العدد 3010 - الخميس 02 ديسمبر 2010م الموافق 26 ذي الحجة 1431هـ

تاريخ البحرين: نظرة استرجاعية تأملية (2 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ولكن إرادة شعب البحرين كما تجلت في الاستطلاع الذي أجراه مبعوث السكرتير العام للأمم المتحدة السفير الايطالي فيتوريو وينسبير جوشياردي أكدت حرص الشعب البحريني بكل طوائفه على استقلال البلاد وتوجهها العربي الإسلامي. ولقد نشر مركز البحرين للدراسات والبحوث العام 2007 وثائق الأمم المتحدة الخاصة باستقلال البحرين في مجلة الدراسات الاستراتيجية العدد التاسع الخاص، وكان يتولى رئاسة تحرير المجلة الدكتور محمد بن جاسم الغتم رئيس مجلس أمناء المركز آنذاك، وكان الدكتور محمد نعمان جلال يتولى مهمة مدير التحرير، وتولى عملية جمع تلك الوثائق ودراستها ونشرها وساعده في ذلك السفير البحريني كريم الشكر، الذي أصبح وكيل وزارة الخارجية للشئون الدولية بعد ذلك، وهو دبلوماسي مخضرم خاصة في مجال المنظمات الدولية. نشير إلى ذلك من قبيل إثبات التاريخ ودور الباحثين، وبالطبع ننوه بإصدار الدكتور عبدالله المدني الباحث البحريني لكتاب عن المبعوث الأممي وهو بدوره كتاب يستحق الإشادة، وفي تقديري أن العدد التاسع لمجلة الدراسات الاستراتيجية وكتاب الدكتور المدني من الكتب التي ينبغي أن تدرس في مدارس وجامعات البحرين وخاصة أقسام التاريخ الحديث.

الحدث الثالث: هو التطور البحريني الحديث منذ عهد الإصلاح والانفتاح بقيادة جلالة الملك حمد بن عيسى، ونشير في هذا الصدد لثلاثة أمور تستحق الدراسة المتأنية وربما التاريخية في سياقها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي:

الأول: برنامج الإصلاح لجلالة الملك حمد بن عيسى وميثاق العمل الوطني ودستور البلاد العام ، ولقد صدرت بعض المؤلفات في هذا الصدد ومنها كتاب (النظام السياسي لمملكة البحرين الإصلاح في إطار الهوية) للباحث في العلوم السياسية الدكتور محمد نعمان جلال، وصدرت طبعتان من ذلك الكتاب ولكن التجربة الإصلاحية الرائدة تستحق المزيد من البحث المتعمق.

الثاني: التطبيق العملي لتجربة تحديث البحرين التي قادها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء منذ استقلال البحرين حتى الآن، وهي التجربة التي حظيت باهتمام عالمي وأعطيت جوائز من الأمم المتحدة وغيرها لهذه التجربة لما تميزت به من إنجاز يعتمد على بعد النظر والرؤية المستقبلية.

الثالث: إطلاق رؤية البحرين 2030 الاقتصادية وهي رؤية عميقة وتتميز بالتحليل الدقيق للواقع الراهن وللتوقعات والآمال المستقبلية. وقد نشرت هذه الرؤية كاملة في عدد من الإصدارات من وزارة الإعلام ومن مركز البحرين للدراسات والبحوث وبخاصة مجلة الدراسات الاستراتيجية العدد رقم 13 لسنة 2008، وقد نشر تحليل عن هذه الرؤية في التقرير الإستراتيجي البحريني الثاني الصادر عام 2009 عن مركز البحرين للدراسات والبحوث، وتعتمد هذه الرؤية على ركائز ثلاث هي تصورات الإصلاح الاقتصادي للملك حمد بن عيسى، وإنجازات حكومة البحرين بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وخبرات جيل المستقبل ممثلة في تفاعلات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد مع المتغيرات والمستجدات الداخلية والإقليمية والدولية.

ولا ندري كيف سوف يسجل التاريخ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي لهذه التطورات، ولكن يهمنا من زاوية البحث العلمي أن تتوافر الوثائق والتطورات وأن يتوافر نخبة من الباحثين والمؤرخين والاقتصاديين والسياسيين على تحليلها في سياقها الاجتماعي، فالحدث التاريخي لا يتم في فراغ، بل في بيئة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، ومن يطلع على مقدمة ابن خلدون (1332-1406) أو على كتاب التاريخ المسمى «كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»، يجد المنهج شبه الموضوعي في تحليل الأحداث وربطها بعضها ببعض واستخلاص العبر والدروس المستفادة منها.

وبهذا يمكن أن نقدم للأجيال الجديدة خلاصة الأحداث وعبرها بعيداً عن التأثر بفكر مؤدلج لمصلحة توجه سياسي أو آخر. وهذا بدوره يعزز اللحمة الوطنية بين فئات الشعب وطوائفه، ويقوي الإحساس بالولاء والانتماء للوطن وقيادته التي أمكنها أن تعبر به، بروية واعتدال، مصاعب جمة في مسيرته.

ولعلني اختتم بنقطتين، الأولى: القول المأثور المنسوب للسيد المسيح «عجبي لمن يرى القذى في عين أخيه ولا يرى الخشبة التي في عينه»، والثانية القول المأثور من الحكم «لأن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام».

ما أريد قوله هو إن تاريخ أية دولة بما في ذلك البحرين يمكن أن يكون موضع اجتهادات متعددة، ولكن الأهم هو النظرة لما أصبح يطلق عليه فلسفة الوئام والتناغم والتعايش بين فئات المجتمع وطبقاته وطوائفه بعيداً عن مفاهيم الصراع الطبقي أو الفكري أو الطائفي، فالصراعات لا تزيد الأوضاع في أية دولة إلا تفاقماً وتدهوراً في حين أن التعايش والتناغم يؤدي إلى استقرارها وأمنها وتعايشها، وهذا ما أدركته حكمة القيادة في الصين منذ عهد دنج سياوبنج، وما عبر عنه المفكرون الصينيون بفلسفة التناغم في الوطن ومع العالم الخارجي، والإسلام قبل هؤلاء جميعاً أبرز ذلك، وأكد أن الاختلاف بين البشر سنة من سنن الحياة وأن الهدف الأسمى من خلق الكون هو التعارف والتعاون وأعمار الأرض. ولعل هذا الهدف هو ما ينبغي التركيز عليه في مناسبة احتفالات البحرين بعيدها الوطني في الأيام القليلة القادمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3010 - الخميس 02 ديسمبر 2010م الموافق 26 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:33 ص

      ختام مناسب

      المقالة حلوة و خاتمة المقال يؤكد قدرة ثاقبة لفهم المجتمع البحريني و الحاجة الماسة الى التناغم
      شكرا

    • زائر 2 | 1:46 ص

      كل شئ يصير

      لكن لو قمت بعمل استطلاع لآراء الناس هل ستجد يشاركونك هذا الرأي

اقرأ ايضاً