العدد 3111 - الأحد 13 مارس 2011م الموافق 08 ربيع الثاني 1432هـ

خطاب 14 آذار الجديد... ومسألة السلاح

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حشود قوى 14 آذار التي اجتمعت أمس في ساحة الحرية (الشهداء) بمناسبة مرور ست سنوات على اغتيال رفيق الحريري رفعت شعارات سياسية تختلف عن تلك التي تجمهرت فيها العام 2005. آنذاك تركز الخطاب على نقد سلطة الوصاية الأمنية والنظام السوري باعتبار أن المشكلة تمثلت في تلك الفترة بوجود الجيش السوري ودوره التدخلي في تقرير السياسة المحلية.

خطابات 14 آذار في العام 2005 لم تذكر سلاح حزب الله في سجالاتها ومدى تأثيره على المعادلة الداخلية. اكتفت آنذاك بالتأكيد على الحرية والاستقلال والسيادة وضرورة خروج النظام السوري من المعادلة الأهلية. الشعارات كانت عابرة للحدود وتجنبت الخوض في موضوع السلاح معتبرة إياه مشكلة محلية وطنية يمكن التفاهم على حلها من خلال تفعيل الحوار بين الطوائف والمذاهب والمناطق.

خطابات 2011 كانت مختلفة في الشكل والجوهر. شكلياً لم تذكر النظام السوري ولم تتطرق إلى دوره الإقليمي في التأثير على المعادلة اللبنانية والتوازنات الأهلية. في الجوهر تجاهلت خطابات أمس السلطة السياسية السورية وتعمدت تحييدها بقصد التفرغ إلى موضوع السلاح ومخاطره على الأمن الداخلي والاستقرار الوطني.

الاختلاف الظاهر بين الخطابين يؤشر إلى احتمال انتقال المشكلة من خارج الحدود كما كان أمرها في العام 2005 إلى داخل الساحة كما هو الآن حالها في العام 2011. فالمعركة في تفصيلاتها لم تعد ظاهرياً سورية - لبنانية وإنما لبنانية - لبنانية. وهذا التبدل في الشعارات ينذر باحتمال انزلاق المواقع الأهلية إلى تحديات قد تستدعي حصول مواجهات بين حمَلة السلاح وفئات أفصحت علناً عن عدم رغبتها في استخدامه داخلياً للتأثير على المعادلة التقليدية التي تأسس عليها الكيان منذ العام 1920.

خطابات 14 آذار أمس حاولت التمييز بين السلاح الموجه إلى الخارج وذلك الموجه إلى الداخل. كذلك حاولت ترسيم حدود لوظيفة السلاح في محاولة لتوضيح خطوط التماس الأهلية وظهور نوع من القلق السياسي من نمو مشاعر القوة والمبالغة في استخدامه للتخويف أو لكسر معادلة اللاغالب واللامغلوب والديمقراطية التوافقية (الميثاقية).

هل تنجح قوى 14 آذار في نشر خطابها الجديد وتحويله إلى منظومة فكرية تأخذ به كل الطوائف والمذاهب والمناطق؟ الجواب لا يحتاج إلى انتظار حتى تتبلور خطوطه العريضة. فالخطاب الموصوف بنقد السلاح لن يتجاوز إطار الانقسام الأهلي وبالتأكيد لن يتحول إلى نقطة إجماع توحد اللبنانيين على موقف مشترك. وفي حال حصل هذا الاحتمال، وهو المرجح، سيكون موضوع السلاح ساحة للتجاذب بين الطوائف التي تختلف على المسألة.

انتقال موضوعة السلاح من الإجماع الوطني، أو على الأقل من القضايا المسكوت عنها سابقاً، إلى نقطة نقاش تتساجل الطوائف على مصيره في الساحات والميادين سيشكل قاعدة سياسية للتوتر الأهلي في الفترة المقبلة ما يفتح الملف على أبواب التدخلات الجوارية والإقليمية والدولية.

هذا المتغير الحساس في عناوين خطاب 14 آذار سيضع البلاد في دوامة أهلية ولا يستبعد أن تتطور إلى احتكاكات طائفية ترفع من درجة حرارة الاستقطابات المناطقية والمذهبية وقد يستدرج حملة السلاح إلى التورط في حقل ألغام يتفجر تلقائياً؛ ما يعطي ذريعة لعواصم القرار للتدخل تحت غطاء حماية الناس من فائض القوة المصاحب لاستخدام السلاح ضد فريق لبناني يتمتع بقاعدة شعبية (طائفية، مذهبية، مناطقية) لا بأس بها.

الاحتمال المذكور ليس مستبعداً إذا نظر إليه من خلال الآليات الأهلية التي تنتج السياسة في بلد تأسس نظامه على ميثاق يوزع السلطة في إطار قنوات المحاصصة بحيث لا تشعر فئة من فئاته، أقلية كانت أو أكثرية، بالغبن أو التهميش أو الإبعاد. طبيعة النظام الطائفي في لبنان لا تحتمل تغلب فريق على آخر؛ لأن القانون المعتمد يتخذ من التوازن والتوافق والاحترام المتبادل وسائط سياسية للمزج الأهلي الكيماوي ليأخذ كل صاحب حق حقه تحت مظلة العيش المشترك والتساكن.

هذا الإطار التساكني - التعايشي اعتمد تقليدياً لضمان السلم الأهلي باعتبار أن البلد الصغير يشكل بوتقة جغرافية تتجاور في تضاريسه الديموغرافية ثقافات ليست بالضرورة متطابقة في منابتها وتكوينها. وبسبب وجود هذا التخالف في قوانين الأحوال الشخصية لكل طائفة أو مذهب جاءت صيغة الميثاق وفلسفته السياسية لتلبي حاجات التنوع من دون تدخل قسري أو تخويف أو فرض أنماط من المعاش على حياة القوى والأطراف الأخرى.

إثارة موضوع السلاح في بيئة أهلية قلقة تتعايش في منظومة من العلاقات الدقيقة في توازناتها، والحساسة في تعاملها مع الآخر المختلف يفتح فعلاً الأزمة اللبنانية على ملفات خطرة قد تستجلب الكثير من ردود الفعل السلبية. واحتمال تورط السلاح في بلد متعدد في مصادر قوته وتشعباته وامتداداته الإقليمية قد يشكل قوة جذب تستدعي تدخل العواصم الكبرى لضبطه تحت سقف المواثيق والمعاهدات الدولية.

مشكلة السلاح التي تحولت إلى عنوان رئيسي في خطاب 14 آذار الجديد يمكن أن تساهم في مفاقمة الأزمة وإعادة تأسيس للانقسامات الأهلية على قاعدة مزدوجة. من جهة هناك فريق يعتبره حاجة وضرورة ولا يمكن إسقاطه من معادلة الحماية والدفاع، ومن جهة هناك فريق يعتبره قوة ضغط داخلية أخذت تلعب دورها في كسر المعادلة والإخلال بالتوازن التقليدي المنصوص عليه في الميثاق والدستور.

الاختلاف على تحديد وظائف السلاح ومهماته وهويته ودوره يمكن أن يتطور سياسياً ليصل إلى حد انهيار الثقة وتفجر أزمة كبيرة وأكثر خطورة من الصراع المسلم - المسيحي الذي نشب على السلاح الفلسطيني في لبنان العام 1975. والتشابه الشكلي بين الأزمتين يرجح أن يتحول في الظرف الراهن إلى انقسام في التعامل مع جوهر الموضوع وإعادة تعريف وظائف السلاح.

الفريق المعارض يعتبر أن للسلاح مجموعة وظائف بسبب طبيعة البلاد المنقسمة أهلياً والممتدة جوارياً وإقليمياً. فهذا الفريق يرى بحكم تركيبة لبنان أن للسلاح ثلاث وظائف دفاعية (التصدي للاعتداءات الإسرائيلية) ومحلية (أهلية) وإقليمية (جوارية) ما يتطلب برأي خطاب 14 آذار الجديد إعادة تعريف لدوره حتى لا يهدد التوازن الأهلي أو يعطي فرصة لقوى الجوار بالتدخل بذريعة المحافظة على الأمن والاستقرار.

الفريق المؤيد يقرأ مسألة السلاح من منظار آخر يؤكد شرعيته وضرورته ولا يرى أن هناك من سبب وجيه يستدعي كل هذا التوتر والخوف والقلق من استخدامه لدوافع أهلية أو لتوجيهات خارجية (جوارية وإقليمية).

جسور الثقة كما يلاحظ من خطابات 8 و14 آذار بدأت بالانهيار، وكل فريق لا يصدق ضمانات الآخر ما يعني أن مسألة السلاح أخذت تنزلق إلى مشكلة داخلية معطوفة على أزمة متدحرجة لن تكون بعيدة في حال تفاقمت عن توترات إقليمية ودولية. اهتزاز الثقة واحتمال تساقطها ميدانياً وانتقالها من الإجماع والحوار، كما كان الأمر في السابق، إلى التجاذب اللفظي العنيف في إشاراته السلبية سيؤدي إلى انكشاف السلاح دولياً بعد أن أسقط خطاب 14 آذار الجديد الجانب المسكوت عنه في نصوصه المتداولة علناً.

الإعلان صراحة عن الانقسام اللبناني بشأن السلاح وإخراجه من معادلة المقاومة وإدراجه تحت سقف المنظومة الأهلية وضبطه في إطار الدولة (الجيش) يفتح الساحة على محاذير سياسية تحتاج إلى عقلانية وانتباه يمنع جرجرة الطوائف والمذاهب والمناطق إلى حقل اختبار لا يحتاج إلى ذكاء للتعرف على مضاعفاته الإقليمية وارتداداته الدولية وما يستدرج من تدخلات قريبة وبعيدة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3111 - الأحد 13 مارس 2011م الموافق 08 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:03 ص

      ان اي يد تمتد الى سلاح المقاومة .. سنقطعها !!

      لا احب ان اضيف على كلمات السيد حسن :
      نحن في لبنان احرص الناس على السلم وعلى الاستقرار وعلى الوحدة والوطنية .. ولكن ان فكر احد - اسمعوني - ان فكر احد (أي احد) بنزع سلاح المقاومة سنقاتله قتال الكربلائيين الاستشهدايين ..

    • زائر 1 | 10:48 م

      فكر فيها؟

      كيف وصلت ضربات الزجاج للنوافد العلوية في الجامعة الصخير؟
      الشباب كسروا الطابق العلوي؟
      فكروا فيها؟

اقرأ ايضاً