العدد 297 - الأحد 29 يونيو 2003م الموافق 28 ربيع الثاني 1424هـ

النجاح في الحياة أولا

منيرة العليوات comments [at] alwasatnews.com

يعتقد معظم الآباء والأمهات ان نجاح الأبناء ينحصر في تفوقهم العلمي وحصولهم على المعدلات العالية وفي امتيازهم بالشهادات الأكاديمية، فينصب اهتمامهم على هذه الناحية مع اهمال نواح كثيرة لا تقل أهمية عنها. فيعيش الابن في متابعة دراسية تفوقية في هذه المادة أو تلك. مع العمل الفوري على تقويته مباشرة في أي جانب من جوانب تحصيله العلمي، وتصرف الأسرة أموالا طائلة معتقدة ان العملية تنتهي بمجرد حصوله على الشهادة الأكاديمية المتفوقة ولكن المشكلة هنا تبدأ وقد لا تنتهي، إذ ما ركزت الأسرة عمليتها التربوية على الجانب العلمي فقط مع اغفالها لجوانب حياتية كثيرة قد تعرض تحصيل ابنها العلمي الى هزات لا طاقة له على تحملها أو مواجهتها، فيفشل بعد كل ما حققه من نجاح وانجزه من تقدم. إذ علينا ومنذ صغره ان نعلمه كيف يواجه الحياة بما فيها من مستجدات وتقلبات ومتطلبات، كيف يحاور ويقنع الآخر بما لديه من أفكار سليمة حين يتعرض لمواقف لا تنفع فيها لغة الشهادات، إنما تتطلب لغة حوار منطقية وبشخصية ثابتة تقف فوق أرض صلبة متينة من الثقافة والمعرفة بكل ما يدور حولها. إنسان واثق يحاور بالحجة والاقناع من دون ان تستفزه الالفاظ او الاشخاص. وهذا طبعا لا يكتسبه الابن إلا بالمران والتلقين من والديه... وبالممارسات الحوارية الناجحة التي يعتادها منذ صغره. فإذا اغفل الوالدان هذه النقطة الحساسة ولم يتعاملا مع ابنهما على هذا الأساس ولم يعلماه منذ البدء كيف يحاور الآخر وبنجاح فسيفقد الابن عنصرا من عناصر النجاح في الحياة فلا منطق سليم ولا حجة حوارية قوية تقنع الآخر. مجرد انفعالات وعبارات مبعثرة لا طائل منها... وكثيرا ما نصاب بالدهشة والاستغراب حين نسمع أن كلينا عاد من دون ان يكمل دراسته في الخارج وان فلانا من المتفوقين الناجحين وباستمرار وببساطة جدا ربما تعرض هذا الابن لاحباط أو فشل لم يتعودهما ولا يملك القوة أو الإرادة على الصمود وإعادة المحاولة أيا كانت وسبب ذلك انه لم يتعود الفشل بل تعود دائما ان يحصل على ما يريد ساعة يريد... فكيف يقوى على تحمل الصدمات وخيبات الأمل من دون ان يصاب بتوتر نفسي حاد يدفعه للعودة من دون تفكير وتعريض حياته العلمية للفشل. ثم ان تعويد الابن ومنذ صغره على التعبير عن مشاعره السلبية منها والايجابية وفي حدود الادب الرفيع والأخلاق الحميدة وابعاده عن انفعالات الغضب الشديد الذي قد يدفعه لارتكاب الكثير من الأخطاء الجسام في حق نفسه والآخرين - يجعله في مأمن من المناقشات الحادة والاختلاف في وجهات النظر وحتى التنازلات عن بعض الرغبات.

وهذه العادة الحميدة لا يمكن ان يكتسبها طفل نشأ في بيئة انفعالية غاضبة باستمرار، إذ كيف له السيطرة على عادات اكتسبها من والديه او من احدهما دفعتهم لارتكاب اخطاء جسام في حق ابنائهم؟ وكيف يكبح جماح غضبه وقد نشأ في بيت يفقد افراده التعقل والاتزان عندما تنتابهم نوبات الغضب فتنشأ من داخله شحنة انفعالية تظهر عند تعرضه الى مواقف مثيرة وتفقده الكثير من التعقل والهدوء وبالتالي يرتكب حماقات يندم عليها فيما بعد.

وسؤالي الآن، وقبل ان نرسل أولادنا الى البلاد البعيدة حيث المواجهات الحادة الصارمة مع كل ما هو جديد وغريب ومثير وغير مألوف لديهم. هل علمناهم كيفية التعبير عن مشاعرهم بهدوء؟ وهل عودناهم الجرأة والاقدام في الحق ضمن مجموعة كبيرة من الناس من دون خو ف او تردد؟ وهل زودناهم بشحنة قوية من الشجاعة... في القول والفعل تمكنهم من ابراز شخصياتهم وقدراتهم إذا تعرضوا الى مواقف أو مناسبات مع الاصدقاء.

فإذا كان الجواب نعم فإنه يعادل وبجدارة امتيازهم في الشهادات الأكاديمية ولا خوف عليهم لأنهم قادرون على المواجهات والتحديات وليبارك الله لكم فيهم ويعيدهم سالمين بعد ان حققوا النجاحين - النجاح الأكاديمي والنجاح في الحياة

العدد 297 - الأحد 29 يونيو 2003م الموافق 28 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً