العدد 3263 - السبت 13 أغسطس 2011م الموافق 13 رمضان 1432هـ

الربيع الإنجليزي والربيع العربي... ملاحظات أولية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

عندما اندلعت شرارة الانتفاضات والاحتجاجات في العالم العربي بدءاً من تونس ثم مصر وانطلقت لدول أخرى مع الأخذ في الحسبان عند التحليل اختلاف ظروف كل دولة وقع المتظاهرون أو المحتجون في أربعة أخطاء هي

الأول تصور تشابه الحالات العربية ومن ثم ردّدوا نفس الشعارات ورفعوا نفس اللافتات مثل إسقاط النظام وارحل للحاكم ونحو ذلك.

والثاني الاعتماد بقدر كبير على الخارج ولذلك كانت الأعين مفتوحة لكل كلمة ينطق بها الرئيس الأميركي أو غيره وكذلك ما ينطق بها قادة من دول معينة من داخل الإقليم التي بدورها لم تتوانَ ولم تقصر في إشعال النيران أو زيادتها اشتعالاً ونفس الشيء قامت به القنوات الفضائية التابعة لبعض دول الإقليم بحيث أصبح الدور الخارجي عاملاً رئيسياً.

والثالث الاعتماد فقط على وسائل التواصل الاجتماعي وأهميتها في الدول النامية محدودة لاعتبارات الأمية الإلكترونية فضلاً عن الأمية الهجائية ناهيك عن حالة الفقر

وأخيراً الخطأ الرابع هو تصور الشباب الذين أشعلوا الانتفاضات والاحتجاجات أنهم يمثلون كل الشعب ثم تصورهم أنه هم الشعب ومن ثم سعى بعضهم عملياً لإقصاء المختلفين معهم في الرأي أو الفكر.

وترتب على ما سبق ثلاث نتائج خطيرة هي:

الأولى عملية إقصاء لقطاعات واسعة من الشعب خاصة في بعض الدول لاختلاف المذاهب أو الأعراق ونحو ذلك.

الثانية ظهور قوي لم يحسبوا لها حساباً مثل السلفيين والصوفية في مصر علي سبيل المثال بل وأيضاً ظهور الإخوان المسلمين بكثافة وبوضوح.

الثالثة إغفال قوي النظام القائم وردود فعله ومن ثم انساقوا في المطالب والتشدد مما جرّ عليهم الكثير من الويلات هذا حدث في ليبيا عندما استولي الثوار بسرعة على عديد من المدن وعندما شدد النظام عليهم تراجعوا، ولولا الإنقاذ من الناتو، كان القذافي استعاد كل سطوته. أو عندما تناسى الثوار في مصر وقوف الشعب معهم وبخاصة الجيش الذي لولاه لكانت ثورة 25 يناير في مأزق أيضا وفي أحسن الفروض مثل أحداث سوريا أو ليبيا حيث الدبابات الحقيقية وليست الوهمية أو الودية كما حدث في مصر عندما سمح الجنود للمتظاهرين بركوب الدبابات في ميدان التحرير والتقاط الصور التذكارية بخلا ف دبابات دول أخرى التي تغتال براءة المدنيين وتدمر بيوتهم ومدنهم بالمدافع الحقيقية.

الربيع العربي لم يكن صافياً ونقياً حتى في أحسن صوره كما في تونس ومصر فهناك خلافات وربما بعض صراعات داخلية بين القوى الثورية وتكتلات وتحزبات متعددة فالمخاض عسير ومرحلة الانتقال صعبة وأدى لذلك حالة عدم وضوح الرؤية بين فرقاء الأمس في تخطيطهم للمستقبل أو تصورهم له. وسعى بعض الشباب لرسم صورة المستقبل بنفس المنظور الذي رسموا به تجمعاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو بالأحرى عبر العالم الافتراضي متناسين أن أي مجتمع به قوي سياسية واجتماعية وثقافية متعددة ومن هنا وقع الاختلاف بين تلك الرؤى وانسحب الشباب في إحدى الجُمع المليونية تحت ضغط الإسلاميين كما وقع الخلاف عندما انتقل بعض الثوار أو جناح منهم للتظاهر ضد المجلس الاعلي للقوات المسلحة فاصطدموا بأهالي حي العباسية قبل آن يصلوا إلى مقر وزارة الدفاع وحدث شيء مشابه في دول أخرى عندما خرج المتظاهرون عن الحدود المرسومة والمعقولة والمقبولة من النظام. أما في دول مثل سوريا فلم تكن السلطات جادة مطلقاً في أي عمل إصلاحي وكذلك ليبيا واليمن ومن ثم كان الأمر أو الحدث المفاجئ يقتضي بعض الوقت للرد بعنف عليه ولكي تسيل دماء حقيقية غزيرة وبكثافة وليس مجرد خدع إلكترونية.

الربيع العربي كانت له أهداف ثلاثة رئيسة هي استرداد الحقوق السياسية ثم استرداد الحقوق الاقتصادية وأخيراً بناء المستقبل وهنا تختلف الأمور عن الربيع الإنجليزي إذا جاز أن نصفه بهذا الاسم من قبيل المقارنة لأن ذلك ظهر في بعض الكتابات والصحف العربية بوجه خاص كنوع من المقارنة والنصيحة وهذا حقهم كما كان حقاً للدول الأخرى بما فيها بريطانيا أن تنتقد نظمهم السياسية إذ إن التدخل متبادل في العلاقات الدولية.

المطالب البريطانية كانت في المقال الأول مطالب معيشية لأن الحريات السياسية إلى حد كبير مكفولة فليس هناك تزوير للانتخابات والحكومات ممثلة للشعب مهما كانت درجة تمثيلها والنظم القانونية مستقرة والتغيير متاح إذا أيده الشعب بالأسلوب القانوني وليس بأسلوب التظاهر والنهب والسلب الذي حول الربيع الإنجليزي إلى ظاهرة إجرامية وتجاهل المسئولون المطالب الاجتماعية والاقتصادية وغربة بعض الفئات في المجتمع الإنجليزي ونقص الخدمات وهنا نقاط التشابه مع الربيع العربي.

الربيع العربي سرعان ما تحول إلى صيف أو خريف أو شتاء مع اختلاف الحالة من بلد لآخر. إما الربيع الإنجليزي فتحول إلي ظاهرة إجرامية وعنف وإعطاء مزيد من الصلاحيات للبوليس وكلمات قوية من رئيس الوزراء البريطاني لا تختلف في شكلها عن تلك التي ظهرت في بلاد الربيع العربي رغم اختلاف الحالتين، الرأي العام الانجليزي أيد حكومته بخلاف الرأي العام في كثير من الدول العربية كذلك أيدتها المعارضة والإعلام، كما أنه ليست هناك قوى إقليمية تتربص ببريطانيا الدوائر كما في منطقتنا العربية وكذلك ليست هناك قوى دولية ترسل أطروحات لبريطانيا للضغط على حكومتها للاستقالة مثلما حدث مع العالم العربي فالقوة العظمي الوحيدة حليفة لها

ونفس الظاهرة وجدناها في دولة شرق أوسطية جغرافياً وهي إسرائيل فقد ثار البعض مطالبين بعدم رفع الأسعار ولكن الأحزاب حتى المعارضة لم تؤيدهم والحكومة أجلت الرفع مؤقتاً لعدة أيام ثم عادت فرفعت الأسعار في سلع أخرى غير تلك التي تسببت في الاحتجاج. الفارق الرئيسي هنا أن بريطانيا أو إسرائيل كدول رأسمالية لا تهتم إلا بالسياسة الاقتصادية من زاوية إتاحة الفرص للإنعاش الاقتصادي ولكنها تترك البحث عن العمل لكل مواطن وهي ليست مسئولة عن توفير المسكن والمأكل والمدفن له لأنها تنتهج الفلسفة الاقتصادية الرأسمالية وليس منهج الدول الريعية.

الربيع البريطاني انتهى بسرعة وتحول لظاهرة إجرامية في حين أن الربيع العربي مازال يتأرجح بين الفصول الأخرى ولم يعد ربيعاً خالصاً حتى في الدول التي نجحت في تغيير النظام، مثل تونس ومصر، اللتين ستظلان حالتين استثنائيتين، وهو شعار جرّ الكوارث على الشعوب في بعض الدول الأخرى عندما رفعته غير مدركة لاختلاف كل حالة عن الأخرى واختلاف ظروف كل دولة من حيث الديموغرافيا ومن حيث أوضاعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ومن ثم السياسية... وإن هناك اختلافاً جوهرياًَ كبيراً بين العرب والإنجليز من كل هذه الزوايا السياسية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. ومن ثم تصبح المقارنة غير دقيقة بل أحياناً غير صحيحة

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3263 - السبت 13 أغسطس 2011م الموافق 13 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً