العدد 3021 - الإثنين 13 ديسمبر 2010م الموافق 07 محرم 1432هـ

حملات تصدير المعاني الإنسانية

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

لعل واحدة من أروع الصور الإنسانية التي لم نقف عندها طويلاً خلال السنوات الماضية، مشهد تقاطر البشر من مواطنين ومقيمين للتبرع بالدم في الحملات التي تنظمها الجمعيات الأهلية والمآتم الحسينية، ربما لأننا كنا منشغلين بالملفات السياسية والقضايا المعيشية، فأغفلنا الدور الذي تلعبه هذه الحملات في التقريب بين المذاهب وتذويب الفوارق الطبقية.

ما لم نلتفت إليه أن الدماء البحرينية أصبحت مختلطة، على رغم تباين الأديان والمذاهب والملل، فدم الشيعي يسري في عروق السني، ودم الفقير يعيد الحياة لغني شارف على مغادرة الحياة، ودم المسيحي يتمازج مع دم المسلم على حب الإمام الحسين (ع)، لتصبح كل الدماء مبذولة من النفس قبل البدن بصرف النظر عن المسار الذي تسلكه أو الجسد الذي ستخط مسارها فيه.

نحتاج اليوم أن نتمازج بين بعضنا البعض كما الدماء التي تنبعث في الشرايين جاذبة معها ابتسامة أمل على وجه مريض، لا تفرقنا الخلافات العقائدية وتقاطعات وجهات النظر، فجميعنا نحيا على أرض واحدة، هي الأم والأب والأهل والأصحاب وذكريات الطفولة الجميلة، بكل ما تحمله من أحزان ومسرات.

لقد أضحت حملات التبرع بالدم التي استطاعت أن تجمع 18 ألف كيس من الدم خلال أقل من عام، مثالاً صادقاً على أن مكونات هذا الشعب تأبى أن يفرقها أحد أو يزرع في وسطها الفتنة والشقاق، بل أثبت أبناء هذا الوطن أنهم عصيون على من يضمر لهم شراً ويسعى إلى خلق التناحر والاصطفافات الطائفية بينهم.

دعم هذه الحملات من قبل الدولة هو أبسط شيء يقدم لمشروعات الوحدة والألفة والتكامل الإنساني الذي لا ينزل إلى حضيض نزعات الفئة أو الجماعة أو الانتماء المذهبي، وهو خير رد على من يقسمون الناس وفق معايير ما أنزل الله بها من سلطان.

من يقطعون أشواطاً من بيوتهم على اختلاف قربها أو بعدها للتبرع بالدم، يحملون في داخلهم يقيناً حقيقياً وإيماناً واعياً يدفعهم إلى بذل أغلى الأشياء في أبدانهم، لزرع بذور الخير في نفوس الغير من دون انتظار مقابل سوى مرضاة الله، وهي تجارة مع الخالق لا ترقى إلى جشع من لا هم لهم سوى اللهث وراء الدينار، وإن تطلب الأمر ضرب كل الأخلاق والأعراف الطبية المهنية عرض الحائط.

في الدول الأخرى يسعى ذوو المريض للحصول على فئة دم مناسبة لإنقاذ حياته، وفي كثير من الأحيان لا تفلح هذه الجهود في الوصول إلى طريق سالك، فتضطر الجهات المعنية إلى الاستيراد من الخارج رضوخاً لمتطلبات الحاجة، وإن وجد متبرع تراه يترقب عائداً مادياً، فيما تزخر البحرين بكميات وافرة من الدم، يضخها أبناؤها طواعية بملء إرادتهم، حتى يكاد المخزون يغطي أغلب احتياجات المستشفيات العامة والخاصة، ولا تكون بذلك مجبرة على الاستيراد وطلب إعانة الآخرين من الخارج.

الآن نحن على مشارف موعد جديد مع أسمى معاني البذل والعطاء، ففي يومي الثامن والتاسع من محرم، ستنطلق حملة الإمام الحسين (ع) للتبرع بالدم للنساء والرجال، بعد أن حققت إقبالاً ملحوظاً ونجاحاً باهراً على مدى السنوات الماضية خلال موسم عاشوراء، ونترقب من المواطنين والمقيمين أن يتفاعلوا مع نداء الإنسانية، وأن يتحاملوا على مشاغل الحياة ومشكلاتها المعقدة، فيتوجهوا بقلوبهم قبل أجسادهم، تثبيتاً لدعائم الخير والمحبة والوئام.

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3021 - الإثنين 13 ديسمبر 2010م الموافق 07 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:22 م

      البحرين الى غزة

      ولد الصفار اذكر ان الكيان الصهيوني قد ندد في أحد الاعوام السابقة قيام المملكة البحرين بحملة تبرع بالدم لجرحا غزة وما كان ردة الفعل للجمهور إلى مواصلة العطاء والتبرع في الدم والمطالبه بتكرار نفس هذا التنظيم ، واليوم يقف كل مواطن ومقيم ليسمع صوت النداء من خلال قلمك ومضمون المقال لتلبيت النداء والوقوف في نفس الصف جنباً بجب فكلنا أخوه في الله واهل في الوطن

اقرأ ايضاً