العدد 3099 - الثلثاء 01 مارس 2011م الموافق 26 ربيع الاول 1432هـ

وماذا عن «الشارع الخليجي»؟

سليمان الهتلان comments [at] alwasatnews.com

-

في ظل ما يشهده العالم العربي اليوم من «حراك» ضخم، لا مفر أمامنا في منطقة الخليج من السؤال: أين بلدان الخليج مما يحدث على الأرض في الشارع العربي اليوم؟

وهل ما يحدث في بعض المدن العمانية وفي البحرين مؤشرات يمكن من خلالها قراءة المستقبل؟

وهل مازال بيننا من يصر على أن «الخليج ليس مصر ولا تونس ولا ليبيا»؟

الصحيح أن تجربة التنمية في بلدان الخليج كانت مختلفة وأكثر وضوحاً من بلدان عربية نفطية أخرى. والصحيح أيضاً أن الاستقرار السياسي الذي عاشته بلدان الخليج في الخمسين سنة الماضية منحها فرصة أكبر وأفضل لتحقيق مستويات جيدة في البنى التحتية والتعليم والصحة والاقتصاد، لكن هذا لم يكن كافياً لضمان استقرار سياسي دائم لمجموعة من الأسباب، فوجود نسبة كبيرة من أبناء الخليج تحت خط الفقر، وهم يعيشون في بلدان شديدة الغنى، أقل ما يقال عنه إنه فضيحة تنموية وسياسية، وتراجع الطبقة المتوسطة في بعض البلدان الخليجية شكل معضلة اقتصادية واجتماعية ستؤثر عاجلاً أم آجلاً على الاستقرار السياسي الذي تنشده مؤسسات الحكم في الخليج. والارتهان إلى فكرة أن كل من ينشد الإصلاح ليس سوى طالب سلطة أو مال أخرت كثير من الخطوات التي كان يمكن لها أن تسهم في بناء سياسي واقتصادي واجتماعي أكثر تناغماً مع آلية الحكم العائلي في منطقتنا.

إنها فكرة مضللة أن نعتقد بأن بلدان الخليج كلها في منأى عما يحدث في الشارع العربي اليوم، فلقد أثبتت الأحداث الراهنة في مصر وتونس وليبيا أن الفقر أو البطالة لم يكونا الحافز الأكبر للتظاهر وحمل لافتة «الشعب يريد إسقاط النظام».

إنها منظومة من الأسباب، يكمل بعضها بعضاً، تلك التي تقود إلى الانفجار والثورة على كل شيء. هذه المنظومة يمكن أن تحمل عنواناً واحداً هو الكرامة! وهذه «الكرامة» تجرحها العازة والفقر والتهميش والإقصاء والإحساس بأن الإنسان يعيش في موطن أجداده كما لو كان ضيفاً ثقيلاً على أهل الدار!، بل إن البعض في محيطنا نسف كفاح الأجداد من كل شبر من أرض بلاده من أجل وحدة تلم الشمل، فظن أن البلاد ومن عليها «غنيمة حرب» وإن جادلته في أي شأن وطني رد عليك بوقاحة: «نحن أخذناها بالسيف»!

إذاً المسألة أكثر تعقيداً من الفقر والبطالة وكثرة الديون، إنها - شئنا أم أبينا - توق الإنسان للشعور بالانتماء الحقيقي لوطنه. هذا الانتماء أبعد من تأمين الوظيفة والمسكن والعلاج فالإنسان في وطنه ليس موظفاً في شركة أجنبية تؤمن له «كومباوند» سكني متكامل أو كما لو كان قطيعاً في «زريبة»!

الحقيقة الأخرى أن أجدادنا، أيام حكم القبيلة، كانوا مشاركين بفاعلية في حراك القبيلة وقضاياها وهمومها وتركيبة «القيادة» فيها. بل كانت القبيلة هي نفسها عين تراقب أداء شيخها وسلوكه. وكان شيخ القبيلة قدوتها ورمزها، يستقي قوته من قوة أبناء قبيلته، ولا يشذ عن رأي جماعته وخاصة في تعاملاته مع القبائل الأخرى.

إذاً المشاركة العملية والحقيقية في صناعة القرار ليست مطلباً غريباً أو خارجاً عن تقاليد مجتمعاتنا، لكن هذا المطلب بات اليوم أكثر ضرورة لاستقرار منطقتنا سياسياً في ظل المتغيرات المهولة التي أنجبت لنا أجيالاً جديدةً ولدت وهي داخل التاريخ الإنساني المعاصر لا خارجه. فمن غير المعقول أن نتوقع من جيل الشباب اليوم، الذي يشكل 65 في المئة من سكان بلداننا أن يتقبل ما تقبله الجيل الذي قبله سياسياً وثقافياً. ومن غير المنطق أن نعامل هذا الجيل، في نظرته لذاته ولمحيطه، بنفس الطريقة التي عومل بها جيل الآباء والأجداد.

ومن الخطأ الفادح أن نظن أن جيل الشباب في الخليج معزول عن أحداث الشارع العربي «الثائر» الآن في ميادين التحرير العربية من شمال إفريقيا إلى جنوب الجزيرة العربية.

الخلاصة أن القيادات في منطقتنا بحاجة عاجلة جداً لاستيعاب ما يحدث في بلدانها وفي محيطها. ومن أجل الحفاظ على المكتسبات التنموية وتحقيق الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي المأمول لابد من البدء - اليوم وليس غداً - في مشاريع إصلاحية جادة.

هذه المشاريع لابد لها أن تأخذ جدياً حق الإنسان في المشاركة، بالقول والفعل، وتفسح مجالاً أوسع للحركة والتعبير وتبدأ عملياً في تفعيل أفكار المفكرين المخلصين من أبناء منطقتنا لتأسيس مؤسسات رقابية صارمة تراقب الفساد وتحاسب المفسدين من دون أن تستثني أحداً.

بقي التذكير بالحذر من تلك المقولات (أو الأحلام) الخادعة تلك التي تقول «إن الشارع الخليجي غير» لأن الشارع الخليجي فعلاً ليس»غير» بل جزء أصيل من حراك الشارع العربي الكبير. ولهذا فليس من المفيد تجاهل آمال وطموحات وإحباطات الشارع الخليجي. بل المطلوب الآن إقناع الشارع الخليجي بأن مشاريع الإصلاح الجادة قد بدأت فعلاً على الأرض وهي حق وطني لا «مكرمة»أو»منحة»

إقرأ أيضا لـ "سليمان الهتلان"

العدد 3099 - الثلثاء 01 مارس 2011م الموافق 26 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 6:31 ص

      يسلم قلمك أخي سليما

      فعلا إن الأنظمة العربية والخليجية على حدٍ سواء ليس يختلف بها غير مسمياتها وإلا فإنها في إيطار واحد في حركة ملتوية في تكذيب وتهميش وتحطيم وقتل شعوبها نحن الآن في حالٍ غير حال قبل أيام الثورة وليس هناك مجال للمماطلة و الإبتعاد عن واقع الحياة
      الكل قد نفذ صبره من كثر الظلم و التهميش
      أعلنها بصوت عالٍ من أجل وطني من أجل كرامتي من أجل حقوقي المسلوبة قد عفت الحياة وأنا مازلت صغيرا لم أرى من هذه الحياة غير الفقر والحرمان والخوف والقتل والسرقة وهتك الحرمات
      ماذا سأرى بعد؟! ماذا ياحكومات ماذا؟

    • مواطن مستضعف | 3:31 ص

      طرح غاية في الروعة .. عوفيت يا أستاذي العزيز "الهتلان"

      اقتباس:
      ((فظن أن البلاد ومن عليها «غنيمة حرب» وإن جادلته في أي شأن وطني رد عليك بوقاحة: «نحن أخذناها بالسيف»!))
      هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنّى يؤفكون

    • زائر 4 | 1:26 ص

      يا استاذنا با ابن الهتلان

      اذا قالوا بان الخليج - غير - فانما يعتقدون ان كل شىء يمكن شراؤه بالمال بما فى ذلك كرامة المواطن ذلك لانهم ربما تعودوا شراء الذمم والضمائر من ذوى النفوس الرخيصة وعليها اسسوا
      هذا الاعتقاد وتم ترسيخه ليكون عرفا وقاعدة لذلك يرددون مقولة ان الخليج ..غير ..

    • زائر 2 | 10:56 م

      النشمي الهتلان

      شرفنا في الدوار وعلى متخلص كوب الشاي الاصلي المصنوع بأيدي بحرينيه اصيله وطاهره بس علما اتخلص كوبك المنعنع بتكتشف الف سبب وسبب للي قاعد ايصير في الشارع العربي

    • زائر 1 | 10:28 م

      اسمح لي القول

      اسمح لي القول اخي العزيز مطالب المواطنين لا تعالج وتلبى بهبات مالية عبر عنها البعض برشاوى وفتح خزائن الدولة على مصراعيها بعد ان اغلقت واحكم اغلاقهامن أين جاءت فرص العمل من اين جاءت ميزانيات الاسكان من اين واين ليس المطلوب هذا وانما المطلوب هو الاعتراف بفشل الانظمة في ادارة الحكم وتسليم الادارة للغير ولا تعالج الامور بما هو داء وبماهو أسوأ ....

اقرأ ايضاً