ليست متأكدة من النتيجة وذلك لقناعتها بمحدودية ما تستطيع إسرائيل تقديمه في هذه المرحلة. وتأتي العملية المسلحة التي قامت بها «حماس» وأدت إلى مقتل أربعة مستوطنين في الخليل منذ أيام لتؤكد طبيعة الوضع الذي ينتظر إسرائيل في حال استمرار الاحتلال والاستيطان. في الإمكان القول إن الطرفين («فتح» و «حماس») على صواب في الموقف من المفاوضات (قبول «فتح» ورفض «حماس»)، لكنهما على خطأ كبير في عدم صوغ صيغة وحدة وطنية تدعم الموقف الفلسطيني المفاوض بينما لا تسقط وسائل النضال الأخرى.

وستتعرض المفاوضات لقضايا لا تقوى إسرائيل بقيادتها اليمينية الراهنة على تقديم حلول لها. فقضايا اللاجئين والمستوطنات والقدس والدولة والحدود والمياه وكل ما يتفرع عنها ستفعل فعل المتفجرات في المفاوضات. بمعنى آخر لا توجد قواسم مشتركة بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، فكل منهما في المفاوضات لأسباب ودواعٍ لا علاقة لها بموضوع التفاوض، فالإسرائيلي يريد أن يخفف الضغوط العالمية والأميركية عليه ويريد أن يفترس المفاوض الفلسطيني والأرضي التي يقف عليها، بينما الوفد الفلسطيني يريد أن يوقف زحف الاستيطان ويخرج من المفاوضات محققاً دعماً عالمياً أكبر لينجح في إقامة دولة فلسطينية وخلق شرخ أميركي - إسرائيلي. بل على الأغلب يسعى الطرف الفلسطيني، في حال فشل المفاوضات، إلى إقناع القوى الدولية بأهمية مساعدته على إقامة دولة فلسطينية من طرف واحد وبضمانات دولية.

ويزيد الأمر صعوبة إصرار إسرائيل على اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة غير مكتفية بالاعتراف بإسرائيلية الدولة. لكن الاعتراف بيهودية إسرائيل سيعني إضراراً كبيراً بمصالح الأقلية العربية (الفلسطينية) غير اليهودية المكونة من مسلمين ومسيحيين في إسرائيل. هذه الأقلية الفلسطينية العربية تمثل في المئة من مواطني إسرائيل. هل يعقل مثلاً أن يكون هناك اعتراف بمسيحية الدولة بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟ ماذا سيعني هذا بالنسبة إلى اليهود والمسلمين والبوذيين وغيرهم من مواطني الولايات المتحدة؟ إن فكرة يهودية الدولة في إسرائيل فرضية عنصرية تعيد إلى الذاكرة الكوارث التي جاءت مع الصهيونية منذ نشوئها.

وهناك عنصر رئيسي في المعادلة يترك أثراً كبيراً في السلوك الأميركي الراهن. ففي هذا الشهر تحلّ الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول، ومع ذلك لم يتم حتى الآن اقتلاع الإرهاب، كما أن الولايات المتحدة لم تحقق انتصاراً حاسماً في هذه الحرب أو تلك التي في العراق وأفغانستان والآن في اليمن وباكستان. ويضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تدفع سنوياً مئة مليار دولار في أفغانستان وحدها، كما أنها أمام تحدي الوضع الاقتصادي منذ الأزمة المالية العالمية.

هناك إذاً بيئة سلبية للدولة الكبرى اقتصادياً وبيئة تفرز الإرهاب إقليمياً في الشرق الأوسط. هذه التطورات ساهمت في تنمية إدراك بين فريق الرئيس أوباما بأن الكثير من الرفض للولايات المتحدة في العالم الإسلامي مرتبط بعمق دعمها لإسرائيل واستيطانها وحروبها واحتلالها.

إن الولايات المتحدة تخوض نقاشاً كبيراً على مستوى الإدارة، وبدأت تكتشف أن جزءاً كبيراً من الورطة الأميركية في الشرق الأوسط مرتبط بحالة الاحتلال والقهر والاستيطان الإسرائيلية وجميع الآثار والأبعاد التي تثيرها هذه الحالة في جميع المجتمعات العربية والإسلامية.

لنأخذ تصريح الرئيس أوباما منذ أسابيع قليلة ما يعكس طبيعة الأجواء في الإدارة الأميركية الراهنة: «إن حل الصراع في الشرق الأوسط مصلحة رئيسة للأمن القومي الأميركي». ثم أردف قائلاً: «إن صراعات كالتي تقع في الشرق الأوسط تكلفنا كثيراً من الدماء والإمكانات».

لنأخذ تصريحات الجنرال بترايوس عندما كان رئيساً للقيادة الوسطى وقبل استلامه قيادة القوات الأميركية في أفغانستان عندما قال في الكونغرس الأميركي في مارس/ آذار الماضي «إن عدم تحقيق تقدم في حل الصراع العربي - الإسرائيلي يخلق بيئة عدائية للولايات المتحدة». بل وصف بترايوس الصراع العربي - الإسرائيلي بأنه «أول موضوع يؤثر بصورة شاملة في الأمن والاستقرار في المنطقة». كما أوضح أن الصراع في المنطقة «يخلق مشاعر معادية للولايات المتحدة ناتجة من الانطباع بأن الولايات المتحدة تؤيد إسرائيل». كما قال إن «الغضب العربي المرتبط بالصراع يحد من قدرة الولايات المتحدة على بناء شراكة مع دول المنطقة وشعوبها».

لكن كما هو الحال في كل مفاوضات، من يعرف كيف ستتطور في ظل ارتفاع وتيرة الهجوم الذي تتعرض له الإدارة الأميركية من القوى المؤيدة لإسرائيل في الساحة الأميركية؟ ولكن قد يقدم نتنياهو تنازلاً بسيطاً في شأن الاستيطان ينتج منه سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية وانتخابات جديدة يصعب على نتنياهو الفوز بها. وهل يسعى نتنياهو إلى عقد ائتلاف مع أحزاب إسرائيلية أقل تطرفاً للوصول إلى صيغة تنهي بالنسبة إليه عدم الاستقرار الناتج من احتلال الأراضي الفلسطينية وحصار غزة واحتلال القدس والجولان؟ وقد يفكر أوباما في مرحلة مقبلة كما يدعو مروان المعشر وزير الخارجية الأردني السابق في مقال له الأسبوع الماضي إلى إشراك مزيد من المفاوضين الإقليميين ومشاركة الأطراف الفاعلة بلا استثناء بما فيها سورية والسعودية. بل يحذر المعشر من أن الأسلوب الراهن لن يحقق السلام.

وعلى رغم تداخل الموقفين الإسرائيلي والأميركي ودور جماعات الضغط الإسرائيلية ودور الكونغرس الأميركي المنحاز لإسرائيل، إلا أن هذه الإدارة ترث من الإدارة السابقة حالة تراجع في منطقة الشرق الأوسط في ظل عدم القدرة على احتواء الإرهاب وتنظيم «القاعدة» والوضع في كل من أفغانستان والعراق واليمن وباكستان وفلسطين. إنها إدارة لا تمتلك أوهاماً حول إسرائيل وشن الحروب الاستباقية والاستيطان. لكنها لتصل إلى الحفاظ على وضعها الدولي والتراجع الهادئ والتخلص من سلسلة الحروب التي تورطت فيها، عليها أن تسير في خط صعب وأن تمارس دبلوماسية دقيقة. إن تعاملها مع الصراع العربي - الإسرائيلي بصفته جوهر صراعات الشرق الأوسط يمثل مدخلاً ضرورياً يجب أن نرحب به. التعامل مع الصراع هو جوهر التعامل مع الورطة الأميركية في الشرق الأوسط الكبير.

إن المأزق الذي تجد السلطة الفلسطينية نفسها فيه ويجد الشعب الفلسطيني أنه يعيش وسطه تحوَّل أيضاً إلى مأزق تعيشه الإدارة الأميركية هي الأخرى، وتحوَّل أيضاً إلى مأزق إسرائيلي لا تعرف إسرائيل كيف تتعامل معه بعيداً عن الإمعان في تعميقه من خلال مزيد من الاستيطان. قد تمثل المفاوضات كما هي الآن محطة في صراع عصي على الحل وإن كان حله حلاً عادلاً لايزال في مصلحة كل الشعوب

العدد 2949 - السبت 02 أكتوبر 2010م الموافق 23 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً