العدد 3082 - السبت 12 فبراير 2011م الموافق 09 ربيع الاول 1432هـ

المعارضة المصرية... من الميدان إلى الحكم

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أهم ما أنتجته انتفاضة 25 يناير ليس ترحيل حسني مبارك من رئاسة السلطة وإنما إعادة الشعب المصري ثقته بنفسه. وهذه المسألة مهمة في تاريخ تطور الدول باعتبارها تشكل نقطة فصل بين مرحلة الاستكانة والاستسلام والقبول بالأمر الواقع وبين مرحلة إنعاش الذاكرة والاستعداد للتضحية والاندفاع نحو المشاركة في صنع المستقبل.

الشعب المصري استعاد ثقته بإمكان لعب دور في التغيير والتفاؤل باحتمال المساهمة في تشكيل السلطة وهيكلة مؤسسات الدولة حتى تكون صورتها متقاربة مع طموحات المجتمع وتطلعاته. وهذا الإنجاز المعنوي يمكن أن يتمظهر سياسياً في المرحلة الانتقالية التي تتضمن الكثير من التوقعات والأحلام والأمنيات.

المرحلة الانتقالية تشكل بحد ذاتها فترة اختبار لمدى نجاح الانتفاضة في تحويل الشعارات إلى وقائع وآليات تستطيع خوض تجربة الامتحان من دون إفراط في التفاؤل. هناك هوة بين ما هي عليه مصر الآن وبين مايجب أن تكون عليه. والفترة الانتقالية تعتبر عينة صغيرة تعكس في خطوطها التفصيلية رغبات الناس.

مصر في حاضرها تمر في مرحلة مراجعة وإعادة قراءة استعداداً لمواجهة التحديات، وهي على كثرتها تحتاج إلى عقلية تسووية لا تغامر ولا تهاب المخاطر. والجمع بين عدم المغامرة وعدم الخوف لا يتأسس إلا حين تكسر الشعوب حاجز عدم الثقة وتبدأ بإعادة التموضع في إطار رؤية تتخطى المطبات المتوقع أن تظهر في المرحلة المقبلة.

أخطر المطبات تتمثل في طبيعة السلطة التي تم تكليفها بالإشراف على الفترة الفاصلة بين التسلم والتسليم. فهل ستكون صادقة في التزاماتها وتستكمل خطة الانتقال من دون تردد أو تقاعس أم تنسحب رويداً من الوعود وتأخذ بإسقاط المهمات واحدة بعد أخرى؟ هذا الاحتمال يبدو مستبعداً بحسب ما تؤكده بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولكن التجارب السابقة في المنطقة أعطت أمثلة لا تشجع على تصديق الوعود. فالكثير من الأنظمة بدأت مؤقتة وتحولت إلى دائمة بذريعة المحافظة على الممتلكات والأمن. والكثير من الانقلابات حملت شعارات تغييرية وتحديثية وانتهت في دائرة الاستبداد ومصادرة الحريات وإلغاء المعارضة.

المطب الآخر يتمثل في قوى الاعتراض وعدم وضوح خطة عملها في المرحلة المقبلة. فالهيئات الحزبية تتحدث عن طلبات عامة تعتبر عادة من البديهيات. إلغاء قانون الطوارئ الذي صدر في خريف 1981 سقط فعلاً بحكم التقادم الزمني وفقد وظيفته بعد الهبة الغاضبة التي أطاحت برأس النظام. وحل مجلس الشعب وتعديل الدستور والدعوة إلى انتخابات نزيهة تعتبر من الحقوق العادية في الدول التي تحترم شعوبها ولا تستهين بإرادة الناس وحرية اختيارهم. هذه المطالب مهمة وعادلة وضرورية للانتقال من الاستبداد إلى دولة العدل والقانون، ولكنها تبقى مجرد خطوات مجردة وليست كافية إذا لم تتبعها تصورات عن طبيعة السلطة ومهماتها في المرحلة المقبلة.

الانتخابات النزيهة والعادلة مسألة مهمة في الطور التمهيدي للانتقال ولكنها تحتاج خطة عمل تعتمد عليها الهيئات والأحزاب والقوى المتنافسة. والخطة هي برنامج عمل مجلس الشعب وأسلوب إدارته للسلطة التشريعية. والتنافس على المقاعد من الحقوق المشروعة ولكن الأهم من الفوز يتمثل في طبيعة المشروع السياسي ومدى صلته بمصالح الناس.

تشكيل الحكومة بما يتناسب مع تطلعات المرحلة الانتقالية مسألة طبيعية ولكن الأهم البرنامج الوزاري وآليات عمله والأدوات التنفيذية التي ستكلف بالإشراف على خطط التصحيح والإصلاح والتحديث وتطوير البنى التحتية المناسبة للطموحات.

إعادة إحياء الدور المصري عربياً وإقليمياً مسألة ضرورية ومهمة لتحصين موقع الدولة وحماية أمنها من الاختراق، ولكن الفكرة الصحيحة تحتاج إلى بلورة خطوطها العريضة لتوضيح منهج التعامل مع القضايا الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.

المهمات المطروحة كثيرة وأبسطها قد يكون إسقاط رأس النظام، ولكن القرار الأصعب يتمثل في الخطوات اللاحقة وهي تتمثل في إعادة تشكيل السلطة وهيكلة مؤسسات الدولة وترتيب منظومة العلاقات بين النخبة المنتخبة والجماعات الأهلية التي تتأمل الخير والسعادة.

المرحلة الانتقالية هي الامتحان لكونها تشكل فترة فاصلة بين سلطة فاسدة استبدت بالحكم وتعالت على الناس وبين قوة صاعدة جاءت في إطار انتفاضة شعبية عفوية لم تشهدها مصر منذ الثورة الدستورية في العام 1919. والقوة الصاعدة التي يراهن عليها الشارع تحتاج منذ الآن إلى إعادة هيكلة للطروحات والبدء بالانتقال من عقلية شعارات المعارضة التي تتصف عادة بالعمومية إلى عقلية الدولة التي تتطلب الخطط والبرامج والمشروعات المعززة بالأرقام.

الفترة الفاصلة بين التسلم والتسليم ليست طويلة. والأحزاب والهيئات والمنظمات والتيارات التي تتحرك الآن في الميدان يرجح أن تكون بعد أشهر قليلة في الحكم (البرلمان والوزارة والمحافظات والبلديات). وهذا الانتقال من الشارع إلى السلطة يتطلب خطة تضمن الاستعداد لمواجهة استحقاقات طال انتظارها. والفشل في التعامل مع الوقائع والحاجات والمتطلبات يشكل بحد ذاته انتكاسة مبكرة للآمال والأحلام والرغبات. وهذا المطب السلبي يفترض أن يكون من الممنوعات إذا سارعت قوى الاعتراض في الإجابة عن أسئلة المستقبل في الحكم وأوضحت طبيعة السلطة وبرنامج عملها وأسلوب تعاملها مع حاجات الناس (الفقر، البطالة، الجهل، الأمية، التأمينات الصحية والاجتماعية) وما تتطلبه من مشروعات تلبي تطلعات يصعب حصرها وتعدادها.

الحذر والتنبيه من الأخطاء والمطبات قبل حصولها ليس محاولة استباقية للإحباط وإنما خطوة احترازية لاستدراك احتمال الفشل في حال تم إهمال تلك الهوة بين مشروع المعارضة ومهمات السلطة. الفارق كبير ولكن يمكن اختصاره زمنياً وتجاوز فروقاته إذا تمكنت قوى الاعتراض من إعادة تعريف معنى الديمقراطية وتداول السلطة وطبيعة النظام وهياكل الدولة ووظائفها في مرحلة تشكل خطوة حاسمة في تاريخ مصر وحاضرها ومستقبلها.

ما حصل في ميدان التحرير لحظة مشرقة في زمن واعد. ومصر في حال تجاوزت مأزق المرحلة الانتقالية وازدواجية السلطة بهدوء ومن دون ارتداد ستكون في فترة وجيزة من الدول الإقليمية الكبرى في الشرق الأوسط. وهذا الزمن الواعد حتى يتحول إلى واقع ملموس في القريب العاجل يتطلب من قوى الاعتراض أن تبدأ بخطة الانتقال من طور خطاب المعارضة إلى طور برنامج الحكم. والأمر المذكور ليس صعباً في لحظة نجح الشعب في استرداد ثقته بنفسه بعد عهد مارس صناعة الإذلال والإهانة والاستهانة والاستخفاف بطاقات الناس وقدرتهم على اختراع آليات للخروج من دائرة الطاعة وإسقاط رموز لم تكن تتوقع أن مصر لاتزال تختزنها في الذاكرة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3082 - السبت 12 فبراير 2011م الموافق 09 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:52 ص

      صورة لمستقبل مشرق

      نشكر الكاتب المتألق على رسم التوقعات لمستقبل مصر المشرق - ونتمنى من الكاتب المحترم من ضغط المواضيع بمقدر المستطاع وشكرا
      تحيات أبوجعفر

اقرأ ايضاً