العدد 3242 - السبت 23 يوليو 2011م الموافق 22 شعبان 1432هـ

صراع المرجعيات في مصر ما بعد الثورة

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

بعد أن نجحت الثورة بإسقاط نظام آل مبارك في مصر بات هناك ما يشبه الصراع على المجتمع، خصوصاً من أصحاب المرجعية الدينية سواء في هذا الحراك الذي بدأته جماعات الإخوان المسلمين بعقد الندوات وحملات التعبئة لأنصارها داخل المدن، وبتعمدها تخليق مؤسسات موازية، ومروراً بالسلفيين والجماعات الإسلامية وغيرهم الذين باتوا يظهرون في المشهد بشكل مستفز في تصرفاتهم وفي ما يتبنونه من شعارات وأفعال تؤدي إلى فتنة داخل المجتمع.

فالكل بات يؤكد على المرجعية الإسلامية وكأن الإسلام لم يكن من قبل موجوداً في مصر، وانه تم إعادة اكتشافه على أيديهم مرة أخرى، وأن ما بُني في ثقافته من مدنية حديثة على مدار المئتي سنة الماضية أصبح بالنسبة لهم رجساً من عمل الشيطان، وهدمه بات من أولوياتهم. فالقضية أصبحت تأخذ بعداً فكرياً عند تعاطي أصحاب هذه المرجعية مع الواقع برؤية تتعارض في كثير من الأحيان مع قيم الدين نفسه، فبدلاً من الرفض للواقع لمجرد الرفض كان من باب أولى أن يكون التناول في إطار عقلاني يحمل تساؤلات، مثل هل ما جاءت به المدنية الحديثة من نظم حديثة وقدرتها على إعلاء قيم كالعدالة والمساواة والحرية يتعارض مع القيم التي جاء بها الإسلام؟ والإجابة تحتاج ليس الاستعانة بالماضي والتفسيرات المتنوعة والمتباينة للدين وإنما إلى رؤية ومنهجية الحاضر.

هذا الموقف لا يقدم حلولاً بقدر ما يغلق الباب أمام إبداعات عقول البشر. فالدولة الحديثة أثبتت بتطبيقاتها في المجتمعات الديمقراطية بأنها تحقق ولو بحد أدنى قيم العدالة بشكل يعمل على الحفاظ على آدمية الإنسان وكرامته والتي تشهد الوقائع أنها كانت أشد انتهاكا في المجتمعات الإسلامية. وبالتالي فأسلمة الدولة وعدم مراعاة التطور في الأفكار والمؤسسات والقيم الإنسانية قد يعود بنا إلى البدايات الأولى للبشر.

من هنا فالتساؤل إذا كانت ثورة الشباب استطاعت بقوتها أن تقتلع نظام مبارك من السلطة بعد ثلاثين سنة حكم دكتاتوري، فهل تكون لهذه القوة الخفية تأثيراتها الإيجابية على عقلية النخبة والقوى السياسية الأخرى التي تتباين فيما بينها من أقصى اليمين لأقصى اليسار، ليصبحوا غير ما كانوا عليه في الماضي من الاختلاف الشديد بينهم. فهناك قوى وطنية متعددة، يسارية وإسلامية قد لا تتناسب أفكارها مع المرحلة المقبلة، وتحتاج إعادة تفكير وتغيير من رؤيتها مع تعاطيها مع الواقع الجديد. فالإسلاميون يحتاجون أن يغيروا من أحاديثهم المغلقة والخروج من إطار “الإسلام لديه حل لكل القضايا”. فلا يمكن التعامل مع نظرة أحادية للوجود، فهذه الثورة بملايينها لم تكن ملكاً لأحد، فقد خرج فيها اليساري والشيوعي والإسلامي والليبرالي ومن ليس له توجه فكري أو سياسي. وبالتالي اشترك الجميع في مبادئ إنسانية عامة تطالب بالكرامة والعدالة والمساواة والحرية، مع مطالبتها بإسقاط النظام الذي حجب عنها هذه الحقوق.

ثانياً: أيضاً أصحاب الفكر اليساري قد يحتاجون إلى إعادة تغيير رؤيتهم للواقع، فتجربة النظم الاشتراكية لم يكن سجلها مشرفاً فيما يتعلق بامتهان كرامة الإنسان، فلا تتحقق العدالة عن طريق تحقيق المساواة بين الجميع، بل قد يكون في ذلك تكريس للظلم، فمبدأ المساواة يجب ربطه بقيمة العدالة، فمن يجتهد ويعمل لا يمكن أن يتساوى مع من لا يعمل، والقيمة تتحقق عند إتاحة الفرصة وليس في توزيع العائد على الجميع بشكل متساوٍ.

ثالثاً: على الرغم من أن ثورة الشباب فيما كانت تقوم به كانت تميل أكثر للفكرة الليبرالية وفكرة الحرية واحترام كرامة الإنسان والثورة على الحاكم وإنهاء العقد الاجتماعي الذي تخلى فيه عن الواجبات. إلا أن هذا لا يعني أن الثورة انتصرت للفكر الليبرالي. فالقضية لم تعد انتصار أصحاب تيار على آخر وإنما تكمن في المقدرة على بناء الشكل المؤسسي والقانوني المناسب لتحقيق قيم العدالة والمساواة. فالكل قد يكون فاعلاً أياً كان فكره، ليبرالياً أو يسارياً، إسلامياً أو مسيحياً، مادام انطلق من رؤية غير محتكرة للعقول وللمعرفة. وهو الأمر الذي برهنت عليه ثورة الشباب بسقوط الفرضيات المطلقة، سياسية أو دينية. وعندما أوجدت الإطار الذي استوعب حالة التنوع السياسي والديني للشباب ووحدهم تحت قيم ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة. ومن هنا تبرز أهمية مرجعية مدنية الدولة المصرية ممثلة في دولة القانون هي الحل لحالة صراع المرجعيات

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3242 - السبت 23 يوليو 2011م الموافق 22 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:26 ص

      عبد علي عباس البصري

      قال الرسول الاكرم (ص) : أنما بعثت لاتم مكارم الاخلاق. الرسول لم يبعث لهدم محصول أجيال انسانيه ! وأنما لاتمامها . كذلك حكم مبارك بعد ازاحته يحتاج لاصلاح وليس القضيه قضيه اسلاميه؟؟!! بتفعيل القانون الاسلامي والقانون الوضعي . والعداله وتساوي الحقوق وأيقاف العبث بمصير الامه وبخيراتها وبأمنها .

اقرأ ايضاً