العدد 3119 - الإثنين 21 مارس 2011م الموافق 16 ربيع الثاني 1432هـ

الحاجة إلى سماع صوت من صودرت أصواتهم (1 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بقدر ما تتقدم خطوات المجتمع على طريق التمدن والتحضر، بقدر ما يجد ذلك المجتمع نفسه، مجبراً، هو كوحدة، وأفراده كأشخاص، على البحث عن نظام متكامل، تتفاعل بين ثنايا مكوناته، المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما يضمن تعايشها في نطاق آليات تطور ذلك المجتمع، ومن خلاله تلك المؤسسات. عند هذه النقطة، يبدأ، وبشكل تدريجي، ذوبان الفرد، دون مصادرة حقوقه، أو إعفائه من واجباته، في المؤسسات التي تجد نفسها مطالبة هي الأخرى باستحداث الآليات التي تضمن سلامة ذلك النظام، وصلابة بنيانه.

وليس هناك محطات أفضل لقياس قدرة النظام على الاحتفاظ بكفاءة أدائه، ومن ثم السيطرة على إدارة الحوار بين أطراف المجتمع المتنافسة التي يتشكل منها، من الفترات التي تنفجر فيها الصراعات، وتتمترس كل واحدة من القوى في خنادقها السياسية، أو تتمسك بحدة بانتماءاتها العقائدية، أو تقاتل بعضها البعض تحت عباءة مصالحها الاقتصادية. حينها يجد المجتمع نفسه، ومن خلفه تلك القوى التي زرعت نفسها في صفوف مواطنيه، أمام خيارين، تحدد مسار كل واحد منهما، متانة البنى التحتية الثقافية والسياسية التي طورها ذلك المجتمع في المراحل السلمية من تاريخه: إما الانفجار والانشطار إلى «كانتونات»، أو التفاعل الحضاري والتعايش السلمي كقوى اجتماعية متنافسة تحكمها قوانين ذلك المجتمع وأنظمته.

هذه المقدمة المقتضبة كانت ضرورية، وربما بحاجة إلى شيء من التوسع للدخول في التفاصيل المهمة، التي نحن في أمسّ الحاجة إليها من أجل إنارة الطريق أمامنا، ونحن نعيش انفجار الصراعات السياسية والاجتماعية التي تكاد أن تشظي المجتمع البحريني، وتحيله إلى أرخبيل من الجزر الطائفية التي تهدد سلامة مواطنيه، واستقرار نظامه.

ففي خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومنذ اندلاع الأزمات التي تولدت من أحداث «دوار اللؤلؤة»، في 14 فبراير/ شباط 2011، ارتفعت مجموعة من الأصوات، العالية أو تلك العاملة في صمت، والتي يمكن حصر أهمها في المحاور الآتية:

1 - صوت سمو ولي العهد المسموع وبشكل جهوري، مدعوماً بطبيعة الحال من جلالة الملك، الداعي إلى حوار يأخذ البحرين من مأزقها إلى محطة استراحة أكثر تقدماً، تساعدها على انطلاقة جديدة أخرى قادرة على، توفير الأجواء، كي لا نستبق الأحداث ونقول إنجاز، لتعزيز الديمقراطية، كما ورد ذلك في دعوة الحوار الأولى، وما أسرّ به ولي العهد شخصياً لمجموعة من التجار، التي قامت بزيارته والاجتماع به خلال الفترة الماضية، وأخيراً في النقاط السبع التي وردت في التصريح الذي أدلى به سموه لوكالة أنباء رويترز.

ليس القصد هنا القفز إلى نتيجة مفادها أن تلك الدعوة إلى الحوار، تعكس برنامجاً متكاملاً، بقدر ما تشكل، في جوهرها، وكما نراها، مدخلاً صحيحاً يمكن أن يشكل أرضية صلبة للمتحاورين. تجدر الإشارة هنا إلى ثبات نقاط الحوار، وعدم تبدلها حتى بعد عبور قوات درع الجزيرة حدود مملكة البحرين.

2 - صوت الجمعيات السبع، الذي كان هو الآخر مرتفعاً وجهورياً، والذي احتضن مجموعة من الشروط التي ينبغي أن تسبق الجلوس إلى طاولة الحوار، كان في مقدمتها استقالة الحكومة الحالية، لكنها خففت من لهجتها، وخفضت من سقف مطالبها، بعد دخول درع الجزيرة، فوجدناها، بدلاً من مطالباتها بـ «تشكيل حكومة جديدة وإقامة مجلس خاص منتخب لإعادة صياغة دستور البحرين»، تحصر مطالبها بأن تفرج «قوات الأمن عن كل المحتجزين وإنهاء حملتهم ومغادرة قوات الخليج البلاد حتى تبدأ المحادثات، وتهيئة الأجواء الصحية والسليمة للبدء في الحوار السياسي بين المعارضة والحكم على أسس يمكنها من وضع بلادنا على سكة الدول التي تسير على خطى الديمقراطية الحقيقية وإبعادها عن الانزلاق نحو الهاوية».

ومن يتابع الخط البياني لمواقف الجمعيات السبع، يكتشف أنها خفضت من سقف مطالبها السياسية، لصالح مناشداتها الأمنية والإجرائية، وليس هناك ما يمكنه أن يفسر ذلك سوى الانقلاب في موازين القوى لغير صالحها.

3 - صوت ثالث غير مسموع، لكنه ينفذ مشروعه على الأرض، وبخطوات واسعة وسريعة على حدٍّ سواء، وذلك هو الصوت المتبني للمشروع الأمني، الذي يرفض القبول بأي شرط من شروط المعارضة، ويتعارض موضوعياً مع دعوات الحوار التي يقودها معسكر سمو ولي العهد.

هذا الصوت، يقف في مواجهة المشروع الإصلاحي بشكل مباشر، وتتناقض مشاريعه السياسية، ومصالحه الاقتصادية، مع أية خطوة للأمام على طريق الديمقراطية. وهو صوت ينادي، وينفذ في الوقت ذاته برامج، ترتكز إلى الحلول الأمنية، النابذة لتلك السياسة، ويحاول دون كلل أو يأس، جرّ البلاد إلى تلك الأجواء التي كانت تسودها قبل المشروع الإصلاحي الذي قاده جلالة الملك. من الضرورة تقدير الثقل الذي يحظى به هذا الصوت في موازين القوى البحرينية والخليجية على حدٍّ سواء.

4 - صوت رابع بدأ يلج ساحة الصراع، وهو صوت «تجمع الوحدة الوطنية»، والذي لا يزال من المبكر الخروج بحكم قاطع حول هويته، والخروج برأي صحيح، حول ما يريده بالضبط.

علينا هنا الابتعاد عن التسطيح الشديد الذي يضع هذا الكيان السياسي الجديد في «جبة السلطة»، واعتباره إفرازاً طبيعياً متوقعاً لما رسم معالمه «التقرير المثير».

في حقيقة الأمر، تقف وراء بروز هذا التجمع عوامل أكثر تعقيداً من مجرد اعتباره «بوقاً جديداً للسلطة التنفيذية». ينبغي قراءة انبثاق هذا التجمع عن حاجة «الحالة السنية (الطائفة السنية)»، الماسة والآنية، إلى شكل من أشكال التنظيم المعبر عنها، والناقل لأصواتها. لذا لابد من التأني عند تصنيف هذا التجمع الذي علينا أن نتوقع ممارسته لدور مهم في الحياة السياسية البحرينية، ما يدعو القوى السياسية إلى عدم التقليل من أهميته، ولا إغفال وزنه، بغض النظر عن موافقتنا على ما يطرح أو اختلافنا معه. فالحديث هنا عن تيار فكري لابد من قراءته على نحو صحيح، وثقل سياسي، ينبغي قياس وزنه بشكل دقيق

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3119 - الإثنين 21 مارس 2011م الموافق 16 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 12:24 م

      الرقم الصعب

      يا اخ عبيدلى , اترك عنك الكلام في العموميات , الرقم الصعب اليوم هو تجمع الوحدة وطنية وبس , ولن يمر اى شىء بعد اليوم دون ختم التجمع , لا داعى للتقليل من شأن ذلك.

    • زائر 13 | 7:07 ص

      تحليل هادئ

      كما عودنا الكاتب العبيدلي فإنه يطرح تحليله بشكل موضوعي و هادئ ، عكس بعض الكتاب الذي قد يتطرف في اتجاه معين أو يبسط الموضوع بدون النظر في تفاصيل ضرورية.
      انا مع الكاتب ان هناك اطراف متعددة بعضها له اتجاهات واضحة كالمتمسكين بالحل الأمني، و بعضها مجموعة كبيرة فيها اطراف متعددة مثل تجمع الوحدة الوطنية والذي اعتقد انه ممثل لعدة تيارات لها اسقف متعددة للمطالب، كما المعارضة لها عدة تيارات و لها اسقف متعددة للمطالب. ارجو ان ينجح سمو ولي العهد في تقريب وجهات النظر للأطراف المعتدلة مما سيحيد المتطرفين

    • زائر 12 | 4:34 ص

      سؤال مستعجل

      ادن من هو الصوت المسموع ولم يصادر صوته هل اني تعجلت وسيكون في الجزء الثاني من التحليل

    • زائر 11 | 4:27 ص

      لتعليق رقم 1

      تجمع الوحدة الوطنية يتضمن مئات الألاف من المواطنين الذين يقتسمون معك العيش والصوت. وبغض النظر عن طلباتهم اذا كانت تتوازا مع المعارضة ام مع الحكومة ام تتلاقا في بعض النقاط مع اي الطرفين، في النهاية هم لهم صوت ورأي يمثل نصف المجتمع.

    • زائر 10 | 3:18 ص

      المشكلة التى اوصلتنا للحال

      هو التزمت المقيت الذي سببوه بعدم الانصياع لرجاحة العقل والجلوس لطاولة الحوار ولكنهم الجمعيات وبدون استثناء لا يريدون ان يعلوا صوتا الا صوتهم فان لم تكن معي فانت ضدي وتشطيرنا لموالين ومعارضين وكاننا فى العصور الوسطي حتى الذي يشكر الحكومة او حتى السلام عليها اصبح جرما والتهم المغلفة بالف غلاف على من يبدي رأيا غير آرئهم يصبح خائنا وجب شنقه وان لم يكن يعزل فى الوسط المجتمعي واصبحت الابواق التى لا نعلم من اين انزلت حتى اصبحت ناشطة وخبيرة وحقوقية وسياسية .........

    • زائر 7 | 2:22 ص

      الصوت الثالث الغير المسموع

      لمن تراه يكون؟

    • زائر 1 | 11:48 م

      قراءة وتحليل

      التجمع ممن ومن هم الاعضاء وماهي الكيانات المكونة له وماهي مبررات تكوينه ولماذا مباركة النظام له وتشجيعه وماهي القنوات الناقلة لفعالياته الداخلية والخارجية وما هي هتافاته ولماذا في هذا التاريخ وهذا الوقت تحديدا أسئلة كثيرة لو عرفت اجابتها عرفت ما هو مطلوب ...
      والسؤال الذي لابد أن يطرح هو أين هم منتسبو الجمعيات السياسية الصامتة هل ما أعطي لهم من مراكز ووظائف يبرر سكوتهم وبخاصة من يأخذ الوسط ويتسمى به ؟؟؟؟

اقرأ ايضاً