العدد 3036 - الثلثاء 28 ديسمبر 2010م الموافق 22 محرم 1432هـ

إعلان تجاري... بين المسئول والمواطن

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

من الدروس المستفادة في الحياة أن تعرف بأن الأغبياء يكونون على صواب أحياناً، لذلك نخشى أن يأتي يوم نقرأ فيه إعلان في الصحف يعبر فيه المعلن عن حاجته الماسة العاجلة إلى شخص يشغل منصباً مرموقاً في شركته، يتصل بتوجيه زبائنه، ويشترط المعلن في مواصفات الشخص أن يكون غبياً كشرط أساسي، ولا مانع أن تتوافر فيه مع هذه الصفة أن يكون ثقيل الدم وشديد الرعونة والجهالة ويتمتع بصفة عدم الإحساس بالآخرين وقليل الإيمان.

لماذا اشترط المعلن هذه الصفات؟

لأن غالبية زبائن هذه الشركة لا يثقوا إلا بهذا النوع من الموظفين، كما ستكون من ضمن مهام هذا المسئول تجهيل الزبائن وإسقاط عقولهم بأيدي غيرهم وعواطفهم في بطونهم وأحلامهم في سلال المستحيلات.

ويقول المعلن إنه سيتم توفير إمكانات جبارة لمن توكل له تلك المهمة، لكي يتسنى له اتمام عمله بالشكل الأمثل وطبقاً للشروط والمواصفات سيوفر له العديد من كبريات وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمكتوبة، ذائعة الانتشار من تلك الوسائل التي وضع على رأسها أغبياء مختارين بعناية من قبل، اجتازوا الاختبارات بنجاح منقطع النظير، فأنتجوا بما توافر فيهم من مواهب جيلاً كبيراً من الجهلة الأغبياء والانتهازيين. الذين تم تغييرهم بعقول أفضل منهم وما يميزهم عمن سبقوهم بأن عقولهم لم تستخدم قط.

قد يرى البعض هذا التوصيف مبالغاً فيه وقد يرى البعض أن هذا الإعلان قد يكون المعلن محقاً فيه، لتصحيح محطات الفشل في مسار صراع الفرد عن نسبة الرضا المفقودة، ليس كل الرضا، ولكن بالدرجة الدنيا منه.

إن المستهلك «المواطن» الباحث عن البضاعة الجيدة التي يتأملها، ويتم وعده بها مراراً وتكراراً، تلك الوعود التي لم تزد المستهلك إلا ظمأ للحق وجلداً للذات وتكبيتاً للضمير أملاً في البضاعة المرجوة. وكل ذلك ليس أكثر من بكاء على الحليب المسكوب. لان ذلك المسئول الغبي بالشركة جاء من رحم المستهلك نفسه أي من بيئته!

في ظل كل تلك المعطيات تشعر بأن هناك أزمة ثقة بين التاجر والمستهلك، لذلك يجب تفسير هذه الأزمة أولاً قبل الولوج بحلها، وللوصول لذلك لابد من معرفة أسبابها.

هل تلك الأسباب تعود للتاجر وجشعه أو بخله أم لعدم معرفته باحتياجات المستهلك وسوقه المستهدف، أو المشكلة تتمثل في المستهلك نفسه وذلك لأنه لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب؟ أو لأن التاجر ليس من بني جنسه، لهذا يختلق الأعذار والأعذار ويشوه صورة البضاعة المعروضة فقط لإفشال هذه التجارة وإن كانت تمثل احتياجاته. ولهذا ترى المستهلك يتقبل هذا النوع من مسئولي الشركات التي تحرص على مصادرة عقولهم وتسقط عواطفهم في بطونهم وتمارس عليهم الشعوذة في بعض الأحيان، وأوهامهم بأن بالبضاعة القادمة ستكون أفضل جودة من سابقتها وهذا يتكرر في كل حول.

يمكن أن يكون لهذا الرأي وجاهته، وخاصة إذا لم يصاحبه فعل لكنه ليس القول الفصل ككل رأي، والحق الذي لا حق غيره، فهناك من يرى أن أجيالنا المتتابعة في حاجة إلى من يعينها على تنشيط ذاكرتها وتنمية وعيها بما أحاط بها من إحباط من ما تم عرضه بهذا السوق. لذلك وجب الوقوف عند هذه البضاعة والتمحيص بإعلانات تسويقها قبل التمحيص بها، أولاً؛ حفاظاً على الذوق العام، وثانياً كي لا تفقد الأجيال القادمة حاسة الذوق بما هو جيد وما هو سيئ، ولتصحيح بوصلة هذا السوق.

وليكن معلوماً للتاجر إن كان جشعه هو السبب فليتذكر بأن هناك من أحسن الظن به، وإن كان الخلل بالمستهلك فعليه أن يراعي المعروض ويبني عليه، وأن يتجاوز خلافه مع التاجر كي يتجنب عجرفة واستبداد مسئول الشركة الغبي الذي بالأساس خرج من رحم المستهلك.

وعلى فكرة ليس من الضروري أن تكون هناك بضاعة بالأساس فهناك مسئولين تم استعمال جهودهم بعد إيهامهم بأن هناك بضاعة لتسويقها واتضح بأنهم بقرة حلوب لغيرهم فحق عليهم القول مثل الذي يحمل أسفاراً.

قد يسأل البعض لماذا نقرأ واقعنا بهذه الصيغة، التي توصف الوضع القائم بين التاجر والمستهلك، هذا لترك المجال لما جاء بها للنقد والتمحيص، ثم تقييم أسس وأصول جديدة للنظرية الاقتصادية أم السياسية لمقاصد الفعل. كما أن المسألة ليست بكاء على الأطلال وليست نحيبا للعاجزين، وإن كانت أسباب وعلامات العجز تحاصر الكثيرين، المسألة أنه من الحق المفيد أن نقول لأجيالنا، التي لم تعش بعض الظروف ولم تحظَ ببعض التفاصيل، إننا أحسنا الظن بغيرنا ومددنا أيدينا لهم وتفاعلنا معهم، وامتثلنا لمقولة البضاعة الجيدة قادمة لا محالة وخدعنا أو خدعنا أنفسنا.

لهذا ليس من الموضوعية أن نترك أجيالنا تنقم علينا، إن ظلت ذواكرنا حية نشطة لم تدمرها سنوات الانتظار.

لهذا نقول عجبا لمن يغسل وجهه عدة مرات في النهار ولا يغسل قلبه مرة واحدة في السنة كي يحس بأهمية البضاعة الجيدة للمواطن خاصة بعد طول انتظار.

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 3036 - الثلثاء 28 ديسمبر 2010م الموافق 22 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:53 ص

      مادري شاعلق

      اخي الكريم ابو خالد
      اتمني ان تكون فكرتك وصلت لمن يهمهم الامر
      ففعلا هناك تشبيه بليغ بين مقالك وبين واقعنا الاكثر من غبي
      عندما نتعامل مع جهات سواء فهموا او لم يصل لهم الفهم بعد
      اشكرك استاذي عل المقال الرائع جدا

اقرأ ايضاً