العدد 2995 - الأربعاء 17 نوفمبر 2010م الموافق 11 ذي الحجة 1431هـ

مناهج البحث في الدراسات الصينية في مصر والعالم العربي (2 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

أما الدراسات المتعددة والعميقة للباحث الأكاديمي والدبلوماسي السوداني الدكتور جعفر كرار فتجعله بحق في مصاف النخبة الصغيرة في العالم العربي المتخصصة في العديد من جوانب السياسة والتطور المتعدد المجالات في الصين.

وتأتي دراسات وبحوث كاتب هذا المقال (الدكتور محمد نعمان جلال) بوجه خاص، والتي بدأت منذ العام 1965 عن الثورة الثقافية البروليتاريا التي انطلقت بداياتها العام 1965 وعلى الأخص من أغسطس/ آب 1966 وكانت موضوع دراسة الماجستير له وحللت التطور السياسي في معمعة الثورة الثقافية سعياً للبحث عن نموذج للتطور الصيني، ومن ثم حللت الثقافة التقليدية ومدى تأثيرها، والجيش ودوره، والاقتصاد وتأثيره، والحزب وكوادره.

واعتمدت على مصادر متعددة من صينية مترجمة وغربية بلغاتها، كما حللت الفكر السياسي لماوتسي تونج في ضوء الكتابات الصينية الكلاسيكية والفكر الماركسي والكتابات الغربية.

كما نشر كتابه الأول عن الثقافة والتغير السياسي في الصين، ثم تابع ذلك بدراسة للدكتوراه عن العلاقات الصينية اليابانية دراسة في العلاقات الدولية ودور الدبلوماسية الشعبية في علاقات الدولتين في الفترة من 1949 - 1972 وتمثل دراسات نعمان جلال نموذجاً للمنهج المتعدد، كذلك كتابات الدكتور محمد السيد سليم (جامعة القاهرة)، وغيره من الأساتذة من جامعة القاهرة. وقد نظر هؤلاء للأبعاد المتعددة للتطور الصيني وعلاقاتها الدولية ويتجلى ذلك في إصدارات مركز الدراسات الآسيوية التي كان الدكتور سليم هو صاحب فكرة إنشائه وأول رئيس له.

وواصل الدكتور محمد نعمان جلال دراساته عن الصين في العديد من المقالات الصحافية أو الدراسات الأكاديمية التي نشرت باللغتين العربية والإنجليزية في عدد من الصحف والدوريات وشارك ببعضها في المؤتمرات الدولية المتخصصة، حيث ركز على التطورات المعاصرة وتفاعلها مع الثقافة وتأثيرها على الحضارة وبخاصة المدارس الفكرية في الصين القديمة وأثرها على الفكر المعاصر للقيادات الصينية من ماوتسي تونج وفكره العسكري المتأثر إلى حد كبير بفكر الاستراتيجي الصيني المشهور سون تزو، ثم العمل الإصلاحي المهم الذي قاده الزعيم الصيني دنج سياو بنج العام 1978 ومنهجه في الانفتاح، وبعده الرئيس جيانج تزمين وإضافته لمفهوم الرأسمالية الوطنية في وثائق الحزب، وأخيراً الرئيس خوجنتاو وفكره في الوئام والتقدم التكنولوجي، وأشرت في كلمتي في المؤتمر أيضاً إلى كتاب «الصين بعيون مصرية»، الذي قمت بتحريره وشارك فيه عدد من الخبراء المصريين، وقد ترجم هذا الكتاب للغة الصينية. كذلك دراساتي عن مفهوم التناغم في الحضارات الغربية والصينية والإسلامية.

وعن كيفية معالجة الصين للأزمة المالية بحيث أثبت أسلوب التعامل مع الأزمة وجود فكر استراتيجي صيني يمكن أن نصفه بأنه فكر استباقي للأزمات وليس تركها للفكر الاقتصادي الرأسمالي الحر بمفاهيمه التقليدية الخاصة بآلية السوق والعرض والطلب ونحو ذلك.

ونشير أيضاً لأحد المتخصصين الفلسطينيين في الشئون الصينية هو الدكتور مصطفى السفاريني السفير الفلسطيني الأسبق في الصين وقد نشر باللغتين الصينية والعربية كتاباً عن الصين هو بمثابة مذكرات, ولكن معظم دراساته وكتاباته في شكل مقالات وكتابات صحافية باللغة الصينية. كذلك نشير إلى كتابات الصحافي والسفير السوري لدى الصين السيد خير الوادي وحرصه على متابعة الشئون الصينية بعد انتهاء عمله الدبلوماسي في الصين.

وهناك أيضاً عدد من الدارسين للغة والثقافة الصينية، كما أشرنا، من جامعة عين شمس وعملوا في الصين مثل الدكتور ناصر عبدالعال المستشار السياحي المصري، والأستاذة عزة الحديدي مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية وهي من المتابعين الجيدين للأحداث الجارية بصفتها صحافية والأستاذ حامد صقر المستشار الإعلامي المصري الأسبق في الصين وغيرهم من خبراء العمل الإعلامي اليومي ولهم دورهم في التعريف بالصين وتطورها.

وفي هذا المقال الموجز نود أن نشير إلى أربع ملاحظات عامة الأولى أن الإشارة للدراسات والمناهج في الدراسات الصينية في العالم العربي ومصر بوجه خاص ليست استعراضاً شاملاً وإنما هي إشارات انتقائية كنماذج لما هو متوافر من معلومات عن هذه الدراسات في لحظة معينة عندما طلب مني فجأة ودون سابق إعداد التحدث في الموضوع في المؤتمر. والثانية إن الدراسات الصينية في إسرائيل كانت من الناحية الأكاديمية سابقة وأكثر تطوراً وعمقاً من الدراسات العربية واستفادت منها القيادات والسياسة الإسرائيلية بأكثر ما استفادت القيادات العربية بخبرات المتخصصين العرب في الدراسات الصينية، بل إن جنوب إفريقيا حرصت على الاستفادة من خبرة ومعرفة خبير مصري في الشئون الصينية عند إعدادها لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي الثاني في حين أن مصر ذاتها لم تستفد منه ولم تطلب التعرف على آرائه وخبرته عند إعدادها للمنتدى الإفريقي الصيني في شرم الشيخ أو المنتدى العربي الصيني أيضاً أو زيارات الرئيس مبارك وغيره من المسئولين للصين وهذا من المفارقات إذ إن هذا الخبير المصري معترف به على مستوى دولي في هذا المجال ولهذا لا عجب أن تتقدم العلاقات الصينية الإسرائيلية والهندية الإسرائيلية وتسير العلاقات الصينية العربية وبخاصة المصرية ببطء شديد لا يتناسب مع سبقها الزمني ولا مع تأييد العرب للمواقف والسياسات الصينية في الإطار الدولي. وقد لفت نظري في المؤتمر الرابع للدراسين في الشئون الصينية في شنغهاي خبيراً أميركياً يهودياً يقدم استشاراته لدولة عربية مهمة في العديد من المجالات ولا يستبعد أن يكون من بينها علاقات تلك الدولة مع الصين، وقد حظي هذا الخبير باهتمام واضح من المسئولين الصينيين أيضاً وألف كتاباً عن الرئيس الصيني السابق جيانج تزمين. الثالثة إن الدارسين الغربيين كان لهم فضل السبق في استخدام العديد من مناهج البحث العلمي عن الصين وهو ما استفادت منه الدراسات الأكاديمية في العديد من الدول الأخرى والرابعة تأثر الدراسات الصينية في داخل الصين بالمنهج الإيديولوجي والسياسي للقيادة الصينية وعدم قدرة الباحثين في الخارج من الاستفادة منها للاعتبار الإيديولوجي من ناحية ولأن معظمها كان مكتوباً باللغة الصينية من ناحية أخرى.

وإن كنت ألاحظ تطور منهج الكتابة للباحثين الصينيين في السنوات الأخيرة باستخدام منهج التحليل العلمي والتخلي عن منهج الإعلام السياسي الدعائي في كثير من كتاباتهم وهذا يعد تطوراً إيجابياً فضلاً عن اتجاه المزيد منهم نحو تعرفهم ودراساتهم للغة الانجليزية وتحدثهم بها في الكثير من المؤتمرات الدولية، وهذا كله يسهل التفاعل بين الأكاديميين الصينيين والأكاديميين من الدول الأخرى وخاصة من الدول النامية الذين لا تتوافر لديهم الخبرات اللغوية الصينية. الخامسة تتمثل في شكوى بعض الدارسين العرب من أنهم لا يجدون اهتماماً كافياً من قبل المسئولين الصينيين بدراساتهم أو تشجيعاً لها أو تمويلاً لبعضها كما يحدث بالنسبة للدراسيين والمتخصصين في شئون الصين في البلاد المتقدمة بما في ذلك إسرائيل وإن بعض الدارسين العرب ينشرون كتبهم على نفقتهم الخاصة ويوزعونها مجاناً وهذا يمثل عبئاً عليهم.

وختاماً فإنني أتمنى أن يستفيد العرب وبخاصة دول الخليج باعتبارها الدول العربية الصاعدة في القرن الحادي والعشرين وعلى الأقل في النصف الأول منه لما لديها من ثروات طبيعية، من خبرات المفكرين والباحثين العرب في شئون الصين وأيضاً في الشئون العربية وعلاقاتهم الدولية مع الدول الأخرى وليس فقط الاستماع للخبراء الأجانب الذين مع تقديرنا لهم لا يعرفون جذور وخلفيات الأوضاع والمصالح العربية بالقدر الكافي.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2995 - الأربعاء 17 نوفمبر 2010م الموافق 11 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً