العدد 2971 - الأحد 24 أكتوبر 2010م الموافق 16 ذي القعدة 1431هـ

23 أكتوبر... إرادة الناس تصنع التغيير

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

ستكون التجربة السياسية في البحرين على محك التغيير لأول مرة منذ عشر سنوات... هذا الملخص المفيد لوصف تداعيات يوم تاريخي بكل ما للكلمة من معنى.

سيتذكر البحرينيون لأمد طويل يوم الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2010 لأنه شكّل محطة تحوّل كبيرة في مجرى الحياة السياسية في البحرين، وهذا التحول سيترك آثاراً اجتماعية وسياسية وسيخلق تجربة سياسية بمواصفات مختلفة.

«الوفاق»، وريثة الحراك الجماهيري المطلبي في تسعينيات القرن الماضي، تخرج بقوة لتكسر الرقم القياسي في عدد المقاعد في المجلس النيابي، جمهور «الوفاق» لا يزال متمسكاً بشعاره القديم - الجديد «البرلمان هو الحل»... ودفعت الساحة السياسية وتحديداً (الشارع الشيعي الإسلامي) فاتورة باهظة من التضحيات لتصل إلى إقناع الدولة بالعودة إلى منطق العمل السياسي الصحيح وعودة الحياة النيابية، ومن وجهة نظري فإن ما حدث في 23 أكتوبر هو المحطة الثانية في القطار الإصلاحي، وهو دليل على تراكم الوعي والتمسك بالنهج السلمي كخيار استراتيجي للإصلاح.

«الوفاق» ومنذ قرارها الجريء بدخول المعترك الانتخابي في العام 2006 كانت أمام تحديات عسيرة، وهي التغلب على جراحات الماضي من أجل التوافق السياسي، ومن أجل الانسجام مع المتغيرات المحلية والدولية. وتجربة «الوفاق» في قبة البرلمان كانت شاهدة على أهمية أن تسجل الجماهير تواجداً فاعلاً في دوائر صناعة القرار، وكانت المشاركة دليلاً على رغبة حقيقية في مد يد الشراكة مع السلطة.

بالرغم من كل المعيقات، فإن تجربة المشاركة ثرية ومهمة واستراتيجية وجديرة بالتأمل وخلقت انتقالاً تدرجياً إلى حالة التناغم بين الحراك الجماهيري ذي السقف المرتفع وبين الواقعية السياسية والمرونة والصبر والتحدي والمثابرة ومجابهة التحديات التي يتطلبها العمل السياسي في الإطار المؤسساتي.

الفوز التاريخي لجمعية «الوفاق» بجميع مقاعدها البرلمانية له دلائل ورسالات مختلفة وفي اتجاهات عديدة. هذا الفوز الكبير يعني في ضمن ما يعني أن «الوفاق» هي القوة التي تستحوذ على الشارع السياسي الشيعي، ويعني هذا الفوز أيضاً أنه بديل واضح وواقعي عن «الوفاق» يوازي ثقلها الجماهيري وعملها المؤسساتي. وهذا الفوز يعني أن خيار السواد الأعظم من الجماهير هو العمل السلمي التراكمي عبر الضغط الجاد لتحقيق المطالب من خلال استثمار كل القنوات المتاحة وفي مقدمتها مجلس النواب الذي يعد لاعباً أساسياً في المشهد السياسي البحريني، رغم الاختلاف على مفاصل وصلاحيات المجلس بسبب القيود المفروضة في التعديل الدستوري واللائحة الداخلية.

يمكن القول بكل ثقة إن «الوفاق» التي حققت لوحدها قرابة نصف مقاعد المجلس النيابي من حق جمهورها أن يطالب ومن دون خجل بتمثيل متوازن في المناصب العامة والرسمية.

من الواضح للغاية أن الحكومة أرادت من نتائج الانتخابات أن توصل رسالة مفادها أن ثمة نمطين من التعامل مع الخيار الجماهيري، الخيار الأول هو الخيار السياسي وسيكون ذلك مع «الوفاق» التي ترتضي المشاركة في العملية السياسية بسقفها الحالي، وهذه الرسالة الحكومية تعني أن فريقاً في السلطة يؤيد التعاطي الإيجابي مع «الوفاق» وإشراكها في الحراك السياسي. وهذا هو الخيار المفضل لدى الدولة رغم تكلفته.

أما الخيار الآخر هو التعامل المغاير مع الخيارات الأخرى في الساحة التي تملك سقفاً أكبر من ثوب الحالة السياسية في البحرين. وهذا الخيار تجلى على نحو واضح منذ شهر رمضان الماضي.

لكن الحدث الأبرز في 23 أكتوبر، هو التراجع التاريخي لقوى الإسلام السياسي السنّي الذي يبرز في جمعيتين كبيرتين، هما «الاصالة الإسلامية» ذات التوجهات السلفية، والأخرى هي «المنبر الوطني الاسلامي» التي تحمل فكر الإخوان المسلمين. فهاتان الجمعيتان ظلتا مسيطرتين ومن دون منافس على جزء كبير من الشارع السياسي، ولكن المفاجأة هي أن كلتا الجمعيتين منيتا بخسارة تاريخية كبيرة وفاقت كل التوقعات. وهذا يدل على مؤشرات عديدة، وهي تبدل مزاج الشارع السني، ومن المناسب أن نصف ما حدث بأنه «انقلاب حقيقي في خيارات الناخبين». وهذا التغير التاريخي وإن كان مفاجئاً لكنه من المحال أن يكون وليد اللحظة. فهو نتاج تفاعلات تجري أفقياً وعمودياً في مناطق «المنبر» و «الأصالة».

ليس خافياً أن تتلاقى رغبة التغيير في مزاج الشارع السياسي الذي كانت تمثله الجمعيتان مع رغبة الحكومة في خلق تغيير كبير، فالدولة تريد أن تعيد تقييم الموازين والأوزان وتعيدها إلى حجمها الطبيعي. وربما رأت الدولة أن ثمة تغييراً يجب أن يصل إلى مجلس النواب، من خلال كسر الهيمنة السلفية والإخوانية على مقاعد المجلس لدورتين متتاليتين.

ما حدث في 23 أكتوبر له أثر كبير في تغيير تركيبة المجلس النيابي. فيمكن وبكل ثقة الحديث عن تركيبة جديدة ومغايرة ومختلفة للمجلس النيابي المقبل، فـ «الوفاق» ستكون الأكثر تأثيراً، لأنها لديها 18 مقعداً من أصل المقاعد الأربعين. وفي حال حدوث معجزة تتمثل بوصول مرشحي جمعية «وعد» (الحيلف الاستراتيجي لـ «الوفاق») فهذا يعني أن المعارضة ستملك نصف مقاعد المجلس المنتخب. وستكون لها اليد الطولى في تحديد مجرى الكثير من القضايا.

وفي الجانب الآخر من الصورة، فإن المقاعد العشرين الأخرى ستتكون من تيار عريض وواسع ومتنوع من الاقتصاديين والليبرالييبن والمستقلين غير الإسلامين، وهذه المقاعد لن تكون حكراً على الإسلاميين السنة كما كان سائداً ومنذ عودة قطار التجربة البرلمانية في البحرين.

الشارع التجاري سيكون ممثلاً بشكل جيد في المجلس النيابي الجديد، وهو انتصار لإرادة القوى المؤثرة في المشهد الاقتصادي، ومن بينها «بيت التجار»، وهي تعكس أيضاً رغبة محمومة لدى أوساط غير قليلة في الشارع التجاري في استعادة نفوذ تاريخي، فالتجار كانوا يلعبون دوراً كبيراً في الحياة العامة، وكانوا النافذة المفتوحة بين السلطة والشارع لفترات طويلة. وعرف التجار دائماً ببعدهم عن الهوس الطائفي، وسيساهم التجار بفاعلية في ترطيب جو المجلس وتنقية البرلمان من أي ممحاكات طائفية. وسينعكس تواجدهم إيجاباً على طبيعة القضايا المطروحة، فجزء كبير من مشاكل الناس هي اقتصادية ومعيشية وإن اتخذت طابعاً سياسياً.

الفوز الوفاقي التاريخي والذهبي، ينتظر تحدياً صعباً وهو الحفاظ على اللقب، فيجب التذكر أن الوصول إلى القمة له ثمن. وثمنه الأول هو كسب رهان الناس والتميز في الأداء والسعي الدؤوب لإقناع الشارع العريض بنتاج المشاركة، وخصوصاً في الجانب الخدماتي، فالكثير من جماهير «الوفاق» تعيش في بيوت آيلة للسقوط وفي واقع معيشي ضاغط والمناطق التي فازت فيها «الوفاق» تفتقر إلى الخدمات الأساسية. لذا من الخطورة بمكان التركيز فقط على الجانب السياسي، بل يجب إيلاء أهمية قصوى لتنمية المناطق المحرومة من الخدمات والعمل على خلق واقع أفضل ينعكس بشكل مباشر على حياة الناس.

أما جمعيتا «المنبر» و «الأصالة» فعليهما إجراء جردة حساب ومراجعة شاملة لكل الأداء، والتفكير بموضوعية في نتائج ما حدث. ولا بد من إجراء تغييرات كبيرة في الخطاب والأداء والتواصل مع القواعد الشعبية، وكل هذا لن يتحقق إذا استمرت الوجوه الحالية، فحان الوقت لرؤية قيادات ودماء ووجوه جديدة تعيد الهيبة إلى الجمعيتين.

من غير كثير عناء، سيقول أيّ مراقب حصيف إن 23 أكتوبر 2010 هو بداية التغيير. ونأمل أن يكون ذلك بداية جديدة وصحية لخلق بيئة سياسية جديدة ديناميكية وحيوية ومتفاعلة. تجربتنا السياسية في تطور، والعمل التراكمي حاجة مهمة إذا أحسنّا استثمارها فسنكون أمام فرصة تاريخية لإيجاد نقلة جديدة في العمل السياسي... الناس خرجت في طوابير طويلة وبحماس قَلَّ له نظيره لتقول كلمتها، إنها متعطشة للتغيير ضمن الواقع السياسي القائم. ويجب تقدير ذلك وتثمينه من جميع الأطراف.

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2971 - الأحد 24 أكتوبر 2010م الموافق 16 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:43 ص

      الرسالة الحكومية

      الأخ حيدر محمد
      أشكرك على هذه الاحتفالية بنصر الوفاق الساحق، وأحب أن أشدد على الاقتباس التالي: (من الواضح للغاية أن الحكومة أرادت من نتائج الانتخابات أن توصل رسالة مفادها أن ثمة نمطين من التعامل مع الخيار الجماهيري، الخيار الأول هو الخيار السياسي وسيكون ذلك مع «الوفاق»)
      طبعا الرسالة وصلت إلى الشيخ علي سلمان قيعلن عن ثقته بالفوز قبل نحو اسبوعين من الانتخابات، وليستبق النتائج الرسمية ليعلن عن فوز الوفاق بجميع دوائرها

    • زائر 2 | 3:47 ص

      هذه الحقيقه

      بسمه تعالى فوز الوفاق يعنى ان الشعب البحرين يحمل اعلى واعظم ولاء لوطنه وحكومته وجمهوره ويصر على اكمال الطريق الذى جاهد ويجاهد من اجلها وهى الدمقراطيه الحقيقيه

    • زائر 1 | 12:10 ص

      إنه شعب البحرين ياحيدر!!

      نعم سيدي الكاتب إنه شعب البحرين الذي كان ولا وزال وسيستمر في صنع الملاحم منذ (ملحمة) دخوله الإسلام برسالة بعثها رسول الله ص إليهم وليس آخرها 23 أكتوبر 2010!! نعم إنه شعب البحرين الأصيل والأصيل فقط وفقط ومليون فقط.. لايعتقدن أحد أن هذا الشعب يمكن أن يقبل بغير أن يكون في ريادة شعوب المنطقة من تعليم وثقافة وعمل سياسي راقي وووووو..
      أقول يجب على الحكومة أن تحفظ لهذا الشعب الأصيل هيبته وكرامته وترد له الجميل على هذه الملحمة التي سطرها يوم 23/10/2010
      عزيز الدرازي

اقرأ ايضاً