العدد 3232 - الأربعاء 13 يوليو 2011م الموافق 11 شعبان 1432هـ

معالجات وآراء حول الانقسام الطائفي والبحث عن الهويّة الوطنية (2)

محمد المرباطي comments [at] alwasatnews.com

إن التطورات الديمقراطية والقيمية الحديثة وتأثيراتها القوية على المجتمعات العربية جعلت الجماعات الطائفية والعصبية الأخرى تتناغم مع الأوضاع الجديدة من خلال مزج أطروحاتها بشعارات ديمقراطية، ولكن واقع الحال يشير إلى أن هذه الجماعات تعيد استنساخ قيمها وثقافتها بأسلوب يتلاءم مع الواقع الراهن، وذلك لأسباب أن هذه الجماعات لا تعرف في محيطها العام مبدأ المعارضة، فمن يخالف يستثنى من الطائفة والجماعة أو من الحزب والجمعية، وهو المعيار الذي يحكم سلوك هذه الجماعات والأفراد.

لهذا فإن خطورة العصبيات المذهبية أو الطائفية أو الحزبية وغيرها، تكمن حينما تتقاطع مع المفهوم السياسي الحديث للدولة، كما أن هذه العصبيات تتداخل بشكل تحشيدي يقوم على الكم البشري، فكلما كبرت وازداد حجم هذه الكتلة البشرية، كلما ازداد المجتمع تخلفاً، ففي هذه الجماعات أو الكتل يتماهى الفرد وتتماهى حقوقه، حينها لا يمكننا الحديث عن الديمقراطية والمواطنة ودولة القانون، كما أن التعصب بجميع أشكاله عامل فرقة لا عامل اجتماع أو اتفاق أو توافق، إضافة إلى أن التعصب أو العصبية تخلق جماعات أخرى خارج الإطار الوطني العام، عندما تشكل ولاءاتها وهوياتها النشطة الخاصة بها، والتي تتنافر وتتصارع مع الآخر في المجتمع ذاته. وقد تتطور إلى تقسيم الوطن إلى أجزاء متنافرة.


تحشيدات مذهبية متقابلة

ونلاحظ هذه الظاهرة قد أخذت تنمو في بلادنا من خلال التحشيد السني والشيعي، الذي يقوم على الولاءات المذهبية، في تشكيل هذه الكيانات الطائفية وثقافتها. فمن خلال الولاء تتم صناعة وتأصيل قيم الطائفة التي تقوم على الذات الجماعية (نحن)، وذلك في التمايز عن الآخر. وفي هذه الحالة تغيب حقوق المواطن وحريته التي تقوم عليها مبادئ المواطنة كجوهر للديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقد أصبحت هذه الظواهر من الملامح البارزة لمجتمعنا وحياتنا السياسية، فمن دون هذه الولاءات لا تقوم العصبيات الطائفية وغيرها، لأن ثقافة الولاء تعزز اللحمة الداخلية للجماعات العصبية وتجعلها كتلة اجتماعية سياسية مؤثرة. وبالمقابل فإن بروز الهويات العصبية النشطة تعبير عن فشل الدولة في تكريس مفهوم الولاء للوطن أو الولاء الوطني لأن الوطنية كانت محارَبَةً، ولم يسمح بنشر ثقافتها ومبادئها، لذا أصبح هذا المفهوم يعاني الغربة والانتكاسة، علاوة على عدم تأصله وتجذره في مجتمعنا، بعكس المفاهيم الطائفية التي تعززت وتكرست لدرجه أنها تسببت في الشرخ العمودي للمجتمع، وصار الولاء والتضامن المذهبي الجبري من خصوصيات هذه المرحلة، وأصبح اجترار الحديث عن الأغلبية الشيعية أو الأغلبية السنية وليس الأغلبية المواطنة المهددة بفعل موجات الهجرات الأجنبية. وهكذا أصبح للطائفية أو المذهبية كيانات ذات خصوصية في مجتمعنا، وأصبحت تملك قوى التأثير القادرة على تعطيل مقومات الدولة المدنية الحديثة.

إن تجذر الكيانات الطائفية وتسيدها في المجتمع، تجعل أفرادها مجبرين على مسايرة التوجهات والآراء العامة لمراجع وشيوخ الطائفة في الشأن السياسي العام، وإلا أصبح الفرد محارباً ويواجه الإقصاء، لأن الكيانات الطائفية تقوم على قواعد المنطق الجمعي الذي يلغي كيان الفرد. ونلاحظ ذلك بوضوح في الانتخابات النيابية والبلدية، حينما يؤخذ الفرد في إطار الجماعة المذهبية أو العصبية بصورة عامة. فالجميع يتوجهون لاختيار ممثليهم بناءً على تزكية وتوجيهات المراجع وشيوخ الطوائف.

والحال نفسه في الأحزاب العقائدية وفي إطار القبيلة أو العشيرة من دون أي اعتبار لكفاءات الفرد (المرشح) الذي يتماهى في إطار الجماعة الطائفية أو ضمن العقل الجمعي العصبوي. وهي من الحالات الرئيسية في عدم إنضاج عملية التحديث السياسي، ولأسباب تعارض هذه الكيانات الطائفية في خلفياتها الايديولوجية وجذورها التاريخية التي ترسم ذاكرتها الجمعية مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية وعملية بناء هوية المواطنة.

إضافة إلى ذلك، تشكل السبب المباشر لممانعة الجماعات العصبوية (الطائفية) التقليدية لمفهوم الوطنية ومبادئها، فهذا المفهوم الحديث غير مألوف في ذاكرتها وثقافتها، إضافة إلى أن الوطنية تلغي الكيانات الطائفية وتبعدها عن الشأن السياسي.


الديمقراطية المشوهة تكرس الطائفية

إن الممارسة الديمقراطية يمكن أن تكرس الطائفية وغيرها من القيم العصبوية إذا حاولت الحكومة أو الجمعيات السياسية ونخبها استغلال هذه الأبعاد، ودخلت في حالة تواطؤ مع تعبيراتها ورموزها الدينية والمذهبية، حيث إن تمازج البعد الطائفي في العملية السياسية يكون بالضرورة عاملاً سلبياً. فالممارسة السياسية السليمة للديمقراطية يجب ألا تتيح المجال لأية مساحة سياسية ممكنة للكيانات الطائفية السياسية، وعدم السماح باستغلال الدين أو المذهب أو العرق أو العشيرة في التحولات الديمقراطية.

وتكمن خطورة الاستغلال السياسي للمذاهب في عمليات التحول الديمقراطي من خلال استغلال مساحة الحرية المتاحة التي تستغلها القوى السياسية الطائفية في إذكاء المكونات التقليدية في المجتمع كالطائفة والقبيلة والدين واستغلال المذهب والدين سياسياً في الدولة الحديثة، ومن خلاله تنشيط الممانعة الثقافية ضد تقبل الدولة المدنية وقيمها الحديثة.

إن بعض القوى الطائفية تحاول امتصاص الصدمة الحضارية للدولة المدنية من خلال تقبل بعض مفاهيمها الوطنية والحقوقية للتأثير السياسي بغطاء مذهبي ديمقراطي، وهو عامل مهم في إفساد الديمقراطية. فالوطنية ليست بالضرورة على توافق مع الديمقراطية التي تشكل منهجا حضارياً للحكم. فلقد شهدت المنطقة العربية كثيراً من أنظمة الحكم الوطنية والمعادية للاستعمار، ولكنها في الوقت ذاته كانت معادية للديمقراطية

إقرأ أيضا لـ "محمد المرباطي "

العدد 3232 - الأربعاء 13 يوليو 2011م الموافق 11 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:01 ص

      الخلافات نعمة فلا نحولها إلى نقمة

      كان الناس أمة واحدة منكبة على الباطل فشاءت إرادة الله أن يرسل رسله ليوضحوا للنا طريق الحق فانقسم الناس وكما قال الله تعالى كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين
      وعلى ضوء هذا الإختلاف رحمة ومدعاة للإبداع والتطور
      وتلاقح الأفكار واستنارتها ولكن هناك استغلال سيء
      للإختلاف وهذا الذي يحاول البعض إثارته
      لا يحق لأحد إلغاء الطرف الثاني مهما تكن الأسباب علينا نشر مبدأ التعايش السلمي والولاء للوطن
      وبعد ذلك فاختلافنا لا يجب أن يخرجنا من حق ويدخلنا في باطل

اقرأ ايضاً