العدد 3232 - الأربعاء 13 يوليو 2011م الموافق 11 شعبان 1432هـ

التوافق الاجتماعي بوصفه طوق نجاة

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

التوافق الاجتماعي هو العنصر الأهم الذي يجب ألا تفقده البحرين بأي شكل من الأشكال، وخصوصاً أن شعبها يمثل خليطاً متنوعاً من المذاهب والأديان والانتماءات العقائدية، وطوال عقود كانت تعرف بأن قوَّتها تنبع من ناسها الذين يتسمون بالتجانس الاجتماعي والفكري، ولم يشهدوا على مدى التاريخ صراعاً مذهبيّاً أو حرباً أهلية أو صداماً عرقيّاً.

لعل ألوان هذه اللوحة البديعة تكاد تتلاشى اليوم في زحمة المشهد المكتظ بالأقلام الطائفية، والخطاب الإقصائي الذي لا يهدف سوى إلى الصعود والتملق والتزلُّف، على حساب همِّ الوطن وآلامه ومشكلاته المتشعبة في أكثر من ملف يقلق راحة المواطن منذ سنوات بعيدة.

البحرين بلد صغير جغرافيّاً، يكاد لا يذكر على خارطة بلدان شاسعة المساحة، لديها مشكلات على صعيد البطالة والتنمية والغذاء، وتواجه أزمة في تغطية ديونها ومصادر الدخل القومي لديها محدودة.

بلد كالبحرين لا يتحمل دق إسفين الطائفية والنزاع العقائدي، ولا يستوعب الصراعات التي تقودها جمعيات تحت قبة البرلمان أو صناديق الاقتراع لتحقيق أجنداتها وأهدافها السياسية، بعيداً عن القضايا المعيشية التي تقضُّ مضجع أبنائه، كملف السكن ورفع الأجور والقضاء على البطالة (خصوصاً الجامعيين)، والمضاربة في أسعار الأراضي -إلى حد يفوق القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين- والتمييز والفساد والاستحواذ على الأملاك العامة.

لا يوجد بحريني من أكبر مسئول إلى أبسط موظف في شركة أو مؤسسة عامة أو خاصة، لا يدرك حقيقة مطالب الناس الذين يتوقون إلى تحقيقها، بصرف النظر عن دينهم أو ملتهم، وهي مسائل يمكن معالجتها من دون أن نخسر أي طرف أو جماعة أو مكون، فجميع البحرينيين من حقهم أن يشاركوا في بناء وطنهم والمساهمة في تنميته والنهوض به، ولا يجوز مصادرة هذا الحق منهم استناداً إلى قاعدة الشك والظن والتخوين.

العبرة ليست في العدد وحجم التمثيل من التعداد السكاني، بل في العمل والتضحية والإيثار من أجل صلاح الأمة ورفعتها وإعلاء كلمتها، فكلما انصهر الناس في بوتقة المواطنة، نجت السفينة من الغرق وبلغت برَّ الأمان بسلام، وكلما انشغلوا في البحث عن زلات وأخطاء من يخالفهم المعتقد، تاهوا في خضم صراعٍ لا يبقي ولا يذر، ولا يثمر خيراً ينفع البشر.

«الغاية تبرر الوسيلة» مقولة الفيسلوف والسياسي الإيطالي ميكافيلي التي يحلو للبعض أن يترجمها واقعاً حيّاً لا يسلم من شره أحد، يشطرون عباد الله كيفما شاءوا، ويفرزونهم بحسب اللون والعرق والنسب وفق أمزجتهم وأهوائهم، ويدعون عليهم بالويل والثبور، ويطالبون بالقصاص منهم وفرض أقصى العقوبات بحقهم على أساس التعميم الأعمى غير الموزون، والذي لا يشم منه إلا رائحة الكراهية والحقد، وكل ذلك باسم حرية الرأي والتعبير.

حرية أي فرد يجب أن تقف عند حدود التعدي على حريات الآخرين، وإسقاط الأحكام العامة على فئةٍ أو مكوّنٍ من الناس يجب أن يقترن بالأدلة والبراهين؛ فالارتهان إلى الظن والتحشيد لمحاسبة البشر على نواياهم لمجرد الشك؛ سيوسع دائرة الهوة وسيعزز من الشرخ الطائفي الذي لم يصل إلى أرض إلا وفتت من عليها وفرق شملهم

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3232 - الأربعاء 13 يوليو 2011م الموافق 11 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:00 ص

      مقال جميل

      افتقدنا مقالاتك ابا محمد ... شكرا لكتاباتك الرائعة ...
      تقبل تحياتي ...

    • زائر 2 | 2:43 ص

      فرق بين من يعيش هم الأمة بأكملها ومن يعش هم نفسه وخاصته

      لقد برهنت لنا الأحداث أن هناك في المجتمع أناس لا يتعدى همهم مصلحتهم الخاصة ومصلحة من حولهم
      وباقي الأمة فلتذهب إلى الجحيم
      وهناك بشرا ظهروا بمستوى المسؤلية ويحملوا هم الوطن كل الوطن دون تمييز. هؤلاء حملوا هم الأمة
      بأكملها وهذا ما يريده منا الإسلام
      لا يريد منا الإسلاف أن نحقق طموحنا وطموح من حولنا من قربى فقط وباقي من عليها فليس لنا دخل فيهم
      والأدهى حتى إذا طالب هؤلاء ببعض حقوقهم وقفنا
      ضدهم حتى لا يتمكنوا من تحقيق مطالبهم رغم قناعتنا بأحقيتها
      ترى هل هكذا يريدنا الإسلام

    • زائر 1 | 1:09 ص

      هناك انفراط شديد في التوافق الاجتماعي

      والسبب من يحمل هموم البلد يمثل طائفتة ولكم بمداخلة احد النواب في اجتماع الحوار الوطني المحور السياسي نموذج لأنفراط التوافق الاجتماعي وكان من الواجب ايقافه عند حده من زمان وعن الطريفق القانون؟؟ ولكن مايحدث نتيجة غمض العين عن بؤر التوتر وهي معروفة لدى الجهات الرسمية شكرا لك عل هذا الطرح الجميل

اقرأ ايضاً