العدد 3096 - السبت 26 فبراير 2011م الموافق 23 ربيع الاول 1432هـ

في معنى شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» الذي انطلق من تونس واندلع في مصر بدأ ينتشر في كل فضاءات العالم العربي. فالكل يريد إسقاط النظام. وبما ان الانظمة مختلفة في تكوينها والبلدان متنوعة في تشكيلاتها الاجتماعية اصبح الشعار الجامع مجرد عنوان عريض تندرج تحته تفصيلات أهلية متفاوته في خصوصيتها ومستوى نموها الثقافي.

«الشعب يريد اسقاط النظام» في تونس يختلف في شعاره السياسي عن مصر كذلك يختلف في تلاوينه عن تلك الأفكار المتداولة في ليبيا والجزائر واليمن والعراق والبحرين وإيران. كل مكان يحتوي على تنويعات تضع الحدود وترسم الفواصل بين شعب وآخر. في ليبيا انكشف الواقع السياسي عن مشهد دموي مخيف تمثل في سلطة ديكتاتور قرر تنظيم حملة إبادة انتقاماً من شعب تمرد على الطاغية وكسر هيبته. في اليمن يبدو المشهد السياسي أكثر تعقيداً إذ يتداخل الخطاب الفضفاض بانقسامات ميدانية (جهوية - قبلية) تفتقد إلى الترابط الاجتماعي. في الجزائر يتمدد الشعار ويتلون بين سلطة عسكرية قابضة على النظام وبين مزيج أهلي غير موحد في تكويناته المناطقية والقبائلية.

هذا الاختلاف في طبيعة الانظمة وخصوصية البلدان انعكس في تنوع الصور الملونة التي تنقلها الفضائيات واجهزة الهواتف النقالة. فالمشهد في اليمن غيره في العراق، والمشهد في العراق يختلف عنه في البحرين. كذلك تتنوع الصور بين بلد وآخر وتتبدل بحسب التكوين الاجتماعي – الأهلي. فالبلدان المتجانسة في تقاربها الديني – الطائفي نجحت في تأسيس خطاب سياسي موحد في وطنيته الجامعة كما حصل في تونس ومصر. والبلدان التي تعاني من انقسامات عمودية تواجه صعوبة في تشكيل خطاب يقارب الواقع غير المتجانس. الاختلاف في طبيعية الانظمة وخصوصية البلدان وضع شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» في الاختبار الميداني وعرضه إلى امتحان سياسي ما أدى إلى اطلاق احتمالات متنوعة تعكس في النهاية صور الواقع الاهلي في هذا المكان أو ذاك.

ليبيا مثلاً تعتبر من الدول الكبيرة في مساحتها الجغرافية والصغيرة في كثافة السكان تعاني تقليدياً من مشكلة ضعف السلطة المركزية وعدم قدرتها على أحكام السيطرة. وهذا الضعف البنيوي استغله الديكتاتور ليؤسس على قاعدته السياسية تشكيلة جهوية - قبلية اطلق عليها «جماهيرية» لا يجمعها جامع سوى قبضة حديد تمسك بالخيوط وتتلاعب بها بهدف منع قوى الاعتراض من التوحد في إطار مشترك ينظم الامور في سياق وطني متقارب.

الجزائر أيضاً من الدول الكبيرة في مساحتها الجغرافية والمتوسطة في كثافة السكان، ولكنها بدورها تعاني من مشكلة ضعف القاعدة الاجتماعية للسلطة ما أعطى فرصة للمؤسسة العسكرية ان تتحكم بإدراة البلاد والهيمنة على مواردها الطبيعية وثرواتها.

اليمن يعتبر من الدول الفقيرة في المصادر والمواد الأولية لكنه يمتلك ثروة بشرية تعطيه فرصة لإعادة تشكيل سلطة مرنة وقادرة على ادارة أنشطة اقتصادية متنوعة في قطاعاتها المنتجة. مشكلة اليمن انه يعاني من الانقسام الاهلي الذي ساهم في تشرذم الطاقة البشرية وتوزيعها على مراكز قوى مناطقية (جهوية) تتحكم في مفاصلها السياسية القبيلة والفصيلة والعشيرة والطائفة والمذهب واهالي المدن والريف وسكان السواحل والمرتفعات.

اختلاف البلدان وتنوع تشكيلاتها أسس أنظمة مختلفة في تكوينها. تونس المتجانسة اهلياً ساعدها على توحيد الناس تحت شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» فأسقط رئيسه وعائلته وبطانته ولكن النظام استمر يتوالد في اطارات مختلفة بانتظار ان تكتمل مهلة المرحلة الانتقالية. ومصر المتقاربة في نسيجها الاجتماعي نجحت في التوحد تحت الشعار فأسقط الشعب رأس النظام وأسرته والحلقة الضيقة في الحزب الحاكم ولكن المؤسسات المدنية والعسكرية استمرت في مواقعها التقليدية تشرف على ترتيب المرحلة الانتقالية وضمان صوغ دستور سيسمح في حال اعتماده بإعادة تشكيل السلطة السياسية.

الحالتان في تونس ومصر غير متطابقتين ولكن هناك ما يقارب بينهما نسبياً الأمر الذي يساعد على تمهيد خطوات الانتقال من ضفة إلى أخرى في فترة تتراوح بين نصف سنة أو أكثر من سنة. تونس ومصر لا خوف عليهما من التفكك الاهلي حتى لو ظهرت تصرفات طائفية وجهوية مشينة تحصل احياناً في هذه المنطقة او تلك.

مشكلة شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» تتمظهر في البلدان غير المتجانسة في تكوينها الاهلي، لأن مصدر الاحتجاج أو الانتفاض ينحصر في منطقة أو قبيلة أو جهة أو طائفة أو مذهب ما يعطي الانقسام صورة مشوشة في خطابه السياسي ويعطل إمكانات تطوير الوحدة المفترضة تحت عنوان مشترك. فالتشرذم يعرقل التوصل إلى تأسيس خطاب واضح وغير فضفاض في اهدافه.

الغموض في القراءة يساعد على تفكيك المصلحة ويعطي مساحة للمزايدات والمشاحنات العاطفية، والمبالغة في التوقعات بسبب عدم وضوح الصورة والضعف في التقاط اللحظة التاريخية والتعاطي معها بعقلانية تسووية.

مشكلة البلدان غير المتجانسة (اختلاط الهويات والعصبيات الضيقة) تكمن في انها لا تساعد على تقارب الصورة واختيار الشعار المناسب في الوقت المناسب. وهذا الانكسار على أرض الواقع يمنع التوحد في التوجهات ويشجع على تلوين شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» وتعديله ميدانياً فيصبح «القبيلة تريد اسقاط النظام» أو العشيرة أو المنطقة أو الجهة أو «الطائفة تريد اسقاط النظام».

الانشطار الأهلي يرسم في منعطفاته الساخنة خريطة طريق مخيفة في تدني مستوى خطابها السياسي، ويعطي فرصة للسلطة للتراجع وتعديل خطابها واعادة ترتيب مواقعها ووظائفها اعتماداً على قاعدة التنوع وشبكة التعدد وانقساماته المتوارثة.

احتمال انشطار قوى الاعتراض لا يحصل إجمالاً في البلدان المتجانسة أو المتقاربة في تشكيلها وتكوينها وإنما يتكرر عادة في تلك المساحات التي تتركز في تضاريسها الطبيعية ثقافة العزلة وما تنتجه من خطاب سياسي غير قادر على التكيف مع المتغيرات ولا يستطيع التأقلم مع المتحولات وما تتطلبه من حساسية تدرك معنى اللحظة المناسبة في الوقت المناسب. فالتبعثر في الهويات واختلاط العصبيات يؤخران التوافق على هيئة البديل ومشروع التعديل وخطوات قوى المعارضة وتوجهاتها السياسية.

شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» يختلف في مضمونة بين بلد عربي وآخر بحسب طبيعة الانظمة ومدى اقترابها أو ابتعادها عن الناس، كذلك يتلون في تموجاته الأهلية بحسب مدى تجانس الجماعة وتقاربها ومستوى نجاحها في صوغ خطاب سياسي متقدم في قدرته على استشعار معاني المتغيرات في المحيط الإقليمي والفضاء الدولي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3096 - السبت 26 فبراير 2011م الموافق 23 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • مواطن مستضعف | 3:00 ص

      طابت اوقاتك استاذي العزيز

      اقتباس:
      ((احتمال انشطار قوى الاعتراض لا يحصل إجمالاً في البلدان المتجانسة أو المتقاربة في تشكيلها وتكوينها)).
      لفتة قيمة جدا تلامس واقعنا البحريني المعاش

    • زائر 7 | 1:51 ص

      صدقت.

      موضوع واضح ومفهوم وتجد كذلك أغنية تخرج من هنا وهناك تجد ترديدها على الشفاه بين الناس .كمثال اغنية صبوحة خطبها نصيب.

    • مواطن مستضعف | 12:58 ص

      شكرا جزيلاً استاذ وليد

      اقتباس:
      ((احتمال انشطار قوى الاعتراض لا يحصل إجمالاً في البلدان المتجانسة أو المتقاربة في تشكيلها وتكوينها))
      كلامك هذا يدفعنا للتفاؤل كثيراً هنا في البحرين!!
      شكراً مرة اخرى عزيزي

    • زائر 4 | 12:10 ص

      للتعديل

      عفوا بدل عبيدلي وليد نويهض

اقرأ ايضاً