العدد 317 - السبت 19 يوليو 2003م الموافق 19 جمادى الأولى 1424هـ

المرأة الخليجية: غياب الدور وضعف الشخصية

خالد عبدالله comments [at] alwasatnews.com

-

تختلف المرأة في منطقة الخليج عن مثيلاتها في دول العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية، ويتقلص دورها كثيرا إن لم ينحسر تماما في بعض الأحيان والأماكن وفي جوانب مختلفة وعلى صعد متعددة سواء الاجتماعية منها أو الثقافية فضلا عن انعدام فاعليتها ووجودها في الميدان السياسي.

وحتى الجانب التربوي التعليمي الذي خاضت المرأة الخليجية غماره أكثر من سائر الجوانب الأخرى فإن مساهمتها فيه لم تتعد حدود القيام بمهمات التعليم اليومية المباشرة للطالبات من بناتنا، فهي لم ترق إلى مستوى رسم السياسات التعليمية أو الاستقلالية أو حتى المشاركة الفعلية الجادة في صنع القرار التربوي المعرفي المرتبط بالجانب الأنثوي في المجتمع.

وقبل أن أخوض في تفاصيل هذا الموضوع أسجل هنا ملاحظتين:

- حديثي عن المرأة في دول الخليج هو استقراء لواقع العموم من نسائنا والغالب منهن، ولا يعارض رأيي أو يناقضه بروز حالات تكاد تكون فردية تميزت وأبدعت وفرضت كفاءتها ووجودها بحكم الحاجة الملحة لا من باب الطبيعة الاجتماعية العامة ولا من منطلق الوضع القانوني الدستوري الذي كان من المفترض به انصافه لتلك الميزة التي تفسح المجال لدور الآلاف من مثل هذه الطاقات النسوية لا العشرات أو حتى الآحاد - أحيانا ما - منها.

- يتفاوت حضور المرأة داخل المنظومة الخليجية العربية ويختلف حجم مشاركتها وبروزها العلني وتصديها لبعض الأدوار والمسئوليات من دولة لأخرى فيها، فالوضع في الكويت والبحرين ومن بعدهما عمان بالنسبة لها يتقدم مسافة كبيرة عن وضعها في قطر والإمارات وأخيرا في السعودية.

تأخر المرأة... عوامل مفروضة عليها

هناك الكثير من الأسباب والعوامل الموضوعية والواقعية التي فرضت هذا الوضع وهذه الحالة من التهميش والإقصاء للعنصر النسائي في مجتمعنا، وأهمها افتقاد مجمل الدساتير واللوائح القانونية المعمول بها في هذه البلاد وخلوها من البنود والقوانين التي تكفل للمرأة حقوقها وتحميها، وتعطيها بالتالي الحوافز والدوافع الذاتية للانطلاق إلى ممارسة أدوارها الحقيقية وتبوؤ مكانتها المرموقة في مختلف الصعد الجانبية أسوة بأقرانها في المجتمعات الأخرى.

وأيضا هناك تفاوت مستوى الحقوق الممنوحة للمرأة من دولة خليجية لأخرى، ولكنها جميعها لا ترقى إلى المستوى المطلوب الذي يليق بها باعتبارها كائنا بشريا له من المكتسبات وعليه من الواجبات مثل ما للرجل.

وينحدر مستوى الوضع القانوني كثيرا في بعض هذه الدول ومدى الحقوق المعطاة لها، ويكفينا للتدليل على ذلك أن نذكر قانون وزارة الداخلية الذي يمنع المرأة من مزاولة قيادة السيارة في الطرقات العامة ويعرضها لأشد العقوبات في حال مخالفتها لهذا القرار!!!

ومن ثم هنالك ذلك الإرث التاريخي والثقافي المغاير تماما لمفاهيم الإسلام الصحيحة الذي ألقى بظلاله الكثيفة على ظهور المرأة وفاعليتها الاجتماعية، والذي يسود قطاعات اجتماعية عريضة لاسيما العشائرية والقبلية منها بحكم الغالبية العددية التي تمتلكها في بلادنا. والذي تمثل - وللأسف الشديد - في تلك النظرة الدونية للأنثى وفي ذلك المفهوم السلبي القاتم عن حضورها الاجتماعي، فهي مصدر إغراء وغواية ومجرد خروجها لوحدها من البيت مجلبة للفساد والفتنة! فبقاؤها في بيتها أضمن لعفتها وشرفها!.

هذه النظرة المشوهة لكيان المرأة وانسانيتها هي التي جعلت من التعامل والتعاطي معها من قبل الكثير من الرجال عقدة اجتماعية فمجرد الحديث معها أو النظر إليها ولو بحضور الآخرين في مجالس مفتوحة قد يوحي بأنه يجلب الإغراء والفتنة!

وقد وصل سوء الحال في تعامل الرجل معها فيما إذا اضطرت للخروج منفردة من منزلها للتشافي أو للتسوق - مثلا - فان ذلك يصبح موضع شبهة وتشكيك من قبل الآخرين في تصرفاتها وسلوكياتها ما يدفع بذوي النفوس المريضة إلى مضايقتها أو حتى التحرش بها.

وهذه النظرة أيضا هي التي جعلت فئة واسعة من جنس الذكر الرجل الخليجي العادي يحول دون اقتحام المرأة للمعترك الحياتي بكل مجالاته بحجة الحفاظ على أمنها وعرضها! وهي التي ساهمت كثيرا في إحجام الكثير من فتياتنا عن تحمل مسئولياتهن الاجتماعية وخصوصا إذا ما كان فيها نوع من الاحتكاك بالرجل مهما بلغت الفرص التي تتيح لهن ذلك وأجواء الدعم والتشجيع التي يلاقينها لهذا الغرض.

والغريب في الأمر وجود جهات سياسية ناشطة محسوبة على التيار الديني السلفي تحاول تأصيل هذه الفكرة دينيا، وإضفاء الطابع الشرعي عليها من أجل الحؤول دون المشاركة الاجتماعية للمرأة كما هي الحال في الكويت.

الثقة بالذات بداية الانطلاقة

ما ذكرته من أسباب لا دخل للأنثى فيها فهي قد فرضت عليها وأسهمت في عزوفها عن تأدية واجباتها. لكن أيضا هناك من العوامل الأخرى المرتبطة بذات المرأة وبطبيعة كيانها وحياتها وأهمها ضعف ثقتها بشخصيتها وبقدراتها على خوض غمار المجالات الحياتية المختلفة ما انعكس في ندرة الكفاءات النسوية في ميادين مهمة وحيوية في مجتمعنا الخليج أبرزها ميدان الثقافة والأدب والصحافة والإعلام. وقد انتقل هذا الضعف في الثقة بالنفس إلى فتياتنا وهم في مراحلهم العمرية الأولى حيث عزوف الكثير منهن عن مواصلة التعليم الجامعي فضلا عن مشوار الدراسات العليا ما ترك أكبر الأثر في نقص الكادر النسوي صاحب المؤهل العلمي المطلوب في مختلف التخصصات الأكاديمية مثل الطب والهندسة والاجتماع والنفس وغيرها لتعليمها للأجيال اللاحقة من الفتيات أو مزاولة هذه المهن ميدانيا وخدمة المجتمع من خلالها.

هذا على الصعيد النظري، أما على الصعيد العملي فلا نجد لها حضورا يذكر في مجالات كثيرة من قبيل الصناعة والتجارة وإدارة المشروعات والمؤسسات الاجتماعية وتبوئها للمناصب الادارية والقيادية في المراكز الرسمية منها والشعبية، وأما في الميدان السياسي فينعدم وجودها تماما كما تختفي رموز الحكم والسلطة من العناصر الانثوية.

والميدان الوحيد الذي أبدعت وتألقت فيه المرأة الخليجية هو مجال التمثيل التلفزيوني والفن المسرحي والغنائي.

وجذر المشكلة يكمن في أن المرأة في الغالب يطغى على تفكيرها شعور ضعف الأنثى حيال منافسة الرجل أو حتى مجاراته جنبا إلى جنب لكونها مخلوقة ضعيف لا حول ولا قوة لها، جميع قضاياها وشئونها بيد رجلها وولي نعمتها الذي يملك زمام أمورها وله كامل الأحقية في التصرف بحياتها كيفما شاء ومتى ما أراد!! ومن ثم فهي محقة في عدم تمكنها من إنجاز ما يحققه شريكها الاجتماعي الرجل من مهمات ومسئوليات!

هذا الشعور يتجلى في تصرفاتها وردات فعلها إزاء الكثير من المواقف التي تتعرض لها في حياتها والتي قد لا تحتاج إلى كثير من الجرأة والحكمة، لكنها تفتقدها في تلك اللحظات نتيجة هذا الإحساس بالنقص من قبيل خوفها وتهيبها من السفر والانتقال لوحدها حتى في حالات الضرورة تحت مبرر احتمال تعرضها للمشكلات الطارئة وعدم قدرتها حينها على التصرف بحكمة وروية لتلافيها.

وكلما كان الموقف يحتاج إلى صلابة وشجاعة أكثر كان الإحساس بالضعف أقوى، لذلك نجد إحجام الكثير من النساء - مثلا - عن خوض معترك النشاط التجاري بمفردهن لما فيه من صعوبات ومغامرات ومن ثم تحقيق الاستقلالية في توفير الاحتياجات المادية اللازمة من أجل حياة كريمة ومريحة.

هذا المستوى من تردي الثقة بالذات الذي تبتلي به الغالبية من نسائنا هو الذي يحول دون انبعاث الكفاءات والطاقات النسوية التي يحتاجها المجتمع بشدة في مسيرته التنموية والنهضوية على الصعد كافة والتي لم يسد حاجتها إلى الآن عنصر الكادر الرجالي وإمكاناته.

الوعي المعرفي... هدف تنموي

من أعظم مشكلات المرأة في بلادنا الأمية العلمية والجهل والتخلف الثقافي اللذان تغرقان فيه ثلث نسائنا البالغات على أقل التقادير. فقد نشرت صحيفة «الرياض» في عددها الصادر يوم الجمعة 13 يونيو/ حزيران الماضي بأن المملكة العربية السعودية - أكبر دولة خليجية وأكثرها سكانا - قد حققت أخيرا انجازا كبيرا يتمثل في استطاعتها أن تقلص نسبة الأمية بين الرجال إلى 9 في المئة والنساء إلى 27 في المئة فقط!

هذا المقدار من الأمية مرتفع جدا إذ ما قورن بنسب الأمية في دول العالم المتمدنة والمتطورة، وقد اختفت الأمية في النطق والكتابة تماما في دول كثيرة وأصبح مفهومها هو الجهل باستخدام جهاز الحاسب الآلي كما هو مطبق في اليابان.

أما في بلادنا وعلى رغم كل هذه الثروات الكبيرة التي حبانا الله بها فلا نزال نعيش الأمية المعرفية بهذه الأرقام العالية لاسيما في صفوف الإناث.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن القسم الآخر من المتعلمات المفترضات توجد فيهن أعداد كثيرة أيضا لا تزيد معرفتها وإطلاعها العلمي على ألفباء القراءة والكتابة، أي انهن خاليات من الوعي الثقافي والفكري اللازمين للقيام حتى بأبسط أدوارهن في الحياة، لكنها - في الوقت نفسه - أعظم أثرا في المستقبل ألا وهي تربية وتنشئة الأجيال الجديدة من أبنائنا النشأة السليمة والصالحة، بغض النظر عن سائر الأدوار الأخرى المطلوب أن تقوم بها وتمارسها كونها جزءا رئيسيا يشكل ما يزيد على نصف مجتمعنا المعاصر.

من هنا ندرك حجم المشكلة وعمقها بالنسبة إلى المرأة في الخليج، ونفهم بالتالي سبب ضمور طاقاتها أو قدرتها وبالتالي خسارة المجتمع الفادحة جراء ذلك وتأخر مسيرته التنموية وعملية البناء والتحديث المستمرة فيه

العدد 317 - السبت 19 يوليو 2003م الموافق 19 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً